أن يقع ” التفطّن” إلى وجود مدارس ” قرآنية موازية ” لمؤسسات الدولة من كتاتيب وروضات فهذا ليس مستغربا ..كما أن انقطاع عدد من الأطفال عن تعليمهم النظامي بقرار من آبائهم فهذا أيضا منتشر دون أدنى رادع ، مع العلم أن القانون يجعل من مزاولة التعليم إجباريا إلى سن ال16 عاما . تكتسي القضية دلالات خطيرة ولها أبعاد متعدّدة ولكن سأكتفي بملاحظة وحيدة : بمجرّد انطلاق التتبعات القضائية تحرّكت آلة رهيبة متكوّنة من ذراع إعلامية وذراع ” حقوقية ” في تناسق كامل للدفاع عن هذه المدرسة والتضامن مع أولياء التلاميذ .. على المستوى الإعلامي يكفي إلقاء نظرة على صفحات المدع ماهر زيد أو سفيان مخلوف وصفحة الصدى التونسية لنكتشف حالة الاستنفار وعشرات مقاطع ” البثّ المباشر” للتحركات والتصريحات ، والخيط الناظم لكل الخطاب هو التسويق ” لعملية اختطاف أطفال من عائلاتهم ” والتجويع الذي يعانونه طيلة أيام في مكان احتجازهم ولغة تحدّي الأجهزة الرسمية وحتّى التهديد ب”صيدهم واحدا واحدا ” على لسان أحد الأولياء .. على المستوى الحقوقي يقوم “المرسّم بجدول المحامين ” سيف الدين مخلوف وعدد آخر ومرصد الحقوق والحريات بتونس وغيرهم بالتسويق ” القانوني والحقوقي ، لشرعية تواجد هذه المدارس وخلق رأي عام مساند ل” قضية حماية القرآن والإسلام ..إلخ” بل حتّى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية لم يغب عن هذه ” الجوقة ..، وعدد من قياديي حركة النهضة لا يخفي تنديده ” بالمداهمات واستهداف المدرسة القرآنية” .. يتّضح إذن أن المسألة لا تتعلق بحالة عفوية أو بمدرسة في أقاصي مدينة الرقاب ، بل ب” ماكينة ” أو آلة تشتغل بمجرّد استهادف المشروع الطالباني حتّى في اصغر حلقاته (ولكن أخطرها: التعليم )وما حالة الاستنفار التي يشهدها هذين الذراعين سوى تعبير مكثّف وله دلالة على حجم ” التمكين ” التي وصلت إليه هذه الأطراف واتساع دائرة ” الحاضنة الإعلامية والحقوقية ” للمشروع السلفي والإخواني في تونس.. لكن السؤال الأخطر : هل كان بإمكان مثل هذه المؤسسات الموازية وحواضنها الإعلامية والحقوقية أن تستمرّ في النشاط ومواصلة “التمكين ” دون تواطئ أو في الأدنى تغاضي من الجهات الرسمية في أعلى جهاز الدولة ؟؟ هل نحن بصدد دفع إحدى فاتورات التوافق المغشوش؟؟؟ في كل الحالات ، نحن إزاء مشهد آخر من مشاهد تخريب الجمهورية المدنية ،وجزء من أطفال تونس يُسَاقُون قرابين من أقرب الناس إليهم ..