بعيدا عن الأسباب ومسبّبات الإضراب الذي يخوضه أساتذة التعليم العالي (تحت مظلة الأساتذة الجامعين الباحثين التونسيين، "إجابة")، منذ حوالي شهرين والذي ساهم في إلقاء الضوء وشرح وضعية الجامعة التونسية المتردّية وضرورة القيام بإصلاحات عميقة وجوهرية، أثار انتباهي في هذه الحركة الاحتجاجية دور الأستاذة التونسية وأقصد دور المرأة. لم أكن أعلم أن زميلاتنا على هذا القدر من الالتزام والوعي والحضور المميّز والشجاعة… مهما ستؤول إليه الأمور، وأي نتيجة لمخرجات "الحوار" مع سلطة الإشراف، يحق للمرأة التونسية (وأخصّ بالذكر هنا أستاذة التعليم العالي)، أن تفتخر بما تقوم به، بتواجدها في الصفوف الأمامية متحدية العديد من الصعاب. هي بالفعل مقود ووقود هذه المعركة الشريفة، وأكاد أجزم بأن دورها في هذا الظرف التاريخي، الذي يعصف بالتعليم العالي والمرفق العمومي، مفصلي وريادي. هذا لا يقلّل من الدور الذي يقوم به الأستاذ في الذود عن الجامعة التونسية ومن ورائها حق الأستاذ والطالب والإداري…، حيث أن النهوض بالمؤسسة الجامعية يجب أن يشمل كل الأطراف : أساتذة، طلبة وإداريين. لكن الدور المميّز للمرأة أعتبره ظاهرة في إطار العمل النقابي الذي يكاد أن يكون حكرا على الرجال، ربما بحكم ارتباط تاريخ الحركة النقابية في تونس برموز من الرجال (وأخص بالذكر محمد علي الحامي وفرحات حشاد والحبيب عاشور، رحمهم الله). نفس الوضع بالنسبة للمكاتب الجهوية والوطنية للهياكل النقابية تكاد تكون حكرا على الرجال. والمرأة في خضم هذه المعركة قلبت المعادلة ووضعت حدا لهذه الصورة النمطية. أعتقد أن المرأة التونسية هي الآن بصدد تأسيس صورة للمرأة المسؤولة والحرة…، وهذه هي المعركة الحقيقية لفرض الذات (من خلال العمل والقدرة والكفاءة…)، لا عن طريق قوانين جاهزة وباهتة من قبيل التناصف والتناوب مثلما دأبت عليه "النخبة السياسية"، من خلال اعتماد قوانين انتخابات في ظاهرها "ثورية" وتهدف إلى تحقيق "المساواة بين الرجل والمرأة"، وفي باطنها تلاعب واستقطاب وانتهازية واستغلال… هذه هي الثورة الحقيقية للمرأة التونسية، وسيسجّل التاريخ أن إصلاح الجامعة التونسية كانت وراءه امرأة (إلى جانب زملائها)، تشحن الهمم، تشد العزائم، ترفع المعنويات وتقود المعركة إلى الأمام، معركة العزّة والكرامة …