في أوّل ظهور إعلامي له بعد غزوة رؤية هلال شهر رمضان المقرر تحديده سلفا بناء على قرار بلاد محمد ابن عبد الوهاب ، طلع علينا ذلك الشيخ الذي اصطفاه "رئيسنا المفدّى" ليكون مفتيا لديارنا التونسية عوضا عن ذلك الذي لم تساير فتاواه هوى السلطان النهضوي وارتفع صوته مجلجلا بتجريم وتحريم ما يسمّى كذبا وإفكا بالجهاد في سوريا بشقّيْه القتالي والنّكاحي ، طلع علينا بكلام وتفسير واستئناس وقياس غريب غرابة أفعال ومواقف من عيّنه من أهل بيت مونبليزير ففي معرض تعليقه على الظاهرة الإرهابية المستفحلة في البلاد وضحاياها العديدين آخرهم عونا الحرس الوطني في قبلاط ، وقبلهم جنود الشعانبي العشرة ، وقبلهم الشهيدان بلعيد والبراهمي ، وفي قمّة فوران مشاعر الغضب والحنق التي تملّكته على دم "الشباب السلفي المغرّر به" ، وليس على دماء من قتلوا غدرا وعدوانا من أبناء حرسنا الوطني ، أرجع الشيخ تعيس عفوا سعيد ظاهرة التطرف الديني والإرهاب الناتج عنه إلى سياسة بورقيبة ، وتحديدا يوم خرج إلى الشارع وسحب على إحدى نساء تونس غطاء رأسها الذي سمّاه المفتي كذبا بالحجاب وهو ما لم يكن يوما في تاريخ وعادات البلاد لأنّه يسمّى ببساطة "السفساري" ، ويوم ألغى التعليم الزيتوني التقليدي وأدمجه في المنظومة التربوية والجامعية العامّة التي اعتمدتها دولة الاستقلال الحديثة بقيادة رجال التّنوير والتحديث وعلى رأسهم أديبنا الكبير الراحل محمود المسعدي رحمه الله كلام المفتي اختزل بعض المصطلحات والتعبيرات التي سمعناها مرارا وتكرارا على لسان العديد من نجوم النهضة المشحونة كرها وحقدا وكذبا على باني تونس الحديثة وبطل الاستقلال ومُحرّر المرأة كما يحلو له مناداته المجاهد الأكبر فخامة الرئيس الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية طيّب الله ثراه ، وهم في ذلك يتماهون مع مواقف كل التيارات الإخوانية إزاء رموز التنوير والتحديث في أكثر من بلد عربي على غرار عبد الناصر في مصر وبومدين في الجزائر وحزب البعث وقياداته التاريخية في سوريا والعراق ، باعتبار أنّ هؤلاء الزعماء كانوا النقيض الطبيعي لمشروع الإخوان الظلامي الرجعي ودولتهم الهلامية دولة الخلافة التي يحلمون بإعادة الروح في هيكلها العظمي المُنخر والمتآكل ، وجرّ شعوبهم للعيش مجدّدا زمن حروب البلاط والعرش وولاية العهد وأنهار الدماء التي تسبّبت بها ولعلّنا نذكر في هذا السّياق ما قاله شيخ النهضة ذات يوم في معرض تناوله لأفعال "أبنائه الذين يذكّرونه بشبابه" ، وقال عنها ابنه الذي وضعه على رأس الحكومة ورقابنا معها إنها رياضة و"خفّة" ، والتي نسمّيها نحن معشر التونسيين إرهابا ويسمّيها هو تشدّدا وغلوّا لا يمكن معالجته إلاّ بالحوار والإقناع ، إن سبب ظهور هذه الظاهرة هو سياسة التصحر الديني التي انتهجها بورقيبة وخلفُه بن علي من بعده بما جعل تونس أرضا منخفضة لهبوب رياح التيارات الدينية الدخيلة التي استقرّت في عقول هؤلاء الشباب ، وبذلك يكون بورقيبة حسب "طاسة مخ" الشيخ و"كنتولة" المفتي هو الرّاعي الأول للإرهاب والذي ارتدّ عليه في أواخر سنوات حكمه وحصد بالنهاية ما زرعه من علقم النبات ولأنّ هذا التحليل السّخيف الذي لن ينطلي إلاّ على بعض دراويش وجهلوت الرّعاع من أتباع حزب الشيخ "التجمع الأزرق" ، سنكتفي بتذكير مفتي البلاط صاحب الجبّة الدستورية أوّلا فالتجمعية ثانيا فالنهضوية ثالثا في انتظار الآتي ، بأنّ بورقيبة علّمنا أوّلا في الكتاتيب والمدارس حكمة النظافة من الإيمان والوسخ من الشيطان ، وليس قول "موتوا بغيظكم" ولم يضع على رؤوسنا عصابة التوحيد سوداء كانت أو خضراء ولا في أحزمتنا مسدّسات أو بنادق لتحضيرنا ليوم معلوم يحدده أحد شيوخ إفتاء الجهاد حسب الطلب . بورقيبة علّمنا أيضا قولة كلّنا مسلمون تونسيون لا همامة ولا فراشيش ولا جلاص ولا مثاليث ولا أولاد عيّار ، ولم نسمع منه عبارة "أوباما أوباما كلّنا أسامة" . بورقيبة كان يجلب لتونس الأساتذة وكبار المفكّرين والعلماء وأهل الفن والثقافة لتنوير ملكات الناشئة وفتح آفاق الفكر والعقل لديها ، ولم يكن يجلب لها شيوخ الوهابية التكفيرية الرجعية أصحاب فتاوى بول البعير وختان البنات ورضاعة الكبير وجهاد النكاح . بورقيبة نظّف أجسام التونسيين من "القمل والصيبان والبرغوث" وكل الأمراض المعدية فإذا في عهد مولاك النهضاوي يُصابون بالجرب والكلب لا فقط في أبدانهم بل وفي عقولهم أيضا ولأنّ الحديث معك أيّها المفتي الذي على قول أحمد مطر يبصق الفتوى يوم الجمعة ويلحسها يوم السبت "نقْص م الأعمار" سأكتفي بالترديد على مسامع أذنيك الصمّاء بغطاء عمامتك حمراء اللّون زرقاء الهوى قول الشاعر : لا تأسفنّ على غدر الزمان لطالما * رقصت على جثث الأسود كلاب لا تحسبنّ برقصها تعلو على أسيادها* تبقى الأسود أسودا والكلاب كلاب تبقى الأسود مخيفة في قبرها * حتى وإن نبحت عليها كلابُ تنويه: كل ما ينشر في ركن "الراي الآخر" لا يعبّر إلا عن رأي كاتبه