صحيح أن في بلادنا مازالت الأسعار لم تخرج عن السيطرة…وأن المواطن مازال قادرا على شراء ما يسد به الرمق…ولكن من ناحية أخرى فإن الطبقة المتوسطة أصبحت تعاني من الاهتراء وبدأ كثيرون يقتربون شيئا فشيئا من عتبة خط الفقر….فما بالشكشوكة والسلاطة والكسكروت بالهريسة يمكن أن يعيش المواطن…وليس بمثل هذا النظام الغذائي يمكن أن نبني أجيالا جديدة سليمة البنية خاصة مع ما أصبح يجتاح العالم من آفات وأمراض وما تعانيه الأرض من تلوث واضطرابات مناخية… فما إن يسدد المواطن ما عليه من أقساط وفواتير:ماء وتطهير …هاتف قار وجوال…كهرباء…إنترنات..أداء بلدي..معلوم جولان…معلوم تأمين…هذا إن لم يكن له أقساط أخرى لبعض التجهيزات المنزلية أو مواد البناء أو الكراء….ثم بعد كل ذلك ..ماذا بقي من المرتب؟؟؟ من أين سيطعم رب الأسرة أسرته ؟؟؟ وكيف سيوفر لها الغطاء والكساء والدواء والنقل ومصاريف التعليم والترفيه….دوامة لا تنتهي…وتزداد الأمور صعوبة إذا كان رب الأسرة هو العائل الوحيد لها…والله لقد أعلمني أحد الأصدقاء ممن لا دخل له سوى مرتبه..أن أكثر طعامه في البيت شطائر خبز وهريسة وبيض وسردينة وأنه في بعض الأحيان لا يوقد النار في بيته ليومين أو أكثر…رغم أنه يسكن بيتا على ملكه وليس له من الإطفال غير ولد وبنت؟؟؟ فإلى أين تسير بنا الأمور؟؟؟ قديما قال أجدادنا…الغلاء دواه الترك…لكن يبدو أن هذا المثل لم يعد صالحا لهذا الزمن الغريب الذي نعيشه…لقد تركنا لحم الخروف…وحتى لحم البقر أصبح ظهوره على موائدنا كظهور الهلال..تركنا العديد من أصناف السمك والغلال والفواكه والعديد من أصناف اللباس…حتى بعض الأشياء التي كان يطلق عليها اسم طعام الفقير لم نعد نقدر عليها…رأس الخروف ب10 دنانير؟؟؟ الجهاز الهضمي للخروف 25 دينار؟؟؟ حلول بعض المواسم على التونسي أصبح يمثل مأزقا حقيقيا…شهر الصيام…عيد الفطر…المولد النبوي…راس السنة الميلادية…العطلة الصيفية…العودة المدرسية…عيد الأضحى…وعبثا تحاول أن تتحكم في ميزانيتك…وعبثا تحاول أن تقنع من عندك في البيت أنك لم تعد قادرا على مجارات نسق المصاريف….وعبثا تحاول أن تتهرب …لا مفر..الزوجة والأبناء وحتى الأهل والجيران لك بالمرصاد…عيب عليك…لماذا تحرم أطفالك ؟؟؟ ياراجل يزيك من الحذاقة وسع على عائلتك…الأبناء يبكون..الزوجة تحول حياتك إلى جحيم…لا مفر …ما يهمنيش…"دبر راسك" …آش بيك تحبنا أقل من الناس؟؟؟ تحب صغارك محقورين في وسط أندادهم؟؟؟ اقتراض من جديد…تداين…قلبة…غش…سرقة…رشوة…تحيل…دعارة…فساد…لا تهم الوسيلة..المهم توفير المال…. وها نحن اليوم نتحرك في الشورارع كمن به مس..ترى الواحد منا يسير في الطريق وهو يحادث نفسه:"من أين لي بتكاليف العودة المدرسية …وثمن خروف العيد؟؟؟ خاصة وأن العطلة الصيفية أجهزت على كل مليم في الجيب…أصغر خروف لا يتجاوز حجمه حجم الديك الرومي ب400 دينار…هل أترك أطفالي بدون أضحية؟؟؟ هل أقترض …ماذا أفعل يا إلاهي؟؟؟ كم من بيوت هدمت وعائلات شردت بسبب غول الغلاء وقلة ذات اليد؟؟؟ ثم إن كل هذا الذي سردته سابقا هو بعض مما يعانيه أرباب العائلات من متوسطي الدخل من مشاكل…أما أولئك العاطلون عن العمل …فتلك مأساة أخرى تحتاج إلى رثائية يشيب لهولها الولدان…ثم يخرج علينا سكان القصور وأصحاب رؤوس الأموال…أولئك الذين يعيشون في بروجهم العاجية ليشتروا أصواتنا بكلام معسول ووعود فارغة وملاليم معدودة … لأجل إضافة السلطة إلى ما يملكونه من أموال طائلة.. فيتحولون إلى أسياد ونعيش بينهم عيشة العبيد… يتركز المال والسلطة عند مجموعة صغيرة من الناس…وتبقى البقية الباقية غارقة في الفقر والخصاصة…والويل لمن يفتح فمه…فقانون الإرهاب يطبخ على نار هادئة ليردع كل من تسول له نفسه بأن يرفع صوته أو قبضته في وجه السلطة بعد أن يستتب الأمر للأسياد الجدد….