مرت سنة 2017 وتركت وراءها مؤشرات اقتصادي سلبية عديدة تجعلنا نقف عندها ونستقرأ ما ينتظرنا خلال سنة 2018 ونرفع في شأنها التحديات المناسبة لمجابهتها. أول هذه التحديات تتمثل في خلق الثروة لتحريك النمو الاقتصادي التي أضحت تتلاشى شيئا فشيئا منذ 2011 لعدة أسباب أهمها ما ذهب إليه من تسلموا الحكم بعد 2011 استجابة للتحركات المطلبية للشارع التونسي من جهة وتنامي الفساد والرشوة والتهريب والارهاب والتهرب الجبائي من جهة ثانية. الحمد لله أن سنة 2017 شهدت تحسنا واضح للقضاء على هذه الظواهر ساهمت في تحسن نسبي في نسق النمو ولو أنها اتسم بالبطء. حيث سجلنا مضعفة نسبة نمو التي فاقت في أواخر سنة 2017 حدود 2% مقابل حوالي 1% فقط سنتي 2016 و2015. وقد ارتكز منوال التنمية ضمن الميزان الاقتصادي وميزانية الدولة على مواصلة المنحى التصاعدي لنسبة النمو وتحقيق نسبة 3% خلال سنة 2018. والحقيقة أن هذه النسبة غير كافية لأن قدرات القطاعات والمتدخلين الاقتصاديين في بلادنا قادرة على تحقيق الأفضل خاصة وأن اقتصادنا متنوع تسيره إطارات وعملة ذات كفاءة عالية من إداريين ورجال أعمال بإمكانهم جعل منتوجاتنا تغزو الأسواق العالمية. هذا يتطلب ربط الأحزمة لجميع المتدخلين من عملة وموظفين وخاصة الأحزاب والمنظمات والتوجه نحو العمل الجاد لخلق الثروة. ثاني التحديات التي تنتظرنا هي الاصلاحات الاقتصادية الكبرى التي جاء بها برنامج الحكومة الحالية. من بين هذه الإصلاحات نذكر إصلاح القطاع المالي وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية والإصلاح الجبائي وإصلاح منظومة الضمان الاجتماعي ومنظومة الدعم إلى جانب تحديث الإدارة. جميع هذه الإصلاحات شهدت تأخرا كبيرا في التنفيذ نظرا لعدم توفر المناخ الملائم لإنجازها من ناحية وعجز الحكومات المتتالية من ناحية ثانية. وهو ما جعل النمو في بلادنا بطئ بعد 2011 . والمؤكد أنه إذا توفرت الظروف الملائمة للشروع في تنفيذ هذه الإصلاحات الكبرى، ولو على المدى المتوسط، فإن تونس ستتمكن من تحقيق نسب نمو أرفع تأهلها اللحاق بالبلدان الصاعدة خلال السنوات القادمة. ثالث التحديات يتمثل في تحقيق التوازنات المالية الكبرى التي سجلت عجزا غير مسبوق. وتشمل هذه التحديات عجز المالية العمومية الذي استحوذ على 6% من الناتج الداخلي الخام. ويتمثل الهدف المعلن ضمن ميزانية الدولة في التخفيض في هذه النسبة إلى 5%. هذا ويمكن النزول بهذه النسبة إلى أكثر من ذلك إذا توفر عاملان أساسيان يتعلقان بنسبة نمو اقتصادي تفوق هدف 3% والقيام بمجهود في مجال استخلاص ديون الدولة. وهو أمر ليس بعسير إذا اتجه الجميع إلى العمل والتخفيض أكثر في حجم التهرب الجبائي والضغط على التهريب والتجارة الموازية. ويمثل التحكم في معاملاتنا مع الخارج أحد أهم تحدي في باب التوازنات المالية الكبرى خلال سنة 2018. حيث يواجه الاقتصاد التونسي منذ بداية السنة عجزا غير مسبوقا في معاملاتها التجارية مع الخارج وعجزا جاريا يبلغ 10% من الدخل القومي الخام. وهذا لعمري لم تشهده بلادنا منذ الاستقلال. تحقيق هذا التحدي مرتبط بعدة عوامل داخلية وخارجية. العوامل الداخلية تتمثل في الرفع من تنافسية اقتصادنا بالتحكم في تكاليف الانتاج من خلال الرفع في الانتاجية بالخصوص والبحث عن أسواق جديدة واعدة. أما العوامل الخارجية فهي مرتبطة باستقرار الأسواق الخارجية للمواد الأولية وخاصة الظرف الاقتصادي العالمي الذي يؤثر على الطلب العالمي لمنتوجاتنا المعدة للتصدير. رابع التحديات يتمثل في التشغيل، حيث تواجه الحكومة الحالية عدد هام من العاطلين عن العمل يفوق عددهم 650 ألف حوالي ثلثهم من حاملي الشهائد العليا وذلك دون اعتبار الوافدين الجدد على سوق الشغل. ويعتبر هذا التحدي من أصعب التحديات التي تنتظر الحكومة في 2018 وما يزيده صعوبة هو التوزيع الجغرافي لهذا الجيش من المطلين عن العمل والذي يتواجد بأكثر حدة بالمناطق الداخلية أين الاستثمار الخاص مازال محتشما. كما يزيد كسب هذا التحدي صعوبة قرار الوظيفة العمومية القاضي بوقف الانتدابات في الوظيفة العمومية. أهم العوامل التي من شأنها كسب هذا التحدي تتمثل في توفر عدة عوامل منها برمجو وإنجاز المشاريع الكبرى للدولة واستحثاث المشاريع المعطلة من جهة والعمل على تحسين مناخ الاستثمار خاصة بالجهات الداخلية من جهة ثانية. وهذا يبقى من مشمولات المجتمع المدني والمواطن بصفة عامة. ثاني عامل هو الرفع في الانتاجية بالمؤسسة وتحسين مناخ العمل داخلها. وإلى جانب ذلك وفي إطار توفير حلول متعددة في مجال التشغيل رفع يوسف الشاهد شعارا يتمثل في اعتبار سنة 2018 سنة التشغيل بجميع آلياته. خامس التحديات مرتبط بأهم عامل من عوامل النمو والتشغيل يتمثل في الاستثمار وخاصة توفير المناخ الملائم لدفع المستثمر الوطني والأجنبي لبعث المشاريع في المناطق الداخلية واقتحام القطاعات الواعدة. تحقيق هذا التحدي ممكن أذا توفرت تحديات أخرى أهمها الاستقرار السياسي والاجتماعي والنجاح في التصدي للإرهاب والتهريب والتجارة الموازية والتهرب الجبائي. وقد برزت مؤشرات إيجابية في هذه المجالات منها الاتفاق الحاصل بين اتحاد الشغل والحكومة المتعلق بعدم الزيادة في أسعار المواد الأساسية وتنفيذ الاتفاقات السابقة بين الطرفين. كما قامت القوات الأمنية والعسكرية بعمليات استباقية ناجحة في مجال التصدي للارهاب والتهريب والجريمة بصفة عامة. وقامت أجهزه المراقبة بأنواعها بعمليات نوعية ومتنوعة للتصدي للاقتصاد الموازي. يبقى تحديث الإدارة أهم عنصر يتطلب عملا كبيرا خلال سنة 2018 للتصدي للتجارة الموازية والتهرب الجباي وخاصة منها المصالح الديوانية والجبائية.