ترى كم يلزمنا من برودة الدم والأعصاب حتى لا ننفجر "وما ينَطْرلناش عرق" بسبب الأخبار التي باتت ترِدُنا كل يوم .. والتي تكشف وتفضح ما يعانيه المواطن العادي "اللي لا عندو لا والي لا تالي" سواء في الإدارات أو المؤسسات أو حتى الكليات .. كما في حكايتنا لليوم .. والتي تبيّن حجم العقد والتسلّط والجبروت الّذي يعشّش في أمخاخ بعض المسؤولين .. وكم هي المصيبة أعظم حين يكون هذا البلاء معششا في عقلية من أنيطت لهم تربية وتدريس أبنائنا .. وكم من طالب ذهب ضحية "بونتوات" بينه وبين أستاذه حرمه بمقتضاها من نيل شهادته أو تخرجه .. ووصل الأمر بالبعض إلى طرد الطالب من جامعته زورا وبهتانا .. ومثل هذه المآسي عانى منها طلبتنا ومازالوا .. قبل الثورة وبعدها .. وها أني أعود اليوم وللأسف لنفس الموضوع لأتحدّث عمّا أتاه هذا الدكتاتور في حق طالب وزملائه .. دون أن أنسى الإشارة إلى أمرين .. أولهما .. أنّ ما أتاه هذا "المعلّم" .. "الجاهل" بأصول التربية والتعليم .. لا يعني بالضرورة أنّ كل أساتذة التعليم العالي على هذه الشاكلة .. وثانيا أنّ "بن علي" لم يكن الدكتاتور الوحيد في هذه البلاد .. بل لدينا آلاف النسخ منه .. تسلطا وتكبرا وعجرفة .. وإذا لم يتم إيقافهم عند حدّهم .. فمازلنا نقاسيوا .. ونشوفوا ونسمعوا .. ماهو أغرب وأسوأ مما حدث اليوم في المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بصفاقس 2 دعنا نقول أنّ أساس المشكلة كانت يوم الإثنين الماضي .. إذ بدخول أستاذ مادة الفيزياء الى القسم طلب من أحد الطلبة الّذي كان يلبس قبعة أن ينزعها لأنّه في القسم .. فرفض التلميذ ذلك لأنّه مريض .. عندها طلب الأستاذ من الطالب مغادرة القاعة .. فامتثل الطالب دون نقاش .. وهذا أمر سنفترض أنّه عادي ومن حق الأستاذ .. وقد عاقب الطالب على عدم إمتثاله للأوامر العليا بحرمانه من الدرس .. وياناس ما كان باس … الخطير هو ما حدث في الحصة الموالية .. والتي كانت صبيحة اليوم الإربعاء 27 نوفمبر 2013 .. إذ ما إن دخل الطلبة وأستاذهم الموقّر هذا قاعة الدرس حتى طلب من نفس الطالب مغادرة القاعة .. رغم أنّ الطالب لم يكن يرتدي قبعته .. "هكّة ظهرلو الأستاذ .. وشكون يحكم فيه" .. ولكن الطالب هذه المرة تكلّم ولم يقبل هذا الظلم المسلّط .. وسأل الأستاذ عن سبب طرده وهو الّذي لم يرتكب جرما .. فما كان من الأستاذ إلاّ أن قال له .. "قلتلك تخرج وإلاّ مانيش مقرّي حد" (ماشاء الله .. ماشاء الله .. على الوعي والفهم والقدوة النيرة) .. فما كان من الطالب إلاّ أن قال له وبكل أدب وهذا بشهادة زملائه .. أريد أن أدرس أستاذي ولم أقترف جرما يستوجب طردي … فما كان من الأستاذ إلاّ أن قال لطلبته .. أنا لن أدرّسكم أبدا مادام هذا الطالب في القسم .. "ويا أنا يا هو" .. ليغادر إثرها قاعة الدّرس .. ويحرم بجرّة ظُلم أربعين طالبا من حقهم في العلم .. لمدة ساعتين وربما أكثر في قادم الأيام .. "وشكون يقول للصيد فمّك أبخر" هذا وقد علمنا ومن أكثر من مصدر أنّ حالة من الغليان سادت بين الطلبة خاصة أنّ الطالب لم يصدر منه اليوم ما يتطلب كما أسلفنا لا معاقبته ولا معاقبة زملائه بهذا الشكل .. خاصة وأنهم يدرسون في السنة ثانية ومقبلون على مناظرة وطنية لا تحتمل حرمانهم من الدروس ومعاقبة الأستاذ لهم بهذا الشكل المتخلّف والجبان أيضا. 3 كان هذا إذن ما عاشه فصل من فصول الفيزياء بالمعهد التحضيري للدراسات الهندسية في صفاقس على يد أستاذ يبدو أنّه نسي دوره الحقيقي في الجامعة .. وعُرف عنه البطش بالطلبة .. ودون العودة كثيرا الى الوراء يكفي أن نذكر من ملفاته السوداء إقدامه في العام الفارط على صفع أحد الطلبة على وجهه في ساحة الكلية دون أن تمسه حتى يد المساءلة .. مما يجعلني على شبه يقين بأنّ هذا الأستاذ العظيم ربما يكون محميا بالأولياء الصالحين .. أو بعض العفاريت القادرين على طمس جرائمه والتغاضي عن أفعاله .. ولكن ما كل مرة تسلم الجرة .. وها أنّي أرفع مقالي هذا ومن هذا المنبر إلى السيد وزير التعليم العالي وكل من يهمه الأمر لفتح تحقيق في كل ما تمّ ذكره وتدقيقه .. وإيقاف هذا الأستاذ عند الحدود التي يسمح له بها القانون .. فالمعهد التحضيري ليس ورثة .. وليس من الأملاك الشخصية التي يتصرف فيها حسب ما تمليه عليه أهواؤه ومزاجه .. كما أنّي أحمّل الكلية مسؤولية التعرّض لهذا الطالب أو لزملائه لأي نوع من أنواع التشفي أو العقاب الجماعي أو الإبتزاز من أي طرف كان .. ونحن على ثقة أو على الأقل نأمل بأنّ إدارة المعهد ومن ورائها وزارة التعليم العالي لن تسمح لمثل هذا النزيف أن يتواصل .. وأنّها ستعطي لكل ذي حق حقه .. لأنّ التغاضي عن مثل هذه الممارسات لن يزيد سوى في إنتشارها وتوسعها .. وهو ما لا نرتضي أن نشاهده في كلياتنا .. أو نقبل بممارسته على طلبتنا .. مع تقديم الإحترام في النهاية لكل من يستحق الإحترام من أساتذتنا الجامعيين الأجلاّء .. أمّا من كان مصرا على معاملتنا بمنطق "بوه الزين" فنقول له .. فاتك القطار .. والطلبة طلاّب علم من واجبك أن تعطيهم من علمك .. وليسوا وعاء تنفث فيهم سمومك وعُقَدك .. وإن نسيت فنذكّرك .. بأنهم أيضا ليسوا عبيدا عندك .. أو من حريم سلطانك .. ولي عودة للموضوع في الأيام القليلة القادمة ..