يحتل المسجد مرتبةً مميزة في أفئدة المسلمين، تزكو به نفوسُهم، وتطمئن قلوبُهم، وتتآلف أرواحهم…لذلك بدأ عليه الصَّلاة والسَّلام ببناء المسجد لحظة وصوله المدينة، وفي ذلك دلالة كبرى على الدور البارز الذي يقوم به المسجدفي المجتمع المسلم… ولقد دعانا ديننا إلى احترام المساجد وصيانتها والتأدب بآدابها، فعندما يكون المؤمن في المسجدفهو في ضيافة الله، وعليه أنيعرف مقام بيت الله ،ويراعي حرمته، ويحافظ على آدابه … وفي جانب آخر فإن المساجد بعدما كانت بيوتاً للَّه صارت بيوتاً للصلاة…وهناك فرق شاسع بين أن يكون الجامع بيتاً للَّه وأن يكون بيتاً للصلاة… أن يكون المسجد بيتاً للَّه تعالى معناه أن يقوم بكل وظائفه…فالمسجد في شريعة الإسلام ليس مجرد مكان للصلاة، لأن الصلاة تؤدي في أي مكان، ولكنه مجال لكل ما يهمّ المسلمين … ومن المهام التي ينبغي أن تترسّخ في مساجد المسلمين : تعليم أحكام الدين … كان المسجد جامعة علمية ، ومنبعاً للثقافة، وتعلم القرآن وفهم آياته وأحكامه ، ودراسة الأحاديث النبوية الشريفة، والتفقه بنصوصها ومضامينها. والمصطفى عليه الصلاة والسلام، كان يجلس بالمسجد النبوي، يُعَلِّمُ الصحابة أحكام دينهم،وقد حث صلى الله عليه وسلم على هذا الدور العلمي بقوله: ( من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان كأجر حاج تاماً حجُّه )(الطبراني) وفي المسجد يتولى الإمام الخطيب الوعظ والتذكير بالله تعالى، وبحسابه وجزائه في الآخرة ، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، ورد الشبهات والأباطيل التي يثيرها خصومه لبلبلة الأذهان، ويحرص خلال ذلك على الأسلوب الحكيم… ويواجه الأفكار الهدامة والمضللة، بتوضيح الإسلام وإبراز خصائصه … ويربط الخطبة بأحداث المجتمع، وبالواقع الذي يعيشه الناسويتناول مشكلاتهم … ويسعىلتثبيت علاقة الأخوة الإسلامية، ومقاومة كل ما يفرق للأمة، ويشتت شملها، ويثير الأحقاد والبغضاء …لا بد إذن أن يربط الإمام كلامه بهموم الأمة ،وتلك هي السياسة التي يدعو البعض إلى إخراجها من المساجد،لعدم وضوح معناها(السياسة) عنده ، ولعدم إدراكه أن الإسلام لا يفصل الدين عن الحياة ، وأن قضايا الأمة لها مكان على منبر الجامع … كما أنّ للمسجد تاثيراكبيرا في النفس ، وفي المجتمع ، في الحاكم وفي المحكوم … فالحاكمالذي تعلق قلبه بالمسجد يكون دائم الخشية من ربه، شديد الحياء منه ، يشعر على الدوام بأنه المخاطب بقوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) (الصافات24)،وبأنه المخاطب بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِه".(مسلم) ولكم أن تتصوروا موظفًا يتجه إلى عمله بعد أن خرج من المسجد، وقد سمع قول نبيه صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"… أكنت تراه يتأخر عن عمله أو يضيع وقته ،أو يعطلمصالح الناس، أو يماطل، أو يأخذ الرشوة ؟… ومن المهم أن نذكر أن المساجدكانت مجالا لقول كلمة الحق ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة ومثالاً يحتذى في الثبات على كلمة الحق…وقد اقتدى به الصحابة والتابعون وعلماء المسلمين… كلمة الحق الصادقةافتقدناها كثيراً… وإنَّ من أول من يُطالب بقول كلمة الحق، هم الأئمة والعلماء، لأنهم ورثة الأنبياء، ولأنهم صِمَامُ الأمان للأمة …يقولون كلمة الحق ولا يخشون في ذلك لومة لائم ، يقول عز وجل : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَفَعَسَىٰأُولَٰئِكَأَنيَكُونُوامِنَالْمُهْتَدِينَ)(18) ففي خطبة الجمعة مثلايهتم الإمامبمصالح الأمة ، ويبرز سمات الإسلام وخصائصه، كاليسر، والعدل، والوفاء بالحقوق، والبعد عن مواطن الشبهات والشهوات ، ويقول كلمة الحق بأسلوب حكيم بعيد عن التنطعوالغلو،استجابة لقوله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً )… أدوار عظيمة ينهض بها المسجد في حياة الأمة …ترتكز كلها على ما يحبه الله ويرضاه، قال تعالى:(فِي بِيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (النور 36/37)