مجدولين الورغي: عريضة سحب الثقة لا تستهدف بودربالة بل تصحيح أداء مكتب المجلس    الشرع: سوريا حققت إنجازات كبيرة خلال 11 شهرا    اليوم جلسة عامّة بالبرلمان لمناقشة ميزانية وزارتي الداخلية و العدل    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض    مجلس الشيوخ الأمريكي يصوت لصالح إنهاء الإغلاق الحكومي    ألعاب التضامن الإسلامي بالسعودية :تونس تُتوج بثلاث ميداليات برونزية في الجودو    السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    النجم الرياضي الساحلي يستنكر الهفوات التحكيمية في مواجهة النادي الرياضي البنزرتي    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وكالة الاستخبارات الأمريكية وحاضرة الفاتيكان عزالدين عناية
نشر في صحفيو صفاقس يوم 12 - 11 - 2017

صحيح أن حاضرة الفاتيكان دولة دينية، ولكنها دولة نشيطة على مستوى سياسي أيضا، وإن بدا هذا الدور مغمورا أحيانا، بدعوى الحرص على الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي. ولعلّ ذلك ما حدابستالين سابقا ليقعَ في تقديرات خاطئة حين تساءل هازئا عن عدد الوحدات العسكرية التي بحوزة البابا، لارتباط الفعل السياسي لديه بالقوة الجارحة وغفلته عما يستند إليه من قوة ناعمة أيضا. وإدراكا لهذا الدور السياسي والثقل الروحي لحاضرة الفاتيكان، نجد الكثيرمن الصحف الغربيةتضمّ في طواقمها ما يعرف ب"الفاتيكانيست"، أي المتخصص في الشأن الفاتيكاني، يتولى بالتحليل أنشطة الفاتيكان الدينية والسياسية. وفي كتاب إريك فراتيني المعنون ب"السي آي ايه في حاضرة الفاتيكان"، الذي هو عبارة عن بحث مطوّل، يرصدفيه صاحبه ويتابع أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لثلاثة بابوات: البابا الحالي خورخي ماريو برغوليو (فرانسيس)، والبابا المستقيل جوزيف راتسينغر (بندكتوس السادس عشر)، والبابا الراحل كارول ووجتيلا (يوحنا بولس الثاني). فالولايات المتحدة تعي جيّدا ما لهذه الدويلةمن تأثير في السياسة الدولية،وإن كان اتساعهالا يزيدعنأربعة وأربعين هكتارا. ولكن جيش الكنيسة الحقيقي هو جيش فريد، يضمّ في صفوفهأكثر من 400 ألف كاهن، و 760 ألف راهبة. كما تربطالفاتيكان علاقات دبلوماسية ب177 دولة، وتشملتحت إشرافها ثلاثة ملايين مدْرسة، وخمسة آلاف مشفى، ويضم "الكاريتاس"(دُور الإحسان)، 165 ألف عنصر بين متطوّع وعامل يقدمون خدماتل24 مليون نفر؛وبالتالي فمن الطبيعي أن تخصص وكالة الاستخبارات الأمريكية جانبا من انشغالاتها لهذه الدولة.
إريك فراتيني مؤلف الكتاب الذي نتولى عرضه هو من مواليد ليما في البيرو،وهو جامعي يدرّس في جامعة مدريد،وقد سبق له أن نشر أكثر من عشرين مؤلفا في القضايا الأمنية والاستخباراتية، منها "المافيا:مائةعام من كوزا نوسترا"، و"العراق البلد المتقلّب"، و"أسرار حاضرة الفاتيكان"، و"غِربان حاضرة الفاتيكان". في مستهل كتابه يستعرض الأجهزة الرئيسة في حاضرة الفاتيكان المهتمة بالشأن السياسي، حيث تبرُز سكرتارية الدولةكجهاز رئيس يتكفل بترويج الأيديولوجيا السياسية للحبر الأعظم. فضلا عن ذلك، نجد "الدوائر التكوينية"(I Colleggi)، وهو جهاز تتمحور مهامه في تكوين الممثلين البابويين في الخارج. والغرض الأساسي للدوائر التكوينيةهو التدريب السياسي لرجال الدين في روما ثم ترحيلهم إلى بلدانهم وتصعيدهم في التراتبية الكنسية بقصد التأثير في سير النظام السياسي العام.
في تناول فراتيني لمسألة الفاتيكان والاستخبارات الأمريكية، يوزّعكتابه على ثلاثة أقسام، كل قسم مخصص إلى بابا من البابوات الثلاثة، ثم يقسم القسم الواحد إلى مجموعة من المعنونات بحسب القضايا التي تتركز عليها الاهتمامات الاستخباراتية. مشيراإلى أن الخط العام للسياسة البابوية يتبدل تكتيكه من بابا إلى آخر مع محافظة على الجوهر. يقول فراتيني حوّلتوكالة الاستخبارات الأمريكية الكرسي الرسولي وحشدا من الكرادلة والأساقفة والموظفين السامين إلى أهداف لعملها، لما يحظى به الفاتيكان منسلطة رمزية في العالم.
في القسم الأول المخصّص للبابا الحالي يُبرِز فراتينيأن تتبّع الشأن المتعلق بفرانسيس،من قِبل "وكالة الأمن القومي"، قد انطلق منذ انعقاد الكونْكلاف(مجلس الكرادلة الخاص بانتخاب البابا) وذلك عَقب الاستقالة المفاجئة لراتسينغر، حيث باتت كافة المكالمات الهاتفية الصادرة والواردة على الفاتيكان عرضة للتنصّت، وامتدت المراقبة لتشمل المعنيين ب"الإيور"الذراع المالية للفاتيكان، بوصفه قطب الرحى الاقتصادي والمالي للكنيسة. وفي جمع المعلومات وتحليلها تعتمد "وكالة الأمن القومي"، وفق فراتيني،على أعوان نشطين في روما بحوزتهم تكنولوجيا متطورة، يعملون في مكاتب حصينة تابعة للبعثة الدبلوماسية،وبمقدورهم تخزين المعلومات عبر نظام الإشارات. ويورد فراتيني أن أعوان المخابرات في سفارة الولايات المتحدة لدى الكرسي في وسعهم التنصت على كافة الاتصالات في حاضرة الفاتيكان، سواء تلك الواردة عبر الهواتف النقالة أو "الوايرلاس" أو المارة عبر الأقمار الاصطناعية. مضيفا أن بمقدور الأعوان تحديد من يخاطب ومن يتلقى المكالمة وذلك بوساطة نظام "بريسم"المخصص للتجسس الرقمي، ناهيك عنمراقبة الحواسيب بمجرد أن يلج المرء الشبكة العنكبوتية. موضحاأن شركات غوغل وياهو وفايسبوك وميكروسوفت وآيبل وسكايب ويوتوب وآأول وبالتالك ودروبوكس،يربط جميعها تعاون وثيق مع وكالة الأمن القومي.
فأثناء التحضير لاختيار البابا الجديد، عَقِب استقالة راتسينغر، تحوّل المائة وخمسة عشر كردينالا إلى "بيت القديسة مارتا" خلْفَ كاتدرائية القديس بطرس للتشاور بشأن المرشَّح الجديد، وقد عمل الحرس السويسري، جندرمة الفاتيكان، على تعطيل كافة أنواع التواصل من وإلى بيت مارتا تفاديا لأي عملية تنصت وحفاظا على سرّية مداولات المجمع، لكن الحرس السويسري ما كان يعلم أن كافة الاتصالات الصادرة والواردة إلى الفاتيكان قبل ذلك اليوم، كانت عرضة للتنصت أثناء التجمعات العامة التي سبقت انعقاد المجمع.
وقد تطرّقفراتيني من جملة ما تطرق إليه إلى مسألة تغاضي البابا الحالي عن الدكتاتورية في الأرجنتين حين شغلمنصب أسقف بيونس أيرس، وهي مسألة لا تزال مثار جدل، آخرها صدور كتاب في إيطاليا للوريس زاناتا "الكنيسة والدكتاتورية في أرجنتين برغوليو"يبرز أن الكنيسة كانت في قلب التاريخ الأرجنتيني، وقد باركت عسكريين ورعت ثوريين، ودعت للمسيحي الثوري وناجت الرب المناهض للثورات. ووفق ما يورده إريك فراتيني، اعتمادا على ما تفحّصهمن تقارير استخباراتية،أن برغوليو لم يسلم من مظنّةالتورط في الأحداث التي شهدها الأرجنتينخلال "الحرب القذرة" (1976-1983) بوصفه المسؤول الأول عن الكنيسة. فإدانة رجل الدين كريستيان فون فرنيخ،القسيس السابق في شرطة بيونس أيريس، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تحشر برغوليو ضمن سلسلة المتواطئين.حيث أُدين فون فرنيخبانتهاك حقوق الإنسان والتورط في تصفيةمعارضين والمشاركةفي حالات تعذيب واعتقال. وعلىما يورده فراتيني أن تورط الكنيسة الكاثوليكية في تلك الانتهاكات يمكن أن يضع البابا فرانسيس موضع تهمة وأن يؤثر على سلطته المعنوية والروحية. ولعل حالة فرانسيس في خضمّ الوضع الذي ألمّبالأرجنتين يتلخص في قول أدولفو بيريز إسكويفال، الحاصل على جائزة نوبل للسلام سنة 1980، أن برغوليو قد خانته الشجاعة لمعاضدة الكفاح من أجل حقوق الإنسان، ولكنه ما كان متواطئا مع الدكتاتورية.يبدو هذا القسم مشحونا بالمعلومات "الاستخباراتية"، على ما يذكر فراتيني، لكنها في الحقيقة تظهر أحيانامن الأمور المتداولة في أوساط المهتمين بالشأن السياسي.
وفي القسم الثاني من الكتاب المخصص إلىجوزيف راتسينغر تحضر قضايا العالم الإسلامي بشكل بارز ضمن سياسة الفاتيكان، خصوصا عَقِبمحاضرتهالشهيرة في راتيسبونا (2006) وما خلّفته من قلاقللِما تضمنته من اتهام صريح للإسلام بالعنف. وقدعبّر تقريرٌ صادرٌ عن السفارة الأمريكية في حاضرة الفاتيكان عن الاستغراب من انزلاق البابا المثقف إلى تلك المشاحنة وعدم تقديره عواقب ذلك، خالصا إلى أن البابا لم يكن أنيقا في كلامه، الأمر الذي يدفع الاستخبارات الأمريكية لأخذ التهديدات الموجهةإلى قداسة الباباعلى محمل الجد. ففي برقية صادرة من السفارة الأمريكية لدى حاضرة الفاتيكان في ديسمبر 2008 إلى وزيرة الخارجيةكوندوليزا رايس شرحٌ مفصّل للتعاون الوثيق مع حرس الفاتيكان بقصد تطوير السبل الأمنية الناجعة للمراقبة والحيطة.
من جانب آخر أَوْلى القسم المخصص لراتسينغر اهتمامالانشغالالمخابرات الأمريكية بموضوعالحوار بين الأديان. وقد أُعدَّت في الغرض ثلاثة تقارير صدرت سنتي 2007 و 2009. يورد التقرير الأول أن البابا عَقب يومين من اعتلائه سدة بطرسأقدم على تنحية رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان الكردينال مايكل فيتجيرالد، بما يفصحأن البابا الجديد ما كان راضيا على أداء شخص "شديد" القرب من العالم الإسلامي، ليستبدله بالكردينال جون لويس توران المعروف بمواقفه المتشددة من الإسلام. مشيراالتقرير إلى أن الإسلام لا يزال ينضوي تحت المجلس البابوي للحوار بين الأديان، الذي يضم الهندوسية والبوذية والديانات الإحيائية، في حين تنضوي اليهودية تحت المجلس البابوي لتطوير الوحدة بين المسيحيين، والأمر فيه دلالة على موقع الإسلام في التصور المسيحي الغربي.
ودائما في نطاق الإحاطة بمفهوم الحوار، يورد فراتيني الآثار المترتبة عن زيارة العاهل الراحل الملك عبداللهللفاتيكانسنة 2007، رغم أن العربية السعودية لا تربطها علاقاتدبلوماسية بالفاتيكان. أوضح التقرير تحمّس الملكللحوار وإن أعرب عن خصوصية المملكة وسط العالم الإسلامي، لكن الفاتيكان ألحّمن جانبه على ضرورة تيسير شؤونالعبادة لمليون وستمائةألف مسيحي يعيشون على أرض المملكة، ليتناول التقريرشعور البابابالخيبة من نسق تقدّم الحرية الدينية ليس في السعودية فحسببل في العالم الإسلامي. والملاحظ في عرض الباحث فراتيني لعديد القضايا إيثاره إيراد الوقائع كما رشحت من التقارير الاستخباراتية دون تدخل بالتعليق من جانبهأو إبداء موقف نقدي،ما يسقط الكاتب أحيانا في أسلوب سردي للأحداث، يجعل عملهشبيهابالحوليات.
كما يعبّرأحد التقريرين الصادرين سنة 2009 عنغلبة التوظيف السياسيلمقولة الحوار، فعلى إثر إرساء علاقات دبلوماسية بين الفاتيكان والجامعة العربية خلال العام 2000،لم تخلّف مذكرة التفاهم الموقّعة بين الجانبين أي مبادرة فعلية. من جانب آخر يُفصح التقرير عن التوظيف البراغماتي للحوار الإسلامي المسيحي، فعلى إثر حادثة راتيسبونا سعى البابا لامتصاص الغضب المتصاعد من العالم الإسلامي من خلال القيام بزيارة إلى تركيا، أوحى عبرها أنه لا يعارض انضمام تركيا إلى المجموعة الأوروبية، لكنه يحضّ الطرف المعني على مزيد ترسيخ قيم الحرية الدينية واحترام حقوق الإنسان، ويعلق إريك فراتيني قائلا إن المصالح الاستراتيجية للفاتيكان وتركيا وأمريكا حاضرة بقوة، فالكل يناور سياسيا حتى حاضرة الفاتيكان.
ودائما في نطاق ما يتعلق بالحوار، يقول فراتينيبشأن الزيارة التي كان البابا المستقيل يزمع القيام بها إلى الأردن وفلسطين، في مايو 2009، أن الجانب الأردنيهدف بالأساس إلى تحريك النشاط السياحي، لا سيما وأن الأمير غازي قد استثمرفي المجال السياحي في أطراف الموضع الذي شهد تعميد السيد المسيح؛ في حين كان الإسرائيليون بوساطة سفيرهم لدى الكرسي الرسولي يلحّونعلى أن يُشِيد راتسينغر علنًا بالحرية الدينية التي ينعم بها المسيحيون في إسرائيل وبماليس لها مثيل في الشرق الأوسط.
من جانب آخر يتعرض فراتينيفي القسم نفسه إلى مسألة هامة لدى الجانب الأمريكي بشأن تصريح البابا أثناء التحضيرلانعقاد مؤتمر أساقفة إفريقيا في 2011 حول مشكلة مرض فقدان المناعة المكتسبة، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة،معتبرا أن مرض فقدان المناعة في إفريقيا لا يمكن تخطيه باللافتات الدعائية وبتوزيع العازل الوقائي، فذلك مماقد يفاقم الأزمة. وفي الواقع تتلخص مقاربة راتسينغر لمسألةانتشار مرض فقدان المناعةفي إفريقيا في الإحجام عن الممارسة الجنسيةوالامتناع عن الاختلاط والوفاء داخل الأسرة، وهي الرؤية العامة للاهوت الكاثوليكي بشأن التصديلهذا المرض.وفي التحاليل التي دبجها محللو وكالة الاستخبارات الأمريكية، ضمن التقرير نفسه، قدروامدى خطورة تصريحات البابا في حثّه أساقفة إفريقيا على "عدم الاستسلام لقوانين السوق والسياسة المالية العالمية" واعتبروا ذلك مناهضا للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، ما يضع البابا على نقيضخيارات الليبرالية الاقتصادية التي تسعى أمريكا جاهدة إلى ترويجها في أرجاء العالم، وربط محللو الاستخبارات ذلك بالتغيرات الحاصلةداخل الكنيسة الكاثوليكية التي تشهد تراجعا ملحوظا في أوروبا وتطورا بارزا في إفريقيا.
كما لا تغيب المسائل الأمنية عن هذا القسم من الكتاب،ففي تقرير مفصّلبعنوان "الفاتيكان يؤيد الرأي القائلبأن إيران لا تتعاون مع الوكالة الذرية"صادر عن السفارة الأمريكية بحاضرة الفاتيكان في شهر أكتوبرمن العام 2010،تضمّن مواقف باولو كونفيرسي الأستاذ في الجامعة الغريغورية وأحد مستشاري البابا في المجال العلمي وإبراز دعم الفاتيكان اللامشروط للسياسة الأمريكية في ما تنتهجه من ضغوطاتعلى طهران.
أمافي القسم الثالثوالأخيرالمخصص للبابا يوحنا بولس الثاني، فيستعرض الباحث فراتيني من خلالهتقريرا صادرا عن السفارة الأمريكية في الثالث عشر من سبتمبر 2002، يبرز فيه السعي الجاد للولايات المتحدة لكسبِ البابا إلى صفها أثناء التحضير لإسقاط صدام، بعد أن أعلنووجتيلا معارضته للحرب واشترط في حال اللجوء إليها أن تكون تحت غطاء دولي. حيث يبيّن التقرير الاختلافات الجوهرية في مفهوم الحرب العادلة بين الفاتيكان والولايات المتحدة. ويستعرض فراتيني اعتمادا على جملة من البرقياتوالوثائق المساعي الحثيثة للسفير الأمريكي جيمس نيكلسونلدى الكرسي الرسولي لإقناع المسؤولين في الفاتيكان بضرورة التعجيل بهجوم على العراق. حيث يورد فراتينيفي إحدى فقرات كتابهردّ المونسنيور فرانكو كوبولا، القاصد الرسولي إلىمنطقة الشرق الأوسط، قبل شهر من اندلاع الحرب في العشرين من مارس 2003،عن سؤال طرحه الطرف الأمريكي مستفسرا عن الوضع العام في العراق النفسي والاجتماعي على إثر عودة المبعوث من زيارة قابل فيها صدام، قائلا: "هم متقبّلون للحرب وهو قدريون على عادة العرب".
في جانب آخر من هذا القسم من الكتاب يتعرض فراتيني إلى ما شهدته العلاقات بين إسرائيل والفاتيكان من تحوّل عميق إبان ووجتيلا. فبعد أن أعلن البابا سنة 1986 في خطابه في بيعة روما أن اليهود هم إخوتنا الكبار،وأن الكنيسة تستمدّ جذورها من تلك الزّيتونة المباركة التي طعّمتأغصان الزّيتون البرّي للأغيار؛بعد خمس سنواتوتحديدا مع انعقاد مؤتمر السلام في مدريد، تلقى البابا صفعة قوية من إسرائيلبرفض حكومة إسحاق شامير مشاركة الفاتيكان في المؤتمر بدعوى أنها لا تربطها علاقات دبلوماسية بالطرفين المتنازعين. والملاحظ عموما في الكتاب غياب التوازن بين الأقسام الثلاثة التي وزعت حسب الباباوات، هذا إضافة إلى أن مضامين بعض المعنونات تأتي سطحية، لكن ذلك لا يخفي صرامة منهج الكاتب في التعاطي مع الأحداث من خلال الوثيقة المخابراتية التي تبقى منيعة على كثير من الدارسين والباحثين.
الكتاب: "السي آي ايه في حاضرة الفاتيكان".
المؤلف: إريك فراتيني.
الناشر: سبيرلينغ و كوبفر (برشلونة-ميلانو) ‘باللغة الإيطالية'.
سنة النشر: 2017.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.