الانتظار ومزيد من الانتظار دونما التزام بسقف زمني واضح : تلك هي المحصّلة الأولى بعد نشر آخر مسودّة للدستور أما المحصلة الثانية ، فهي أن هذا الوقت الطويل الذي استغرقته صياغة “مشروع مسودة الدستور”، ثم “مسودة مشروع الدستور” ، في انتظار ” مشروع الدستور” ثم الدستور نفسه ، كل هذا الوقت لم يفرز لنا نصا أصيلا متفردا مبدعا ثريا في حجم انتظارات الشعب وقواه الحية ، بل الأدهى أنّه جاء مبطنا بهموم اللّحظة التي يحاول الحزبُ المهيمن استدامتها على الأجيال القادمة ، ويُغيرَ على كلّ إرادة عندها في التّناوب السلمي على السلطة عبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وأستحضر هنا بالمناسبة ما قاله الأستاذ سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية من أن حركة النهضة التي ينتمي إليها تحاول إسقاطَ نجاحِها الانتخابي النسبي في انتخابات التأسيسي الماضية على وثيقة الدستور ، الذي يهمّ بالنهاية كل التونسيين لأجيال وربّما لقرون قادمة ، مؤكدا بالمناسبة أن كتابة الدساتير في كل البلدان لا تخرج عادة عن منطق التوافق الوطني بين كل مكوّنات المجتمع السياسي والمدني والمثقفين والمبدعين ورجال القانون وقد طالعت هذه الأيام نسخةَ الدستور الجديد التي بشّرنا بها رئيس المجلس التأسيسي وقال عنها إنها رائدة في دساتير العالم بأسره ، واستوقفتني بالمناسبة عديد الإخلالات والتعابير المُبهمة التي تفتح باب قراءة التفاصيل التي يكْمُن فيها الشيطان كما يُقال ، لكنّي سأقف عند واحدة فقط تتعلّق بصلاحيات رئيس الجمهورية . والأمر هنا لا يحتاج إلى بيان التفاصيل ولا الشياطين ، فرئيس الجمهورية في “أرقى دستور في العالم” على قول بن جعفر عِوَضَ توزيع صلاحياته التنفيذية مع رئيس الحكومة لمنع نشوء دكتاتورية جديدة وانفرادية في القرار ، أصبح “صانعا” يشتغل في قرطاج لكن لحساب “عرْفه” في القصبة ، أي في كلمة استنساخ تجربة التأسيسي على قادم الشرعية ، وكأنّ حركة النهضة كما يقول مثلُنا الشعبي “باش تْقَوْرِنْ فيها” ، وتصرّ على أن يكون الرئيسَ القادم رغم شكليّة انتخابه المباشر من الشعب ، “النعجة دولي” لا يأكل إلاّ من ضيعتها وحقولها و”حشيشها” تماما كما يحصل الآن . والحِسْبة في كلّ هذا لا تحتاج إلى بيانٍ ، فنظام الحكم الحالي غير المكتوب يستند في الحقيقة إلى سلطة “المرشد الأعلى” في مونبليزير , ورئيسِ حكومة يُقسِمُ أيّا كانت مكانته في التنظيم على عدم الخروج عن بيت الطّاعة , ورئيس جمهورية بلا صلاحيات والمنصب الأخير غير مضمون في قادم الانتخابات ، بما يجعل منه تهديدا كبيرا لديمومة الحال ، وصقور النهضة يمنّون النفس بعدم تغييرٍ يذكر في الخارطة الانتخابية القادمة ، لذلك أصرّوا على ألاّ يخرج الرئيس القادم عن جبّة الطرطور لمعرفتهم المُسبقة بأنّ رموز المعارضة الوطنية لن ترضى لنفسها بهذا اللّقب ، وبأنّهم قادرون على جلب الكثير من الطراطير سواء من بين صفوفهم أو من بين حلفائهم الكثيرين وإلى أن يَبِتَّ “المؤسّسون” في أمر كان مقضيّا ، ويمنعون على شعبهم مخاطر “منامة العتارس” هذه ، سنكتفي بترديد هذه المقولة : طرطورُو .. يا طرطورُو .. جهل النهضة ما كْبرُو … إن الأفكار الواردة في ركن “الرأي الآخر “لا تُلزم موقع الصحفيين بصفاقس وهي تُلزم فقط كاتبها