من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام الجامعة المانعة: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: ((يَا غُلَامُ, إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ, إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ, وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ, وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)) الذي أراه أن هذا الحديث فيه؛ عددٌ من أصول الدين، والأحاديث التي تنطوي على أصول الدين تعد من أركان الأحاديث . هذا تركيب شَرطي، أو اجتهد تنجح، هذا تركيب طلبي جزائي، فإذا ورد في اللغة تركيبٌ كهذا التركيب, فاعلم أن العلاقة حتميةٌ بين المقدمة والنتيجة . ((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ)) الجواب حتمي، العلاقة بين الطلب والجواب علاقةٌ حتمية، أي علاقة سببٍ بنتيجة، ومَن منا لا يتمنى أن يحفظه الله تعالى؟ من منا لا يتمنى من كل أعماقه أن يكون في حفظ الله؟ أن يكون في رعايته؟ لأن الله هو القوي، أنت كلما التجأت إلى قوي, تشعر بالطمأنينة أكثر، لو اعتمدت على إنسان عنده بعض القوة، وجاء مَن هو أقوى منه، انهار ظهرك، فكيف إذا التجأت إلى أقوى الأقوياء؟ إذا التجأت إلى خالق الأرض والسموات؟ ((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ)) إليكم شرح الجزء الأول من حديث النبي (احفظ الله) : الآن نريد أن نفهم, ماذا يعني النبي عليه الصلاة والسلام من قوله: ((احْفَظْ اللَّهَ)) أولاً: احفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره، ونواهيه، ((مَن هو ولي الله يا جنيد: أهو الذي يطير في السماء؟ قال: لا, أهو الذي يمشي على وجه الماء؟ قال: لا, أهو الذي يبكي في الصلاة؟ قال: لا, من هو الولي؟ قال: الذي تجده عند الأمر والنهي)) مقياس واحد يرفعك عند الله، هو أن تكون مطبقاً لأمره ونهيه، احفظ حدوده, قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾ [سورة البقرة الآية: 229] ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ [سورة البقرة الآية: 187] هذا لا يجوز، لا أفعله ورب الكعبة، هذا لا أوافق عليه، هذا العقد لا أوقعه، لأن البضاعة محرمة، هذا اللقاء لا أحضره, فهو مختلط، هذه الطريقة في البيع لا أوافق عليها, فيها شبهة، هذا العمل لن أفعله, فيه إيقاع أذى بمؤمن أو بإنسان، معنى ((احْفَظْ اللَّهَ)) أي احفظ حدوده، اجتنب نهيه، لذلك المؤمن: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم﴾ [سورة الأحزاب الآية: 36] هذا التردد: والله معقول أفعل هذا أم غير معقول؟ مَن أنت حتى تقول: معقول أو غير معقول؟ أنت أمام أمر، أمام أمر إلهي، فإذا فكرت في أن تفعله أو ألا تفعله, فلست مؤمناً: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [سورة الأحزاب الآية: 36] وحفظ ذلك: هو الوقوف عند أوامره بالامتثال؛ أمرك أن تصلي، أمرك أن تغض البصر، أمرك أن تقول للناس حسناً، أمرك أن تصل رحمك، أمرك أن تنصف الناس من نفسك، أمرك أن تقرأ القرآن، أمرك أن تحسن إلى كل الأنام، هذه أوامر، وعند نواهيه بالاجتناب، هذا هو الحفظ، تطبيق الأمر واجتناب النهي، وعند حدوده بعدم التجاوز، فمن فعل هذا, كان من الحافظين، احفظ أوامر الله بالتطبيق، احفظ نواهيه بالاجتناب، احفظ حدوده بعدم التجاوز . نشب خلاف بينك وبين زوجتك، هذا الخلاف يستأهل أن تعاتبها، أن تعرض عنها، لكن لا يستحق أن تطلِّقها، تجاوزت الحدود، لا تطلق المرأة إلا من ريبة، إذا شككت في أخلاقها، إذا خانتك، هذا العمل يقتضي الطلاق، أما إذا غاضبتك، أو غاضبتها، أو قصرت في حقك، عاتبها، اهجرها، أعرض عنها، أما أن توقع الطلاق لسببٍ لا يوجبه الطلاق, فقد تجاوزت الحدود . حينما قال الله عزَّ وجل: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ [سورة ق الآية: 32] مَن هو الحفيظ؟ هو الذي يحفظ حدود الله، يحفظ الأوامر فيطبقها، يحفظ النواهي فيجتنبها، يحفظ الحدود فلا يتجاوزها, قال تعالى: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [سورة ق الآية: 32-33] ما هي معاني الحفظ التي تندرج في حديث النبي (احفظ الله يحفظك) ؟ 1- الحفاظ على الصلاة : أيها الأخوة, ما أبرز أوامر الله عزَّ وجل؟ أجمع العلماء على أنها الصلاة، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين, لا خير في دينٍ لا صلاة فيه, يقول ربنا عزَّ وجل: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [سورة البقرة الآية: 238] وقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [سورة المعارج الآية: 23] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا, فَقَالَ: ((مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا, كَانَتْ لَهُ نُورًا, وَبُرْهَانًا, وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا– الصلوات الخمس- لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ, وَلَا بُرْهَانٌ, وَلَا نَجَاةٌ, وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ, وَفِرْعَوْنَ, وَهَامَانَ, وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ)) [أخرجه أحمد في مسنده، والدارمي في سننه] 2- الحفاظ على الوضوء : عندنا أمر آخر: الطهور، لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، المؤمن دائماً متوضئ، خرج من بيته متوضئًا، أَذَّن المغرب دخل وصلى، كان في مجلس الوضوء فيه صعب، فلو قيل: نصلي، فهو متوضئ، فالمحافظة على الوضوء من فروع المحافظة على الصلاة، ما دام يهمك أن تصلي في الوقت المناسب، في الوقت المستحب، وأن تؤدي الصلاة على وجهها، إذاً يجب أن تستعد لها بالوضوء الدائم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ)) [أخرجه ابن ماجه في سننه وأحمد في مسنده] وفي قول يرويه أكثر العلماء, وإن كان هناك تحفظ في بعض فقراته: ((من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني، ومن توضأ ولم يصل فقد جفاني، ومن صلى ولم يدعني فقد جفاني، ومن دعاني ولم أجبه فقد جفوته، ولست بربٍ جافٍ، ولست بربٍ جافٍ، ولست بربٍ جاف)) إذاً: المحافظة على الصلوات، والمحافظة على الوضوء، هذا معنى احفظ الله يحفظك.