من المبادئ الأساسيّة التي قامت عليها الثّورة التّونسية القطع مع الماضي مع كلّ ما تحمله هذه الكلمة من معان و دلالات ..القطع مع أذيال التّجمّع المنحل و القطع مع المحاباة و الرّشوة و الأكتاف و المحسوبية ..القطع مع التهميش الذي كان سائدا أيّام حكم المخلوع و زبانيّته ..القطع مع التّغوّل الإداري و تعطيل مصالح الشّعب..و القطع كذلك مع سياسة العصا الغليظة التي استعملها النظام البائد ... القطع مع الأنانية و حبّ الذّات التي جسّدها أصهار المخلوع دون التّفكير في هذا الشعب الجائع في بطنه و عقله و كرامته و حرّيته.. أين نحن من كلّ هذا اليوم ؟؟؟ انحصرت أهداف الثّورة بين مصالح اليمين و اليسار مصالح أحزاب الأقلّية للعودة لواجهة الأحداث حتّى و إن كان ذلك على حساب التّونسي و ما الضّرر في ذلك ؟ ألما يكن التّونسي الضحية الأبدية لصراع السّاسة ؟ سنة أخرى أو سنتان لا يهمّ..فالتّونسي تعوّد على الهوان من أيام فرنسا إلى أيام بورقيبة إلى عهد المخلوع أو ذلك ما يظنّون ... تعاقبت الحكومات من الغنّوشى واحد إلى الغنّوشى 2 إلى حكومة هيبة الدّولة بقيادة القائد الفذّ الباجي قائد السّبسي و التي لم تحقّق شيئا طيلة عشرة أشهر من الحكم إلى الحكومة الوحيدة الشّرعية التي لازالت تتحسّس خطاها وسط أكوام من الأشواك و التّونسي ينتظر.. ينتظر أن يخفّ الحمل على مطحوني القصرين و تالة و سيدي بوزيد و الجنوب الشرقي و الشّمال الغربي و المناطق المعدومة ولكن الأمور تزداد سوءا يوما بعد يوم و نحن كالنّافخ في الرّماد كلّما أسرع في النّفخ كلما دمعت عيناه أكثر . هل هذه هي ثورة الياسمين ؟ هل دفع أبناءنا دمهم هدرا ليمين و يسار هذا الوطن ؟ أين تكمن العلّة ؟ و أين الخطأ في ثورتنا ؟ حسب اعتقادي يكمن الخطأ القاتل في أنانية السّاسة و الأحزاب و في البناء الاجتماعي و السّياسي المتهرئ الذي تركه النظام السّابق و تشبّع به من يدّعون اليوم الغيرة علي الحرّية و الدّيمقراطية والحداثة و الدّين فهل يستقيم الظل و العود أعوج؟ لا أظنّ ذلك مطلقا إلا إذا تجرّد الجميع من أنانيّتهم الحزبية الضيقة و مصالحهم الذّاتية و قطعوا مع عقلية التّجمّع المنحل القائمة على العداء للمواطن ما إذ لم يكن معي فهو ضدّي.. فهل تتصوّرون أنّ مواطنا عاديّا من أقصي الشّمال أو الجنوب اكتوى بنار الذّل و الفقر و الهوان و الخصاصة و الحرمان و التّهميش في حاجة إلى سماع أطروحات الحداثة و حرية الصحافة وجدلية النّقاب و الأطروحات الفكريّة ؟ إنه في حاجة ملحّة لمن يسمعه لمن يرحمه من برد الشّتاء ولهيب الصّيف إلى من يمدّله يده بموطن شغل يحفظ له كرامته إلى من يوفّر وسيلة نقل له و لأطفاله ... ما دخل المواطن المسحوق فى صراعكم السّياسي و تكالبكم على السّلطة تحت مسمّيات الدّفاع على ضعفاء هذا الوطن ..ألا فاستفيقوا يا دعاة رعاية الثّورة أصلحوا ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان قبل أن تتكرّر عندنا التّجربة الرّومانية و عندها لن ينفعنا النّدم و لا التباكي على أطلال ثورة رأي فيها كلّ العالم بداية انعتاق من ديكتاتورية الحكّام العرب فلتكن الحكومة حقّا حريصة علي التطهير و التغيير ووضع مصلحة المطحونين فوق مصالح الترويكا و لتكن المعارضة أداة بناء و تقويم لأخطاء الحكومة لا أن تكون معول تهديم و تشويه و ليترك شيوخنا و من هرم منّا المشعل للشّباب ليقود هذه الحقبة الصّعبة من تاريخ أمّتنا و ليبتعد عن إرسال البيانات الهدّامة إلى هذا الشّعب الذي سوف لن يرحم أيّا كان و ليتذكّر الجميع ماضيه و يعمل على إقناع المواطن بحسن نواياه لا أن يعمل علي تلميع صورته بالإساءة إلى غيره فلنعمل ثمّ فلنعمل ثمّ فلنعمل ...