يقول ربنا سبحانه وتعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} يتكلم سبحانه وتعالى عن هذه الطائفة التي هي من أوليائه. وأولياء جمع: ولي، والولي هو هذا المطر القريب من الوسميِّ، فأول دفعات المطر تأتي يسمونها بالوسميِّ، ثم بعد ذلك القريب منه جدًّا -من هذه الدفعة الأولى- يسمونها بالوليِّ. فالوليُّ فيه معنى القرب، فأولياء الله سبحانه وتعالى مقرّبون إلى الله، وفي القرب تحدث الرحمة، وفي القرب يحدث الحب، وفي القرب تحدث الاستجابة، وفي القرب تحدث السكينة، وفي القرب تحدث النورانية؛ ولذلك فأولياء الله سبحانه وتعالى هم في القرب بأصل الكلمة، (أَوْلِيَاءَ اللهِ) أي: أولئك المقرّبون إلى الله سبحانه وتعالى. وبدون شك: إذا كان هناك قرب وبعد فإن الأمر يختلف، فهناك مَنْ هو قريب، وهناك مَنْ هو أقرب، وهناك مَنْ هو قريب، وهناك مَنْ هو أقلّ قربًا من هذا القريب؛ ولذلك القرب كله درجات، وحاول أهل الله أن يقفوا عند تلك الآية، وأن يتأملوا وأن يتدبروا الحال الكوني لأولئك العابدين المقربين إلى الله سبحانه وتعالى مِمَّنْ أخلصوا دينهم، وتكلم أهل الله على أن هؤلاء الأولياء على ثلاثة أنحاء : الأول: أسموه بالعوام؛ لأنهم كثر، والثاني: أسموه بالخواص، والثالث: أسموه بخواص الخواص. وهذه الثلاثة في الحقيقة: هي إجمالية، عندما أَلَّف "نجم الدين كبرى" كتبه عن الطريق، قال -وهذا يأخذه من روزبهان البقليِّ، وهو يتلقى عليه العلوم في مصر- فيقول: عدد الطرائق -إلى الله- على أنفاس الخلائق. يعني: وكأن كل واحدٍ منا له درجة عند الله سبحانه وتعالى، لدرجة أن الطريق إلى الله عددها: عدد أنفاس الخلائق الموجودة العابدة لله سبحانه وتعالى. هذا الطريق إلى الله تعالى منا مَنْ هو قريب، ومنا مَنْ هو في الوسط، ومنا مَنْ هو بعيد. وهذا القرب: منا مَنْ هو في العوام، ومنا مَنْ هو في الخواص، ومنا مَنْ هو في خواص الخواص. هذه أمور إجمالية، فعدد الطرائق على أنفاس الخلائق هذه، تُبَيِّن لك أن التفصيل وكأنه شخصي، مع كل شخصٍ منا طريقٌ إلى الله سبحانه وتعالى؛ إنما هناك مشارب ومناهج، وطرق عامة، تجعل الإنسان له طريقٌ معين إلى الله سبحانه وتعالى. يقول: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وهنا نراه قد أطلق، وإذا قَلَّت القيود زاد الموجود. {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} في الدنيا، أو في الآخرة؟ لم يذكر. إذن، ففي الدنيا والآخرة. كلما قَلَّت القيود كثر الموجود. ما دام لم يقيدها بالدنيا، ولم يقيدها بالآخرة، فهي تشمل الاثنين معًا، فهي في الدنيا والآخرة. {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} مطلقًا، يعني: في جميع الأحوال، مع جميع الأشخاص، في كل الأزمان، في الدنيا والآخرة، وفي كل مكان، أحياءً وأمواتًا. {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} كلمةٌ بليغة مطلقة، تُنزل أولياء الله سبحانه وتعالى في مكانة عالية، في الدنيا وفي الآخرة.