تدمير أي دولة يستوجب تحطيم ركائزها الثلاث: السلطة و الأرض و الشعب. في تونس أول ما تسلطت عليه مهمة التحطيم هي السلطة، فتم تفكيك كل أجهزة الدولة من إغراق الادارة بعشرات الآلاف من الانتدابات وحذف يوم عمل من الاسبوع لمزيد تعميق أزمتها المالية، و تفكيك أجهزتها بدء بوزارة الداخلية ثم جهاز الصحة و التعليم مرورا بنصب نظام سياسي على المقاس هدفه خلق سلط ثلاث متفككة و غير منسجمة مع إفتكاك صلاحياتها السيادية لفائدة هيئات مستقلة تحت سيطرة الأحزاب. ثم تم المرور نحو تفكيك وحدة الأرض بخلق مناطق خارجة تماما عن السيطرة تحت إمرة الارهابيين كجبال الشمال و الوسط الغربي و محاولة خلق إمارة داعشية في سجنان و بن ڨردان أو عن طريق إفتكاك ثروات طبيعية لفائدة قبيلة أو جهة بعينها كجمع محصول هنشير جمنة أو السيطرة على حقول غاز و نفط الكامور أو مشكل باتروفاك بقرقنة. هذا بطبيعة الحال مع سن قانون الجماعات المحلية الذي يشجع على الحكم الذاتي و الذي بدوره يسمح في هته الظروف بإعلان العصيان و لما لا الإستقلال الجهوي عن المركزي. أما في المرحلة الأخيرة من برنامج تحطيم الدولة فقد مررنا الآن إلى نسف مقومات الشعب التونسي. فالشعب حسب مصطلحات العلوم الإجتماعية و السياسية هو مجموعة من الأفراد يجمع بينهم عقد اجتماعي داخل ارض و ثقافة و عادات و هوية واحدة. و اليوم تسعى عدة أطراف سياسية الى فك هذا العقد الاجتماعي الرابط بين التونسيين، فهذا رجعي و هذا علماني و هذا مسلم و هذا ملحد و هذا مسلم حبشي و هذا أخواني و هذا وهابي أو حتى شيعي، فقد تنوعت الملل و المذاهب إلى درجة التنافر بين أفراد العائلة الواحدة و ظهرت أيضا عديد الأصوات المؤكدة بكوننا بربر و أمازيغ و لسنا عربا كما تنامت أعداد معتنقي الديانة المسيحية بصفة غريبة جدا إلى درجة كون بعض الكنائس المغلقة و المتروكة لعشرا السنين أصبحت اليوم ممتلئة بالمصلين و مفتوحة يوميا. لم يكتفي ساستنا بكل هذا بل ينصب مجهودهم الآن على نسف أهم مقومات الشعب وهو الهوية و التاريخ و لهذا سخروا عدة أقلام و مؤرخين مأجورين لضرب و للتشكيك في كل الثوابت الوطنية التاريخية فحولوا زعمائنا إلى خونة و شهدائنا إلى مرتزقة و إستقلالنا إلى صفقة. نعم لقد دمروا حاضرنا و مستقبلنا و تاريخنا، فهل عرفتم الآن إلى أين نحن سائرون؟