المديونية تقفز إلى ٪50 وصعوبات في الاقتراض الوضع في ليبيا يزيد في تدهور الاقتصاد تدهور نسبة النموّ مقابل استفحال التهريب عزم على تفكيك «البيروقراطية» وإصلاح الصناديق تحصلت «التونسية» على تقرير خاص حول تشخيص قامت به الحكومة الحالية مؤخرا حول الوضعية الاقتصادية التي تمر بها البلاد وبدت نتائجه بمثابة صيحة فزع حقيقية إزاء قصور المنوال التّنموي التّونسي والهشاشة الهيكلية للاقتصاد خاصة على مستوى التّنافسيّة والتّشغيل وضعف مساهمة الإنتاجيّة في النّمو وإرتكازه على القطاعات ذات القيمة المضافة المتواضعة والمشغّلة لليد العاملة ضعيفة التّكوين، إضافة إلى إشتداد حدّة التّفاوت الجهوي وتفشي ظاهرة التّجارة الموازية والتّهريب وضعف مستوى الاستثمار الخاص والإتكال الكلّي على الجباية والماليّة العموميّة والتّدخل المباشر للدّولة للتّشغيل والاستثمار وتحقيق النّمو. وحسب الوثيقة التي تم اعدادها لتشخيص سبل معالجة الوضع تأكّد عمق الإشكاليات التّنمويّة التي تعرفها البلاد وتضاعف حدّة هذه التّحديات والصّعوبات بعد التّراجع الذي عرفه الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ الثّورة بسبب تدهور التوازنات الماليّة الكبرى وتفاقم العجز الجاري وعجز ميزانيّة الدّولة إضافة إلى تراجع نسق النّمو وانخفاض الاستثماروإرتفاع مستوى التّضخم وإستفحال ظاهرة التّهريب والتجارة الموازية والتّهرّب الجبائي. تقلّبات إقليمية كما أشار ذات التقرير إلى الضغوطات الناجمة عن تقلب الوضع الاقتصادي العالمي واحتداد التّقلّبات السيّاسيّة والأمنيّة في المنطقة علاوة على تتالي الأزمات الدّاخلية سواء كانت سياسيّة أو اقتصاديّة أو اجتماعيّة. وبينت تلك التحديّات الحاجة الملحّة إلى معالجة مختلف الإخلالات القائمة وتسريع نسق الإصلاحات الاقتصاديّة والماليّة والجبائيّة الهيكليّة الجارية لتحقيق النّماء الاقتصادي والاجتماعي. ففي الجانب الأول تم تحليل الواقع الاقتصادي والإشكاليات والتّحديات المطروحة وأكدت الحكومة أن التّطوّرات السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّحدّيات التي عرفتها تونس خلال الأربع سنوات الأخيرة أثبتت هشاشة هيكلة الاقتصاد التّونسي وإهتراء المنوال التّنموي القائم منذ عقود وعمق الإشكاليات التّنمويّة التي تعرفها البلاد وضعف مستوى الاستثمار والتّفاوت الجهوي وإختلال التّوازنات الكبرى. أما على مستوى هيكلة الاقتصاد ومساهمة القطاعات في النّمو فقد أكد التقرير الحكومي ما يتسم به النّموذج الاقتصادي التّونسي القائم منذ عقود من هشاشة نموذج النّمو وعمق الاشكاليات القائمة والنّقائص الثابتة على مستوى واقع منوال التنمية والمرتبطة بالسيّاسات المعتمدة قبل سنة 2011 وتم تسجيل ضعف الهيكلة وعدم القدرة على مواكبة التّحدّيات المطروحة على مستوى التّنافسيّة والتّشغيل مع ضعف مساهمة الإنتاجية في النّمو والتي لم تتجاوز ٪30 وإرتكاز الاقتصاد على الأنشطة الاقتصادية التقليدية وعلى القطاعات ذات القيمة المضافة المتواضعة وذات المحتوى التجديدي الضعيف والمشغّلة لليد العاملة ضعيفة التّكوين حيث انحصرت حصة الأنشطة ذات المحتوى المعرفي المرتفع في حدود ٪20 من القيمة المضافة الجملية مع تميز النمط الصناعي الوطني بسيطرة المناولة في الصناعات المصدرة والفصل بين النظام الموجه للتصدير والنظام الموجه للسوق الداخلية. انحصار في أوروبا كما تم التأكيد على إستناد منوال التنّمية بنسبة هامة إلى سياسة المناولة والأجور الضعيفة والقرب الجغرافي من منطقة الأورو لجلب الاستثمارات الأجنبيّة مع تركز المبادلات على السوق الأوروبية التي تستقطب حوالي ٪75 من المبادلات التجارية وعدم توازن سياسة الاندماج في الاقتصاد العالمي نتيجة تركز هيكلة المبادلات على عدد محدود من السلع إلى جانب ضعف التنافسية الهيكلية للمؤسسات الوطنية خاصة بعنوان الجودة والتسويق مع بروز عديد النقائص في مجال التجارة الخارجية خاصة على مستوى الإجراءات الديوانية واللوجستية. كما تم توجيه انتقادات للمحتوى التّشغيلي الضعيف وعدم القدرة على إستيعاب التّراكمات والطّلبات الإضافيّة للشغل خاصّة من بين حاملي الشّهادات العليا وتفشي ظاهرة التّجارة الموازية والتّهريب والتي إستفحلت بالخصوص خلال الأربع سنوات الأخيرة على حساب القطاعات المنظّمة مع محدودية مفعول السّياسات الاقتصادية التي تمّ وضعها حيز التنفيذ في تحقيق الانتعاشة الاقتصادية المطلوبة مع تأثر نسب النّمو بالمتغيّرات نتيجة الترابط الملحوظ للنمو الاجمالي مع تطور أداء القطاع الفلاحي (المتغيرات المناخية) وأيضا تأثر القطاع السّياحي بالاستقرار في المنطقة. وأثارت الحكومة كثرة الإشكاليات على مستوى القطاع المالي من حيث ضعف مستوى النفاذ إلى مصادر التمويل بسبب الضعف الهيكلي للادخار الوطني الذي لم يتعدّ ٪20 من الدخل وتجاوز حصة القروض المصنفة ٪15 وإستقرار مساهمة السوق المالية في تمويل الاقتصاد في حدود ٪6 من الاستثمار الخاص وتزايد الضغوطات على موارد التمويل الخارجية بحكم صعوبة النفاذ إلى قروض ذات شروط ميسّرةواشتداد شروط الاقتراض في الأسواق المالية العالمية خاصة بعد تراجع تصنيف تونس من قبل وكالات التصنيف العالمية. و أطلقت الحكومة صيحة فزع حول التعطّل المتكرّر لآلة الإنتاج والتسّويق الخاصّة بالقطاعات المعمليّة وبقطاع الفسفاط والصّناعات الكميائيّة بالخصوص وتراجع النتائج الخاصّة بالصّناعات غير المعمليّة وخاصّة منها قطاع النّفط والغاز الطَّبِيعِي والتراجع الملحوظ لإنتاجية العمل ورأس المال، مع تدهور مستوى نمو الاقتصاد الوطني منذ سنة 2011 من نسق 4 إلى ٪5 سنويّا نحو 2 إلى ٪3. وهو ما يؤكّد أهميّة الإستقرار السيّاسي والأمني ووضوح الرؤية والقيمة المضافة للعمل في تحقيق النّمو وتراجع الطلب الخارجي خاصة منه المتأتي من السّوق الأوروبية لتعطل النمو فيها. إضافة إلى الإنعكاس السّلبي لتأزم الوضع في ليبيا على الاقتصاد الوطني سواء على مستوى الصّادرات أو الاستثمارات أو تشغيل اليد العاملة التونسية أو تحويلاتها بالعملة الصّعبة وضعف نسبة نّمو الصناعات المعمليّة وتراجع نمو الصّناعات غير المعمليّة (وخاصّة النّفط والغاز الطبيعي) كمعطّل أساسي للنّمو كما تم التاكيد على تحوّل الاستهلاك الجملي إلى محرّك أساسي للنّمو منذ سنة 2011 مقابل تراجع دور الاستثمار. ضعف الاستثمار الخاص وأكدت الحكومة خطورة تواصل ضعف مستوى الاستثمار الخاص مقارنة بالاقتصاديات الشبيهة وذلك بسبب الاعتماد الكلّي على الماليّة العموميّة والتّدخل المباشر للدّولة للاستثمار ولتحقيق النّمو ووجود نقائص وإشكاليات هامّة على مستوى مناخ الأعمال وضعف التّنسيق المؤسّساتي وتعقّد الإجراءات الإداريّة والإشكاليات العقاريّة والطّابع المركزي للإجراءات إضافة إلى غياب الشفافية والمساءلة وضعف نجاعة الجهاز الإداري ومحدودية جدوى التصرف في الموارد المالية علاوة عن غياب البعد التشاركي وتعقيد وعدم استقرار الإطار التشريعي للبلاد وضعف أسس الحوكمة الرّشيدة واستفحال توسّع القطاع غير المنظّم، كما تم تسجيل تواصل حالة التردد والانتظار لدى المستثمرين الخواص منذ سنة 2011. واعتبرت الحكومة أن كل هذه العوامل تسبّبت في تعميق التّفاوت الجهوي مع وجود غياب سياسة تنمويّة جهويّة واضحة المعالم وعدم توازن ملحوظ بين الجهات في ظل غياب اللامركزية الحقيقية والديمقراطية المحلية إضافة إلى ضعف التنسيق بين الهياكل الجهويّة وتداخل الأدوار كما تم تسجيل ضعف التكامل الجهوي وعدم استغلال الموارد المتاحة وارتفاع نسب الفقر والبطالة وانخفاض مستويات المعيشة بالجهات الدّاخلية. سياسة هشّة وتمت الدعوة الى تدارك هشاشة السياسات الاجتماعيّة والبشريّة القائمة والمتمثلة في هشاشة أنظمة إعادة توزيع المداخيل بسبب التصويب غير المجدي للتحويلات الاجتماعية مع تزايد حجم نفقات الدعم لتتجاوز ٪5 من الناتج وهشاشة الوضعية المالية للصناديق الاجتماعية. وتمت الدعوة إلى تجاوز ضعف نوعية الموارد البشرية إزاء مقتضيات التنمية بحكم تراجع أداء ومردودية المنظومات التعليمية وضعف التفاعل بين الأنظمة التربوية والمؤسسات الاقتصادية ومحدودية نجاعة منظومة البحث العلمي وتفاوت الخدمات الصحية وضعف التغطية الثقافية وعدم الاستجابة بالقدر الكافي لحاجيات الفئات ذات الاحتياجات الخصوصية. وتم توجيه أصابع الداء على ما تشهده الماليّة العموميّة من ضغوطات بإعتمادها بالأساس على الموارد الجبائيّة وبندرة الموارد الذاتيّة غير الجبائيّة، وهي موارد جبائيّة شديدة الارتباط بالتّفاوت السّنوي للإنتاج حسب القطاعات وبالقيمة المضافة وبالتوريد، إضافة إلى إرتفاع نسبة الضرائب المتأتية من الخصم من المورد والمرتبطة بالتّشغيل والأجور مع ارتفاع حجم النّفقات المخصّصة للتأجير ولدعم المواد الأساسيّة والمحروقات. وأظهر التقرير أن تضخّم وزن الأجور في هيكلة الميزانية والناجم على سياسة الانتدابات والمطلبية المشطة (زيادة ب ٪55 في حجم التأجير العمومي إلى حدود سنة 2014 مقارنة بسنة 2010) وهو ما جعل كتلة الأجور تتجاوز ٪38 من حجم الميزانيّة الجملي و٪52 من الموارد الذاتيّة للدّولة. كما تم تسجيل إرتفاع حجم الدّعم وخاصة دعم الطّاقة الذي إرتفع من 550م.د سنة 2010 إلى 3.700م.د سنة 2013 و2.573 مقدّرة لسنة 2014) مع إنخفاض مناب الموارد الذاتية في تمويل ميزانية الدولة من 83 إلى ٪70 وإرتفاع موارد الاقتراض من 17 إلى ٪30 مع تدنّي مؤشرات المديونية حيث تجاوز حجم الدّين العمومي من الناتج المحلي الإجمالي عتبة ال ٪50. وسجل تراجع مناب المداخيل الذاتيّة غير الجبائيّة وإرتفاع حصّة الموارد الجبائيّة من جملة الموارد الذاتيّة مع إرتفاع نسبة الضغط الجبائي إلى أرقام قياسيّة تجاوزت ال ٪22,5 وتدهور وضعية السّيولة بسبب عدم وضوح الرؤيا السياسية والاقتصادية وتدهور الوضع الأمني وتراجع التّرقيم السيادي الدّولي لتونس. وبلغت هذه الوضعيّة ذروتها خلال السّداسي الثاني من سنة 2013 وبداية سنة 2014. انزلاق خطير للدينار وأكدت الحكومة تفاقم عجز الميزان التجاري والتّوسّع غير المسبوق للعجز الجاري لميزان المدفوعات الذي عرف نسقا تصاعديا ومستويات قياسيّة خلال الثلاث سنوات الأخيرة بسبب العجز التجاري لقطاع الطّاقة والتّراجع الحاد لصادرات مشتقات الفسفاط والمنتوجات الفلاحية والغذائيّة مع إرتفاع واردات الطّاقة ومواد التجهيز والمواد الاستهلاكية. إضافة إلى الإنزلاق الخطير في الاشهر الأخيرة لسعر صرف الدّينار. وأكدت الحكومة في تقريرها ضرورة توفير مناخ اجتماعي واقتصادي ملائم خلال المرحلة القادمة وفي هذا الإطار قررت الحكومة الإسراع بانهاء المفاوضات الاجتماعية في القطاع العام والوظيفة العمومية والترفيع في الأجور الدنيا وإعطاء كلّ الأهميّة التي تستحقّها العدالة الاجتماعيّة والاندماج والتّضامن من خلال التأكيد على حسن توزيع الثّروات الوطنيّة ودعم التشغيل ومساندة الأسر والحفاظ على المقدرة الشرائيّة والسّلم الاجتماعي وترشيد التحويلات الاجتماعيّة وإحكام توجيه المرافق والخدمات العموميّة، مع ضرورة عدم تهميش المكاسب الاجتماعيّة في ظل الأزمة والضغوطات الاقتصاديّة والماليّة الحاليّة من أجل خلق مناخ جيد بعيدا عن التوترات الاجتماعية . دور تعديلي وستعمل الحكومة على تسريع نسق تنفيذ الإصلاحات الاقتصاديّة والماليّة والمؤسّساتيّة الهيكليّة الجارية بهدف ضمان نسق نمو مرتفع ودائم. وقد تمّ التأكيد بخصوص برامج الإصلاحات الهيكليّة المقدّمة على محافظة الدّولة على دورها الاستراتيجي في الاستثمار والتّدخل عند الاقتضاء للتعديل والتصحيح ولضمان العدالة والتّضامن الاجتماعيين وتوفير المناخ المؤسّساتي المناسب لاقتصاد منفتح يقوم على قواعد منافسة واضحة ونزيهة وعلى إحترام دولة القانون وتركيز نظام جبائي ناجع وعادل وشفاف مع دعم القيام بالواجب الجبائي والتّصدي للتّجارة الموازية ومقاومة ظاهرة التّهريب التي أصبحت من الإشكاليات الكبرى التي تواجه الاقتصاد الوطني لما لها من تداعيات سلبية وخطيرة على تنافسية المؤسسة وموارد الدولة والمقدرة الشرائية للمواطن وصحة المستهلك وتطور هياكل الاقتصاد. كما تقرر إعتماد سياسة حماية وإدماج اجتماعي رشيدة وصلبةتوفّر العيش الكريم لكلّ المواطنين والمواطنات مع إصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين لتأهيل الموارد البشرية وملاءمتها مع طموحات الشباب وحاجيات الاقتصاد وتصويب منظومة الدعم نحو مستحقيها واستعادة التوازنات المالية لأنظمة التقاعد والتأمين على المرض إضافة إلى تحسين الخدمات العمومية الصحية وإصلاح آليات رصد التحويلات الاجتماعية وإعادة صياغة السياسة النشيطة للتشغيل ومساعدة العائلات المعوزة والشرائح الاجتماعية ذات الحاجيات الخصوصية والحد من الفقر والتهميش الاجتماعي والعناية بالجوانب الثقافية ومشاكل الشباب والمرأة وإنتهاج نظام حوكمة عموميّة واقتصاديّة تشاركيّة رشيدة تستند إلى مبادئ الشفافيّة والمسؤوليّة والنّزاهة وتمكّن من إستعادة الثقة في مؤسّسات الدّولة وضبط إطار تشريعي وترتيبي ملائم للتشجيع على الاستثمار الخاص والتجديد خاصّة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية وفي اقتصاد المعرفة ذي الطاقة التشغيليّة العالية المستوى. إدارة ثقيلة كما ستعتمد الحكومة على تعصير للتصرّف في الماليّة العموميّة تقوم في إطار مقاربة الشفافيّة وإحكام إستغلال الموارد وحسن التّصرّف في النفقات وعلى إحترام التوازنات الكبرى التي تمكّن من ضمان ديمومة النّمو ومن الحفاظ على التّدخلات الاجتماعيّة للدّولة. وتقرر تركيز مؤسّسات دولة عصرية تقوم على سبل التّصرّف الحديث في الموارد البشريّة وتبسيط الإجراءات الإداريّة وعلى الخدمات عن بعد مع مراجعة دور وتدخّلات عديد الإدارات والمؤسّسات بهدف التخلّي تدريجيّا عن الخدمات الثانويّة التي تثقل كاهلها وتعيق مردوديتها على حساب مهامها الرئيسيّة وتركيز تنظيم إداري واقتصادي لا مركزي حديث طبقا للأحكام الجديدة للدّستور وتوسيع الصلاحيات الممنوحة للجماعات المحلية مع تحفيز التنمية الاقتصادية المحلية بهدف الحد من التفاوت الجهوي والاجتماعي وتدعيم حجم الاستثمارات العمومية في الجهات الأقل حظا والحرص على إنتهاج معايير موضوعية وعلمية في توزيع الاستثمارات وايلاء العناية بالبنية التحتية وتعميم المرافق الجماعية بكل الجهات لتحسين ظروف العيش والإستجابة لحاجيات المتساكنين.