يُحكى أنّ جحا فَقَدَ والده وهو طفل ، فلم يكن يعلم شيئا عن سيرته وطباعه وأخلاقه ، ولمّا كبُر وأصبح شابّا يافعا يرتاد شوراعَ وأسواقَ ودُورَ مدينته وأهلَها ، لم يكن يستمع إلى كلمة "يرحم بوكْ" على لسان أيّ أحد بل سمع من أناس تعرّفوا عليه ونَسَبه لأبيه قولهم "بوكْ الله لا ترحملُو عظمة" تعجّب جحا من الأمر ، وكلّما مرّت الأيام زادت حيرته وانشغاله خاصّة بعد رفض أمّه مصارحته بصنيع أبيه وسيرته بين النّاس ، فقرّر يوما أنْ يضع حدّا لهذه الحيرة ، وعزم على تنفيذ ما يشرح صدره ويُزيل عنه غمّة الشك والحيرة . أقبل جحا يوما على أمّه وهي تطبخ لهما طعاما ، فأمسك بيدها وهدّدها بإنزالها في القدْر المُلتهب إنْ هي لم تقل له حقيقةَ أبيه . لم تجد أمّ جحا ساعتها من حيلة سوى الإفصاح بما أخفته عن ابنها لسنوات طوال ، فقالت له : أبوك كان يعمد حين يموت أحدٌ من المدينة إلى نبْش قبره ليلا ونزع كَفَنه للمتاجرة به لاحقا ، ومن الغد حين يكتشف أهل الميّت الأمر لا ينفكّوا عن الدّعاء على القائم بهذا الفعل المُشين . لكن مع تكرّر العملية مع كلّ ميّت ، كشف أهل المدينة السّر ، وافتضح أمرُ أبيك فعاش بينهم منبوذا ، وعند وفاته لم يمش في جنازته أيّ أحد ، ومن يومها لا يذكرونه إلاّ بسوءِ فعلِه ولا يترحّمون عليه فكّر جحا في كيفية جلب دعاء الرحمة لوالده وكفّ كلام الناس عنه بأقذع النعوت والأوصاف على مرآى ومسمع منه ، ثم عزم على التنفيذ . فمن الغد مات أحدُ أعيان المدينة وسار في جنازته كلّ أهلها تقريبا ، فتسلّل جحا ليلا على طريقة أبيه إلى المقبرة ونبش القبر وقام بنزع الكفن عن الميّت ، ثمّ عمد إلى وضع عصا في دُبُره ، فكان المشهد من الغد مروّعا على الجميع . ومع تكرار العملية مع كلّ ميّت أصبح الناس يترحّمون على والد جحا ويذكرونه بخير معدّدين خصاله ومآثره وفي نفس الوقت يسبّون ويلعنون خليفتَه في "الصّنْعة" وهم لا يعلمون أنّه جحا الذي يعيش بينهم قصّة جحا هذه جالت بخاطري وأنا أتابع الأهوال والأغوال المحدقة ببلادنا وحركة النهضة ترفع في وجهنا مع ذلك العصا دون الجزرة ، بعد أن أطردنا شرّ طردة إلى بلاد آل سعود ذاك الذي كان يقوم بنزع أكفان الأحياء من التونسيين عن أجسادهم ، فإذا بنا نقع فريسة حركة "النّاس اللّي هاربة من ربّي" التي لم تكتف – تماما كجحا – بالكفن بل تهدّدنا بالعصا في المكان المعلوم لذلك لا أملك من القول إلى كلّ أولئك الذين انتخبوا هذه الجماعة غير مثلنا الشعبي : اللّي يعاشر فحّام ما يْنال كان سْوَادُو… تنويه : كلّ ماينشر في ركن " الراي الآخر" لا يلزم إلا صاحبه