تستقبل ولاية صفاقس شأنها في ذلك شأن باقي ولايات البلاد محطّة جديدة من الموسم الثقافي المتمثّلة رئيسيّا في المهرجانات الصّيفيّة التي لئن انخفض نسقها مؤخّرا تبعا للظروف الأمنيّة العصيبة أحيانا التي مرّت بها البلاد، فإنّها ما فتئت تنتفض من رمادها كالعنقاء معلنة عودتها في حلل جديدة يُراعى فيهَا الجانب الأمني دون أن يكون حائلا أمام انجازها، لتشكّل لحظة فارقة تنتصر فيها تنتصر فيها ثقافة الصّمود والحياة على ثقافة الموت والتّصحّر، كما يُراعى فيها الجانب المادّي والهيكلي والمناطقي الذي يفرز بالضّرورة حالة فريدة من التّنوّع والثّراء في مهرجاناتنا الصّيفيّة حيث تتصادى الخصوصيّات المحليّة والجهويّة مع الخصوصيّات الوطنيّة، والخصوصيّات الوطنيّة مع الخصوصيّات العالميّة، وتلك هي طبيعة الفعل الثقافي فهو جمّاع للثقافات يآلف بين النيّر منها مهما اختلفت مصادره ليشكّل فسيفساء رائعة يجد فيها كلّ متلقّ ضالّته على اختلاف الأذواق والمشارب. تعيش ولاية صفاقس خلال هذه الصائفة على وقع عدّة مهرجانات صيفيّة تنوس بين الدّولي والوطني والجهوي والمحلّي، ولئن سيمثّل مهرجان صفاقس الدّولي في دورته السّادسة والثّلاثين محطّ الأنظار لكونه الحدث الثقافي الأبرز، فإنّ باقي المهرجانات سيكون لها حظّها من الاهتمام والرّوّاد الأوفياء الذين اعتادوا على مواكبة فعاليّاتها نظرا لعراقتها أو لأنّها ستلفت الإنتباه، رغم جدّتها، نظرا لارتكازها على خصوصيّات محليّة فيها الكثير من الطّرافة وكذا هو الشّأن بالنّسبة إلى مهرجان الغريبة الذي انطلق ممّا هو محلّي ليصطبِغَ بطابعٍ بيئي بوّأهُ ليندرج ضمن ما يسمّى بالسّياحة البديلة. في ذات السّياق ستعيش معتمديّة جبنيانة على وقع مهرجانها الصيفي الذي اتّخذ من أحد الرّموز التاريخيّة للمنطقة وهو الوليّ أبو اسحاق الجبنياني عنوانا له، وهو يحمل في هذه الدّورة برمجة متنوّعة تجمع بين التّراثي والعصري، وكذا يكون الشّأن بالنّسبة إلى مهرجان سيدي مهذّب بالصّخيرة ومهرجان بئر علي بن خليفة الذي سيتّخذ من المقاوم الرّمز "علي بن خليفة النفاتي" مرتكزا لأنشطته الفنيّة والفكريّة. أمّا مهرجان عقارب فكما جرت العادة سيراوح بين تراث الفروسيّة الضّارب في أعماق التّاريخ والذي اختصّ به منذ تأسيسه إضافة إلى عروض فنيّة أخرى متنوّعة. هذا ويطلّ علينا مهرجان الياسمين في دورة جديدة يحيي فيها جانبا من التّراث الحرفيّ المنسيّ والمتعلّق بصناعة المشموم ومنفتحا في آن على آفاق ثقافيّة أخرى. وفي سياق متّصل سينطلق مهرجان الصّالحي بالحنشة من التراث الموسيقي الذي اختصّت به المنطقة وهو "الصّالحي" منفتحا على تعبيرات فنيّة أخرى تنوس بين الشعبي والعصري. تسعى المندوبيّة الجهويّة للثقافة وهيئات المهرجانات بالتنسيق مع كلّ الهياكل المحليّة والجهويّة والوطنيّة من خلال هذه البرمجة إلى الأخذ بعين الاعتبار كلّ الأذواق والمشارب والخصوصيّات المناطقيّة دون المساس بعمق الرسالة التي يضطلع بها الفعل الثقافي، وهي إذ لا تدّخر جهدا من أجل انجاح هذه المحطّة الصّيفيّة من الموسم الثقافي، تتمنّى أن تكلّل كلّ فعاليّات هذه المهرجانات بالنّجاح من أجل وطن تنتصر فيه ثقافة الصمود والحياة على ثقافة التّصحّر والموت.