يقول عز و على في محكم آياته بعد بسم الله الرحمان الرحيم : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ". صدق الله العظيم. الأمم العظيمة هي الأمم التي تتعظ من ماضيها فتبحث عن مواطن القوة في تاريخها لتعمل بها و تضبط مواطن الضعف لتتجنبها. و لنا نحن المسلمون في خلافتنا الراشدة ما يضمن استقرارنا و رخاءنا و رقينا لأجل الالتحاق بالأمم الراقية في هذا القرن الواحد و العشرين. ترى ما الذي جعل الإسلام ينتشر على فترة زمنية طويلة بدأت مع رسول الله صل الله عليه و سلم و انتهت على أيدي كمال اتاتورك يوم 3 مارس 1924 حين صوت البرلمان التركي على إلغاء نظام الخلافة. اجتهد عدد من أعداء الاسلام من ملحدين و مسيحيين و ماسونيين في تشويه صورة الدين الاسلامي محاولين اظهاره كدين اساسه العنف و يتخذ القتال و السيف كوسيلة لانتشاره .رغم ان المؤرخين اكدوا ان رسول الله صل الله عليه و سلم استعمل اكثر الاساليب السلمية في الدعوة للاسلام و لم يلجا المسلمون للعنف ضد قريش و بقية القبائل العربية الا دفاعا عن حياتهم و حقهم في نشر دين الله بصورة سلمية تلك الصورة التي بفضلها اسلم عدد من اعدائه و حققت غزوات الهدف منها تحطيم كل القوى التي كانت تعيق حرية تنقل المسلمين في شبه الجزيرة العربية لنشر دينهم بشكل انساني سلمي بعيدا كل البعد على العنف و الحروب بل كان نشر دينهم باساليب سلمية مثل اسماع القران الكريم و تدريسه و اظهار الناحية الاعجازية فيه و النواحي الاخلاقية و الانسانية…اقتداءا بقوله تعالى: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" اتسعت الخلافة وضمت العديد من البلدان في الشرق والغرب، قدمت الخلافة معطيات جمة للحضارة الاسلامية فاهتم الخلفاء بالجانب الاقتصادي داخل تلك البلدان الاسلامية وعينوا الولاة والحكام و قاموا بمحاسبة المقصرين منهم في ارجاء الخلافة المترامية الاطراف من اسيا الى اوروبا مرورا بالشام و مصر و المغرب، و اهتموا بالصناعة والعلم والفقه والطب وانشئوا المشافي وقدموا العلاج وشجعوا العلماء وافتتحوا المكتبات والمطابع، وصكوا أول عملة إسلامية (الدينار)، وعمل الخلفاء على جمع المسلمين والمساواة والحكم بالعدل واتخذوا من الكتاب والسنة مرجع في إدارة شئون الخلافة، وساهموا في نشر الدين الاسلامي بشكل كبير في وسط آسيا وحتى مشارف باريس. أصبحت الدولة الإسلامية أقوي دول العالم عسكريا و اقتصاديا آنذاك وأوسعها رقعة. سجل ديننا سرعة في الانتشار لم ير التاريخ مثلها ابدا، و اعتنق ديننا الاسلامي افواجا و فرادى عن طواعية رغم ان الذين قاموا بالدعوة اليه اناس غير محترفين في التبشير به، ذلك لان للدين الاسلامي ملاءمة فطرية و عقلية، يزكي النفس و يسمو بالروح ، فيه تماسك الاسرة و المجتمع و تحقيق العدل و جلب المصالح و ترك المفاسد و نبذ الشرور. تعاليم الإسلام، وسمو أخلاق المسلمين هما اللذان مهدا السبيل لدخول الأمم في الإسلام، وليس السيف كما يدعون. ترى ما الذي يميز الخلافة الراشدة؟ فرض الشريعة اساسا للاحكام و القوانين و دافعا فعليا للحاكم و المحكوم. فالاسلام يطبق بدافع تقوى الله في الرعية و البلاد لا بدافع ميولات سياسية او لاغراض فئوية او شخصية او عائلية، فالتقوى اساسها العقيدة و ليس المصالح الدنيوية الزائلة . مباشرة بعد عهد النبوة كانت الخلافة الاسلامية النموذج القمة التزاما بتطبيق الشريعة و النموذج الاكثر دقة للدعوة اليها، في عهدها كانت تقوى الله سائدة عند الراعي و الرعية، عند الخليفة و الوالي و القاضي و كلهم يقع اختيارهم من امثل المسلمين احسانا و تجسيدا لحكم الله و احترام شرعه، كما نجد التقوى عند المواطن ملما بحقه و واجبه و حق المولى عليه و متصفا بالاخلاق الحميدة و افضلها التسامح مع اخيه المؤمن فيسود الاطمئنان داخل المجتمع و يعم الامن و الاستقرار . فالخليفة رغم صلاحياته و نفوذه لا ينازع على حقه الا في مجالس القضاء و القاضي لا ينحرف في اداء واجبه و لا يداهن و لا يجامل ولا يحكم الا بما انزل الله و لا يخشى في الله لومة لائم. ازدهار الاسلام و انتشاره لمدة زمنية طويلة جدا يعود لاخذ الدين الاسلامي الحنيف مباشرة عن رسول الله صل الله عليه و سلم، يعني من "العين" نفسها، من "المنبع" نفسه و من طرف الخلفاء الراشدين و حاشيتهم و نقله الى الاجيال المتعاقبة كما هو، بعيدا عن الشوائب و التلفيق و التفاسير الوضعية المخلة بالمجتمعات مهما كانت درجة تحرر و عصرنة تلك المجتمعات. اليس بالاسلام المحمدي غزى المسلمون كل اصقاع العالم؟ و غزى علمهم و ثقافتهم كل الثقافات و العلوم؟ ان الخلافة الاسلامية عائدة و ستكون راشدة كسابقاتها كما بشر بها رسولنا صل الله عليه و سلم باذن الله الذي لا يخلف الميعاد و اليوم بعد اسقاط انظمة الكفر و الفساد في اوطاننا الاسلامية و فوز المسلمين باهم دواليب الحكم في اوطانهم نشاهد اعداءنا الذين لا يريدون لنا الا ان نكون عبيدا في الدرك الاسفل لديهم ترتجف فرائصهم من نور اسلامنا الذي بدا يصطع صبحه عندنا. نحن نتمتع بافضل دستور عرفته الانسانية منذ القرون الاولى"القران الكريم"، فاولى بنا ان نحتكم اليه و نعيد مجدنا و عظمتنا التي افادت العالم باسره و حررته من عبودية الجهل و الفقر، و لم تقتصر عن المسلمين لوحدهم. طبعا للشريعة شروط ملزمة، قبل تطبيقها،اذا لم تتوفر في الحاكم لا يحق العمل بها، و كذلك وجب على الانظمة السياسية العمل على ازالة اسباب الانحراف، و لان الاسلام ليس مجرد نظام عقوبات و هو اعظم بكثير. و كانت العقوبات اخر ما نزل من الاسلام و اخر ما طبق رسولنا الكريم صل الله عليه و سلم بعد اصلاح احوال الامة و نشر العدل و المساولت و تحسين الاحوال المعيشية و الكسب و الرزق الحلال. الطيب السماتي