بسم الله الرّحمان الرّحيم والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر إنا لله وإنا إليه راجعون ببالغ الأسى واللوعة، وعميق التأثّر والحسرة، نودّع اليوم زميلا عزيزا، وابنا بارّا من أبناء تونس المخلصين، المغفور له بإذن الله تعالى المرحوم سليم شاكر وزير الصحّة في حكومة الوحدة الوطنيّة الذي وافته المنيّة ظهر أمس الأحد وهو في أوجّ العطاء وفي ذروة النشاط باذلا من جهده ووقته في سبيل الواجب المهني إلى آخر رمق. والرّاحل، المنعم بإذن الله، سليل عائلة وطنيّة عريقة أصيلة مدينة صفاقس المناضلة، وحفيد أحد رجال تونس وقادة الحركة الوطنيّة والكفاح التحرّري ضدّ الاستعمار الشهيد الهادي شاكر. وهو أيضا ابن السياسي محمد شاكر الذي كانت له إسهامات مشرّفة في بناء الدولة التونسيّة الحديثة. ووسط هذه البيئة الأصيلة، الموسومة بالنضال والإيثار وروح التضحية، نشأ الفقيد سليم شاكر وتربّى على القيم النبيلة، فكان مثالا للشباب التونسي الوطني الطموح والمتوثّب لنيل العلم والمعرفة. ولقد كان الفقيد متميّزا في مساره الدراسي، تحصّل على شهادة الباكالوريا من المعهد الصادقي، وزاول دراساته الجامعيّة بدار المعلمين العليا بتونس وتخرّج منها مبرّزا في الرّياضيات، كما أحرز شهادة الهندسة في الإحصاء الاقتصادي بفرنسا والماجستير في الأعمال والتصرّف بتونس. وقد أهّلته هذه النجاحات العلميّة، وما تمتّع به من قدرات مهنيّة فائقة ليكون من خيرة الإطارات الشابّة التي قدّمت الإضافة للدولة التونسيّة ومؤسّساتها. ومباشرة بعد ثورة 14 جانفي المجيدة، دعي المنعّم المبرور بإذن الله إلى تحمّل مسؤوليات سياسيّة سامية في مواقع متقدّمة، إذ عيّن كاتب دولة للسياحة في أوّل حكومة تشكّلت عقب الثورة، ثمّ وزيرا للشباب والرياضة. وإثر انتخابات عام 2014، عيّن رحمه الله وزيرا للمالية فوزيرا مستشارا لدى رئيس الجمهورية مكلّفا بالشؤون السياسيّة، ثم تمّ تعيينه وزيرا للصحّة في حكومة الوحدة الوطنيّة في التحوير الحكومي الأخير. ولم ينفك منذ توليه لمهامه على رأس هذه الوزارة عن الإحاطة الشاملة بالقطاع الصحّي، والوقوف على مشاغله والمتابعة الميدانيّة لسير هياكله من خلال زيارته المكثفة إلى المؤسّسات الصحيّة في البلاد، وحرصه الدؤوب على الارتقاء بأداء االعاملين فيها، وإسداء أفضل الخدمات إلى المواطنين والمواطنات حيثما كانوا. رغم قصر المدّة التي قضاها على رأس الوزارة. ولا أدل على تفاني الرّاحل العزيز وإخلاصه للأمانة المنوطة بعهدته، من إشرافه أمس الأحد في يوم راحته الأسبوعيّة على تظاهرة صحيّة رياضيّة بمدينة نابل تندرج في إطار خطة الوزارة لمكافحة مرض السرطان عافاكم الله. لقد عرف طيّب الله ثراه، بجملة من الخصال، من أبرز سماتها التواضع ولطف المعشر ودماثة الأخلاق، وفي الوقت نفسه كان مثالا للكفاءة والحزم والثبات والوطنيّة، فكسب محبّة الجميع وتقديرهم له. عرفناه إطارا كفؤا في الإدارة التونسيّة، خدمها بصدق وإخلاص طيلة سنين، وأجمع الناس فيها على صدقه وكفاءته، عرفناه مناضلا مؤسّسا في حزب حركة نداء تونس، وساهم من موقعه الحزبي في نجاح تجربة الانتقال الديمقراطي في بلادنا. عرفناه كاتب دولة ومستشار ووزير، يعطي من جهده ومن وقته ومن صحّته لبلاده دون حساب. وكان يقول باستمرار "يكفيني فخرا أن أخدم بلادي من هذه المواقع". أيّها الأخ والزميل.. أيّها المفارق العزيز، إنّ عزاءنا في فقدانك، إنّك ستظلّ رمزا للجديّة والمثابرة والتضحية في سبيل تونس وخدمة شعبها. ونسأل الله أن يتغمّدك بواسع رحمته، ويتقبّلك بالمغفرة والرّضوان ويسكنك فسح جنّاته ويرزق أهلك وذويك جميع الصّبر والسلوان وأن يجعل مقامك عنده مع النبيّين والصدّيقين الشهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا وأن يبدلك دارا خيرا من دارك وأهلا خيرا من أهلك ويرفعك عنده في مقعد صدق عند مليك مقتدر إنه وليّ ذلك والقادر عليه. نفارقك اليوم أيّها المفارق العزيز وإنّا على فراقك لمحزنون وقد تعلّمنا منك الكثير، صبرا على المسؤولية وبذلا عند المقدرة، وتضحية على بلاء التكليف مستذكرين حديث النبي صلى الله عليه وسلّم "إن قامت السّاعة وفي يد أحدكم فسيلة، فيغرسها". فجاءك الأجل المحتوم وأنت في عمل إنساني نبيل فهنيئا لك ما ستذكره لك الأجيال القادمة كقدوة وكرمز للبذل من أجل الوطن. أخي وصديقي سليم، عرفناك غيورا على وطننا… حريصا على المصلحة الوطنيّة… مؤمنا بقيمة العمل.. بضرورة التضحية.. ونحن نعاهدك اليوم، ونحن نودّعك هذا الوداع الأخير.. نعاهدك على أن نواصل السير في نفس الطريق التي سلكتها.. نعاهدك على أن تكون وطنيّتك نبراسا نهتدي به.. ونسلّمه لأجيال ستأتي لتحمل المشعل من بعدك ومن بعدنا.. ونتقاسم معهم هذا الحب الذي ظل يخفق في قلبك إلى آخر رمق، ونعدك أن يبقى يخفق هذا الحب في قلوبنا.. طالما مازال في العمر رمق.. حب تونس.. الذي مثلك يا ابنها البار.. به نحيا.. وبه نموت.. أيّها الفقيد العزيز، نودّعك اليوم في هذا الحشد الذي تجمّع فيه زملاؤك في حكومة الوحدة الوطنية وأحاط بك أبناء حزبك ووطنك سائلين الله أن يتقبّلك قبولا حسنا وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنّة في تراب وطنك الذي فيه نشأت وفيه كبرت وفيه تولّيت مسؤولياتك وفيه جاءتك المنيّة، واليوم يوارى جسدك الثرى في وطنك العزيز مجاورا لشهداء بلادك وزعمائها وأبناء شعبك. يا أيّتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي. صدق الله العظيم