لم يعد يفصلنا على الحملة الانتخابية التشريعية والرئاسية بتونس إلا أيام معدودة..وبعد أن شاهدنا العجب العجاب خلال تقديم ترشحات القائمات التشريعية وتحول العملية إلى سمسرة ومتاجرة في الكثير من الأحيان…هاهي عملية تقديم الترشحات الرئاسية لا تشذ عن القاعدة وتأتي لتزيد الطين بلة… العنوان الكبير لهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ تونس أصبح " حك راسك…وقدم ترشحك" البعض يعتبر ذلك قمة الديمقراطية وشكلا من أشكال تحقيق المواطنة…بينما يرى كثيرون ذلك مظهرا من مظاهر التخلف السياسي وعدم النضج وقلة الوعي… ومن المعلوم لدى الخاص والعام أن كل انتخابات تسبقها فترة يمنح فيها المترشحون فرصة لتقديم برامجهم والتواصل مع الناخبين أو حتى التعريف بأنفسهم …وهذه الحملات الانتخابية مضبوطة بقوانين ومحددة بزمن وتتم مراقبتها من طرف الهيئات الحكومية وحتى المدنية أو الأهلية حتى تمكن الجميع من فرص متكافئة أكثر ما يمكن …ولكن ونحن نعيش في زمن التحيل والمتحيلين…يبدو أنه لا مجال لتطبيق تلك القوانين والضوابط إلا على الورق… فالبعض من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة والذين لهم إما قنوات فضائية أو صحف أو مجلات أو أي وسائل إعلامية أخرى فإنها تجند كلها لخدمة مصالح أصحابها أو حلفاءهم …أما من ليس له هذه الإمكانات فإنه يلجأ إلى شراء بعض البرامج أو الأقلام المأجورة لتلميع صورته والترويج له…أما الظاهرة الجديدة والتي أصبح لها حضورها القوي على الساحة الإعلامية والتي أثبتت أهميتها في التعبئة والتحشيد خلال الثورة فهي بلا شك "الانترانت" وخاصة المواقع الاجتماعية بها…وهنا المجال أوسع وأرحب بما أن الكلفة المادية لهذه الوسيلة الواسعة الانتشار لا تقارن بغيرها …لذلك يعمل كل طرف على تجنيد عدد كبير من المستخدمين للعمل لفائدته…إما طواعية إن كان من بين الأنصار…وإما بمقابل إن كان من المحترفين… ولكن والغريب …وهذا ما لاحظته خلال المدة الفارطة هو أن هذه الحملات الانتخابية انقلبت من حملات من المفروض أن تعمل على تثقيف المواطن وتوعيته وتبصيره ببرامج الأحزاب أو المستقلين وتجعله قادرا على الاختيار الواعي والمتبصر…إلى حملات شعواء للتشويه والقذف والشتم…والغريب أن الجميع تقريبا انخرط في ذلك إلا القلة القليلة وهو ما يفسد بلا شك الحياة السياسية ويحولها إلى معركة قذرة عوض أن تكون منافسة شريفة بين أطراف مسؤولة يمكن لأي منها أن يصبح في موقع القرار والحكم إن حظي بثقة الشعب…؟؟؟ وهنا أنا أتساءل : ألم يتفطن المشرع خلال صياغته للقانون لمثل هذه الحالات؟؟؟ وعن أي حيادية وتكفؤ للفرص نتحدث إن بقي الحال على ما هو عليه؟؟؟ وهنا أنا أسوق بعض الأمثلة على ذلك خاصة على وسائل الإعلام التي يمكن مراقبتها ومحاسبتها مثل الفضائيات والإذاعات والصحف إلخ… المثال الأول لبرنامج تلفزي على قناة خاصة تستضيف عميدا سابقا بإحدى الجامعات لينهال تهكما على مجموعة من المترشحين للانتخابات الرئاسية دون غيرهم ..وهو ما يعني حملة سابقة لأوانها لفائدة الأطراف الأخرى الغير معنية بذلك التهكم لأنها هنا تقدم على أنها أطراف مرموقة وفوق الإستهزاء. المثال الثاني لصحيفة يومية واسعة الانتشار ومعلومة التوجهات منذ عهد النظام السابق والتي راحت تكيل التهم جزافا لبعض المترشحين للانتخابات الرئاسية وتشوه سمعتهم – وصل الحد بها لاتهام المترشح المقدوح فيه بتهمة دعم الإرهاب؟؟؟- بينما يدعو زميل له في افتتاحية نفس ذلك العدد بدعم مرشح من منظومة العهد البائد؟؟؟ المثال الثالث وهو الأخطر وأكتفي بذلك وهو صادر من أحد رموز نظام دولة خليجية قام بالتهكم على أحد أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة وهو ما يعد تدخلا سافرا في شؤون دولة ذات سيادة ( رغم أن الدور القذر الذي أصبحت تلعبه هذه الدولة في المنطقة العربية أصبح مكشوفا للجميع).. إننا إن أردنا أن نبني حياة سياسية سليمة فلا بد لنا من القطع مع هذه الأساليب القذرة والمتخلفة للترويج لبعض الأطراف أو الشخصيات وعلينا أن نجعل من التفاني والصدق والمسؤولية شعارا لمن يريد أن يجعل نفسه في خدمة المواطن والوطن…أما من يعتمد أسلوب الشتم والقذف والكذب والتزوير من أجل تشويه الخصوم والتشويش على الناس وتلميع صورته بما ليس فيه…فماذا ننتظر منه إن وصل إلى موقع المسؤولية غير الخديعة والكذب والنهب والسرقة؟؟؟ إن مسؤولية الهيئة المستقلة للانتخابات بالدرجة الأولى و مسؤولية هيئات المجتمع المدني كبيرة في هذا المجال ..أما الدور الأبرز والأهم فإنه يبقى دائما على عاتق المواطن والناخب الذي يجب أن يدرك أن من يكذب مرة …ليصل إلى الحكم…فإنه سيواصل الكذب عليه إلى الآخر…