بداية من الغد: اضطراب وانقطاع توزيع المياه بهذه المناطق..#خبر_عاجل    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة إلى تونس    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    جمعية الأطباء التونسيين في ألمانيا تدعو إلى ضرورة إحداث تغيير جذري يعيد الاعتبار للطبيب الشاب    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    في المحمدية :حجز عملة أجنبية مدلسة..وهذه التفاصيل..    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    وفد من هيئة الانتخابات في رومانيا لملاحظة الانتخابات الرئاسية    ربط أكثر من 3500 مؤسسة تربوية بشبكة الألياف البصرية ذات التدفق العالي بالأنترنات    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل/ في نشرة متابعة: تقلبات جوية وامطار رعدية بعد الظهر بهذه الولايات..    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    حكم قضائي في حق اجنبي متهم في قضية ذات شبهة ارهابية    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل دولة بلا جذور تاريخية :سعيد مضية
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 02 - 2010

لا يؤمل ان تسفر التحركات الأوروبية عن وقف جرائم الاغتيال الإسرائيلية، بما يتمخض عنها من انتهاكات للقوانين الدولية وسيادة الدول. إذ بمقدور إسرائيل ان تسجل على الدول المنتقدة نفس التجاوزات والجرائم. بالطبع لم يصدر عن الولايات المتحدة الأميركية انتقادات لتصرفات هيئات الاستخبارات الإسرائيلية؛ فهي تقترف على الدوام جرائم الاغتيال السياسي وتقوم بمحاولات ففشلت احيانا وتنجح مرات ضد كاسترو وعبد الناصر وأليندي وغيرهم من زعماء الحركات التحررية وضد حركات تحرر وتقدم في أنحاء العالم. ربما تكرس إسرائيل في سياساتها حيزا أوسع لأساليب الاغتيال والتصفية الجسدية؛ وكدست مسوغات وأسانيد لجرائمها من عقد مذابح العصور وجرائم الهولوكوست وهي تشهرها مع تهم اللاسامية وكراهية الذات اليهودية لترهيب كل من ينتقد جرائمها . لا يوازي إسرائيل دولة أخرى في العالم من حيث التذرع بالبقاء وتجنب خطر الزوال لتبرير ممارساتها المناقضة للشرعية الدولية أو معارضة حق الشعوب العربية في التحرر والتقدم والديمقراطية.
وقفت إسرائيل ضد انسحاب بريطانيا من شرقي السويس بحجة أن ذلك يهدد أمنها؛ واعتبرت إسرائيل معارضة حلف بغداد تهديدا لوجودها؛ وهدد بن غوريون وقادة إسرائيل العسكريون أكثر من مرة بالعمليات العسكرية لوقف التحولات الديمقراطية في بلدان الجوار. وصرح باراك أن إقامة كيان غربي نهر الأردن بجانب إسرائيل يشكل خطرا على بقاء إسرائيل. وليس في غير إسرائيل تتسع شعبوية الداعين لعنصرية فاشية تنادي باقتلاع شعب من وطنه وتنظيم عمليات الإبادة الجماعية على غرار ما تحفظه الخرافات الأسطورية للعصور القديمة، وأبرزها خرافة حرق يوشع مدينة أريحا وفتكه بسكان فلسطين الأصليين.
خلاصة القول أن الوجود الإسرائيلي يستمد شرعيته من نصوص مقدسة، تنقض في نظر المؤسسين والوارثين القوانين العصرية الناظمة للعلاقات الدولية وتتمرد عليها؛ ومن ثم فانتقادات الدول المناصرة لنهج إسرائيل في أوروبا الغربية والولايات المتحدة لممارسات التمرد والخروج على الشرعية الدولية هي غير جدية ولا يؤبه لها.
اقترنت فكرة إقامة إسرائيل بمسعى الامبريالية للسيطرة على أقطار المشرق؛ وتجسدت في الأدب السياسي الغربي عندما بدأت الامبريالية في بلدان ما سمي المركز تطلعاتها للسيطرة على بلدان الأطراف. فإسرائيل احد إفرازات الامبريالية ؛ بررت استعباد الشعوب ونهب خيراتها بمسوغات التحضير وبذرائع مفبركة من لاهوت المقدس، خاصة في بلدان المشرق العربي.
استند مشروع إقامة إسرائيل إلى أسطورة توراتية تؤمن بها طائفة مسيحية أنغليكانية، تزعم أن التاريخ ينتهي بحقبة ألف عام من العدل والسلام تسبقها فترة عاصفة تتخللها الحروب والكوارث يعود فيها اليهود إلى فلسطين وتقام دولة إسرائيل ويعاد بناء الهيكل. في البداية توهمت شعوب المركز ان جيوشها الغازية تقوم بمهمات إنسانية أو تستلهم لاهوت ما قبل الألفية، ألفية قدوم المسيح لنشر السعادة والعدل الشاملين للكرة الأرضية.
اقتنعت شعوب المركز ان رفاهها مشروط بإفقار شعوب الأطراف ، وأن قيام دولة إسرائيل إرادة مقدسة واستجابة لوعد مقدس. وخلال حقبة استهلت في أواخر القرن التاسع عشر انتشر لاهوت الأصولية المسيحية المسمى لاهوت ما قبل الألفية إلى جانب لاهوت الأصولية اليهودية المسمى صهيونية . اكتسب اللاهوتان نفوذا واسعا في أوساط الجماهير المسيحية واليهودية على جانبي الأطلسي؛ وفي تلك المنطقة، التي نصبت مركزا للعالم، حظيت ممارسات التوسع الاستعماري واضطهاد الشعوب ومنها الشعوب العربية والإسلامية بمساندة قوية لدى الأوساط الشعبية . جرى ذلك باسم الدين الرسمي، الدين الذي حول إلى جزء من الأيديولوجيا المهيمنة . وتبعا لمقولات الإيديولوجيا سخر علم الآثار في فلسطين لإثبات مقولات التوراة. وجاءت جرائم النازية إبان الحرب العالمية الثانية تعزز مشاعر التعاطف مع المشروع الصهيوني في سائر دول الغرب.
غير أن العلم الموجه بالمنهجية العلمية والمستند إلى الوقائع العيانية ما لبث أن انبري لدحض كل مقولات التوراة . ومنذ النصف الثاني من القرن الماضي انفتحت القضية الفلسطينية على العلم المنقى من التحيز والملتزم بالمنهجية العلمية. نسفت المكتشفات الأثرية تلفيقات المدرسة الأميركية للآثار، تلك التي زورت كي تتلاءم مع خرافات التلمود المدونة في نصوص التوراة. واليوم برهن علم التأريخ بطلان مقولة " وطن الآباء" و"الأمة اليهودية" ، إذ قطع الجذور التاريخية الوهمية التي تربط يهود اوروبا وأميركا بالتاريخ اليهودي القديم، حين شرع العبرانيون الوصول إلى شمال فلسطين. أفرط الصهاينة وحلفاؤهم في استثمار النصوص المقدسة والتذرع بجرائم الهولوكست لقمع الانتقادات الموجهة لإسرائيل؛ فنهض أصحاب الضمائر يردون البهتان ويعرون التذرع بجرائم الإبادة العرقية لاقتراف جرائم الإبادة العرقية ؛ ثم أخذت تتهاوى مبررات التطهير العرقي الممارس من قبل إسرائيل، سواء أسانيد الخرافات التوراتية أو عقد إبادة اليهود.
فقدت مقولة " أرض الآباء" مصداقيتها وهي في سبيل الاندثار؛ فقد برز في ميدان البحث العلمي من يلقي عليها ظلال الشك. حتى في الوسط الأكاديمي الإسرائيلي من رفض كل معطيات التوراة واعتبرها مجرد خرافات. بتنا إزاء مشهد فانتازي: عرب يحثون الخطى للقاء إسرائيل التوسعية بينما ينفض الكثيرون عن إسرائيل. تنبري ضمائر وعقول، ملهمة بالأمانة العلمية والنزاهة تسند عدالة الحقوق الفلسطينية، تستهين بالعواقب المروعة لجرأة الموقف. ألمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه اضطر لترك مقعده الأكاديمي والهجرة بسبب كتابه " التطهير العرقي في فلسطين"، وما تضمنه من إدانات لجرائم الحرب عامي 1948و49، المتمثلة في المجازر الجماعية المدبرة سلفا، بهدف حمل الجماهير الفلسطينية على الهجرة الجماعية. أيد زملاؤه الأكاديميون المعطيات الواردة بالكتاب، وتمسكوا بالحق المقدس الذي تمتلكه إسرائيل في استعادة وطن الآباء، فرفضوا استخلاصاته، وتخاذلوا عن الانتصار لحرية التفكير. يواصل بابيه إلقاء المحاضرات داعيا إلى إدراج التطهير العرقي بفلسطين في المناهج المدرسية والمساقات الجامعية.
وضحى الأكاديمي اليهودي فنكلشتاين بوظيفته الأكاديمية وتخلى عن حقه في مرتبة الأستاذية بالولايات المتحدة، حين أصدر كتابه الذي فضح فيه متاجرة إسرائيل بالمحرقة كي تستر جرائمها. ويخوض العلامة تشومسكي، اليهودي الديانة ، معارك ضد مواقف التستر على جرائم إسرائيل بحق الجماهير الفلسطينية . استفزت ممارسات إسرائيل أعدادا كبيرة من الأكاديميين الأوروبيين والأميركيين ومن إرجاء الأرض يدينون باليهودية او المسيحية ودفعتهم لرفع الصوت بجانب الحق الفلسطيني المهدور مستمدين شجاعة الموقف ونقاء الوجدان.
ثم برز من أنكر قداسة حق اليهود المعاصرين في أرض فلسطين. نسف الدكتور شلومو ساند كل ما تقوم عليه ممارسات إسرائيل المناقضة للقانون الدولي وحقوق الإنسان من أسانيد توراتية وبرهن زيفها. بين أن " الشعب اليهودي" فكرة ملفقة، وأثبت عدم وجود أساس في التاريخ لمقولة " أرض إسرائيل".
في جامعة تل أبيب الإسرائيلية أصدر المؤرخ كتابه ذائع الصيت " اختراع الشعب اليهودي". ونشرت المجلة الإليكترونية " كاونتر بانش" في عدد يوم السبت(6/2/2010) عرضا للكتاب أعده هاري كلارك؛ وفيه ذهب الأكاديمي اليهودي شوطا أبعد في دحض التأريخ الصهيوني القابع خلف خرافة " أرض الآباء" أو "أرض إسرائيل". توفرت لهذا المؤرخ الاستقامة العلمية و الجرأة السياسية لكي ينقض مقولة أرض الآباء وينكر على اليهود ، داخل إسرائيل وخارجها، الحق في " وطن الآباء"، فلسطين، حيث أثبت أن يهود شرق أوروبا واليهود الأشكيناز وكذلك اليهود اليمنيين ليسوا من نسل أولئك الذين سكنوا في فلسطين ردحا من الزمن وأنشأوا الدولتين اليهوديتين في فلسطين. وقد سبق شلومو ساند مؤرخون يهود ناقشوا أصل يهود شرقي أوروبا ؛ ومن داخل الطيف الصهيوني نشر آرثر كوستلر كتابه " القبيلة الثالثة عشرة". ونظرا لانتماء كوستلر إلى الحركة الصهيونية قبل إصدار الكتاب وبعده، فقد قوبل مؤلفه بالحرج الشديد، ولم يتعرض المؤلف للاضطهاد ؛ إنما اغتيل كتابه بمؤامرة الصمت، لأنه أوضح أن يهود شرق أوروبا هم من قبيلة الخازار وليسوا نسل أولئك المهاجرين من فلسطين، الأمر الذي نسف المشروع الصهيوني من أساساته.
أما شلومو ساند، الذي ظهر في عصر يصعب اغتيال كتابه، فتعقب تواريخ مختلف الجماعات اليهودية مبرهنا أنهم لا يشكلون شعبا وليسوا نسل قومية واحدة؛ إنما تجمعهم ديانة توحيدية، شأن المسيحيين والمسلمين. وينذر ساند من نهاية كابوسية للمشروع الصهيوني ، إذ ينهي كتابه بالجملة " إذا كان تاريخ الأمة حلما بصورة رئيسة فلماذا لا نجترح حلما طازجا مغايرا قبل أن يغدو الحلم كابوسا؟" .
يقول ساند أنه بعد سقوط الهيكل الأول في القرن السادس قبل الميلاد وسقوط الهيكل الثاني عام سبعين ميلادية أسر المقاومون وهاجر البعض أمام الشدائد وبقي القسم الأعظم ليندمج مع الأقوام المجاورة. لم يتم أسر أو طرد جميع اليهود. اعتنق البعض من أمم أخرى الديانة اليهودية خلال قرون ثلاثة سبقت انتصار المسيحية، وتخلى يهود عن ديانتهم. فمن الخطأ التصديق أن الديانة اليهودية استثنت الآخرين في قديم الزمان. ولو كان الأمر كذلك لما زاد عدد اليهود عن عدد السمرة، كما يقول ساند. ويحفل التلمود والمشناه وغيرهما من شروحات التوراة بنقاشات تحث اليهود على معاملة معتنقي الديانة معاملة ندية . أما النقص الحاد في أعداد اليهود بعد الفتح الإسلامي "فلم ينجم عن اجتثاث اليهود من البلاد؛ إذ لا تقوم أي بينة على ذلك.... واتخذ الفاتحون موقفا ليبراليا نسبيا تجاه المسيحيين واليهود ، حيث كانوا موحدين بطبيعة الحال" .
وفي اليمن اعتنقت قبيلة حمير الديانة اليهودية ، بنموذجها المتسامح ؛ فاليهود جزء أصيل من شعب اليمن. وربما هاجر بعضهم إلى إثيوبيا، " ولم تشر الكتب المدرسية الصادرة في إسرائيل بعد عام 1950 إلى هذه المسألة".
وظهرت في القرن السابع ملكة يهودية بين قبائل البربر جنوبي الجزائر هزمت القائد الأموي حسن ابن النعمان عام 689 ميلادية، وبعد خمس سنوات عاد وتغلب عليها وقتلها ؛ وفيما بعد اعتنق أبناؤها الدين الإسلامي.
واعتنقت قبائل الخازار الديانة اليهودية خلال الفترة بين منتصف القرن الثامن و منتصف القرن التاسع الميلادي، وذلك ضمن مسعى الحفاظ على الاستقلال بعيدا عن سيطرة الخلافة الإسلامية في الجنوب والقيصرية الروسية في الشمال. يقول ساند أن " القلق شاع في إسرائيل بصدد مشروعية المشروع الصهيوني إذا ما شاع على نطاق واسع أن اليهود المستوطنين ليسوا من نسل ' أبناء إسرائيل‘". وقد بحث مؤرخون روس وسوفييت وبولونيون تاريخ قبائل الخازار وأقروا بأن هذه المجموعة البشرية هي أصل اليهود في أوروبا الشرقية. يثبت ذلك أن لغة الييديش سلافية غربية ولا تمت بصلة إلى اللغة العبرية القديمة.
ونقل ساند عن المؤرخ واكسلر قوله أن اليهود الأشكيناز، إذا ما تأملنا لغتهم " يجب أن يعود نسبهم إلى خليط من اليونان وشعوب البلقان والسلاف الألمان وشعوب الخازار والآفار ممن اعتنقوا اليهودية ". ومن ثم يخلص ساند إلى أن اليهودية المعاصرة تعود إلى الوثنية الأوروبية ممزوجة بالمسيحية . أما مقولة اليهود التائهين طوال ألفي عام وجاءت الصهيونية لتعيدهم إلى أرض الآباء فلا تعدو كونها خرافة مختلقة شاعت وأتيح لها أن تشيع، كما يقول ساند.
في خضم هذه التطورات الكاشفة للزيف والخديعة يدأب نتنياهو على استعراضات السلام قشورا فارغة، ويصدر شيكات بلا رصيد يمهر بها سلامه الزائف. وفي هذه الأيام تقاوم الصهيونية عن كنزها بحملات تصنف كل من يقول أن اليهود لم يكونوا يوما أمة موحدة وما زالوا كذلك، وتدمغهم ب "كاره اليهود".
يستحضر نتنياهو وأجهزته مشاهد مضللة تضفي صورة زائفة لسيرورة سلام في المنطقة. ضمن هذه المشهدية الزائفة جاءت مصافحة مدير المخابرات الأسبق في السعودية لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي. يحق التساؤل بصدد تصرف المسئول السعودي تركي الفيصل: هل هي وقيعة أربكته إذ باغته المسئول الإسرائيلي، أم أن المصافحة تمت بناء على ترتيب مسبق؟ ولو تمت المشهدية بالصدفة فهل ترتضي اللياقة من مسئول عربي التنصل من تبعة مقاطعة مسئول إسرائيلي وإلقائها على كاهل وزير خارجية تركيا ؟ فمما له دلالته أن يستثير مقاطعة المسئول لنائب الوزير الإسرائيلي الاستنكارات من الخارجية الأميركية ومن عضو الكونغرس الأميركي ليبرمان. في ذلك قدر من الترهيب والترويع الذي أثر على تجاوبه مع عرض نائب الوزير الإسرائيلي بالمصافحة، فاستحق تصفيق الرضى من جانب عضو الكونغرس المعروف بموالاته المطلقة لإسرائيل العدوانية ودفاعه عن جرائمها. علق، وهو لا يخفي سروره، بالقول أن السعودية وإسرائيل حليفتان لأميركا.
بالطبع لم تسعف المسئول السعودي، عواطف تضامن قومي او ديني ليرد التحدي ويفجر في الجلسة جرائم إسرائيل المتعاقبة. ألا يجدر به رد التحدي وطلب الاعتذار أولا عن جرائم غزة ، أو من الاعتداءات المتكررة على الأقصى ، أو من شعائر التعذيب اليومي للجماهير الفلسطينية ومعظمها مسلمون ؟ المناخ السياسي في المنطقة مناخ تخاذل، فتجلى المشهد وفق ما يشتهيه التحالف الأميركي الإسرائيلي ، كما عبر عنه عضو الكونغرس ليبرمان! ربت المسئول الإسرائيلي على ظهر المسئول العربي ، تماما مثلما يفعل الرجل المحنك الخبير مع الشاب الغر. ربت نائب الوزير الإسرائيلي على ظهر مدير المخابرات الأسبق في السعودية أمام الكاميرات الجاهزة ، لكي يطمئن العالم أن لا يقلق، فالأمور على ما يرام مع الطرف العربي وتواصل الاستيطان الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية وكذلك المجازر الجماعية لا تحول دون المصافحة ولا تعطل مسيرة السلام!! ويقول أيضا للمسئول التركي ها أنت ترى بعينك كيف يخذلك العرب !! وإسرائيل تتلهف لأمثال هذا المشهد. ألم يقتصر لقاء عباس ونتنياهو والرئيس الأميركي اوباما على شعيرة مصافحة عباس ونتنياهو ؟!
نتنياهو متلهف لمشاهد او شعائر المصافحة والابتسامات المرسومة أثناء اللقاءات. فهي مفرغة من النتائج العملية، ولا تكلفه أي تنازل. يريد نتنياهو ، وهو يحس بالعزلة الخانقة التي تحيق بدولة الاحتلال، دولة المجازر الجماعية المتكررة واغتصاب الأراضي عنوة.. يريد نشر الأوهام حول مسيرة السلام . إنه يود ستر التوسع الاستيطاني الإحلالي بمظاهر سلام زائفة، حيث باتت إسرائيل مكشوفة تمارس العنف المسلح لا دفاعا عن نفسها بل لتوسيع نفسها. حقا فقد أدرك العالم كله حقيقة سياسات إسرائيل، وبات المسئولون الإسرائيليون يصطدمون بمواقف استنكارية أينما حلوا.
يدرك نتنياهو أثر تقرير غولدستون على الصعيد العالمي؛ وبات نتنياهو على يقين من أن الكثيرين من الإسرائيليين وأنصار إسرائيل بدأوا ينأون بأنفسهم عن إسرائيل، وأن كثرة من الدول والجماعات البشرية على نطاق العالم باتوا على يقين من أن نوايا إسرائيل تنطوي على اقتلاع الشعب الآخر؛ وتبين لها أن إسرائيل مولعة بالحروب العدوانية ليس ضد الشعب الفلسطيني فقط، بل ضد مجمل دول المنطقة وشعوبها. والأمم المتحدة كلها ،باستثناء الولايات المتحدة وماكررونيزيا ونارو ، الجزيرتين التائهتين في عرض المحيط، باتت تكذب الرواية الإسرائيلية عن السلام. لم تعد تروع الكثيرين تهم العداء للسامية او كنية اليهودي الكاره للذات.
من خصائص مكونات القضية الفلسطينية المفارقة في اكتساب التأييد دوليا وانفضاض الدعم لها إقليميا. والسر في ذلك مضمونها الإنساني الذي ينحسر كقيمة في العالم العربي. ولعل أهم مآثر محمود درويش تتجلى في تكرار التعبير عن خصوصية القضية الفلسطينية بنماذج إبداعية متألقة مندمجة بالقضايا الإنسانية عبر العصور، والتي أرقت وتؤرق الضمير الإنساني. فلئن أبدى بعض العرب سأمهم من القضية وراحوا يكررون الكلام المتعفن والميت بصددها فإن القضية نفسها تكسب ما زالت الضمائر والعقول الموجهة بالنزاهة العلمية والتوق إلى العدل والتحرر الإنساني على صعيد العالم. سياسيا تموضعت القضية الفلسطينية ،بحكم منشئها وطبيعتها كقضية تحرر وطني وإنساني، في معترك الصراع العالمي الدائر بين قوى التحرر الوطني والتقدم والديمقراطية من جهة ، وبين قوى العولمة النزاعة إلى العدوان والهيمنة.
أن تموضع القضية الفلسطينية كقضية إنسانية ومحكومة بمنهجية العلم لا ينفي ضرورة النضال القومي من اجل انتزاع الحقوق القومية. حقا فالتمركز في صلب القضايا الإنسانية والانفتاح على قواها الفاعلة يترك أثرا مضاعفا على النضال الوطني او القومي؛ كما ان عدالته تتعزز بقوة الفعاليات الإنسانية الموجهة بقوة العقل العلمي النزيه والجسور.
شبكة فلسطين الاخبارية
22.02.10


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.