هذه « غزّة » تكتب على ضفاف الجرح ملحمة الموت والميلاد في شعبي، وتكتب للوجع مليون قصّة وآلاف الحكايات، وتؤرخ حكاية شعب يرفض سلام التخاذل.. هذه « غزّة » تستيقظ من خلف الجوع والحصار، فتوقظ في النفوس تاريخ الأجداد، وترسم على جبين التاريخ فوانيس مدينة ترفض البيع في المزاد.. هذه « غزّة » تروي قصصا للنسوة للرضّع للأطفال، للمزارع للحقول للربوع للأحجار، للزياتين للأحراش ولكل الذين كانوا شهودا أحياء على تلك المشرحة وتلك المجازر.. هذه « غزّة » ترسم على دفاتر الأجساد وفي عيون الصغار، لوحات من الحزن اليومي، والوجع العربي، والتواطؤ الدولي والتثاؤب أمام المظالم.. هذه « غزّة » تقاوم نيابة عمن يتفرّجون على الأرائك، نيابة عن كل من احترفوا القول الآسن وتدثروا بالصمت الآثم ونيابة عمن امتهنوا الفعل المساوم.. هذه « غزّة » تَنْشَقُّ عن الفشل الجماعي، وترتدي زِيَّ المقاتل، وتختار الكرامة والعزّة على صمت المقابر.. هذه « غزّة » تنقل المعركة خارج الحصار وخارج الأسلاك والمعابر، وتحرّك الشوارع، لتخرج الآلاف تهتف ضدّ المجازر، وضدّ الهوان والتواطؤ.. هذه « غزّة » على خطوط التماس ترسم لنا ملامح الإنسان المقاوم، وتفتّت أسطورة الجيش الذي لا يجابه، وتنسج على رقاع اللحم المتناثر خيوط الفجر القادم.. هذه « غزّة » تُذْبَحُ على قارعة الطريق، أمام معالي السيادة والفخامة والجلالة والسموّ، وأصحاب القصور والمناصب.. هذه « غزّة » وذاكم أطفال صغار يتحدّون أزيز الطائرات وأمطار القنابل، وَيَحْرِقُونَ أمام الشاشات وعلى مرأى من هدير المدافع، مناشير الاستسلام والتآمر.. هذه « غزّة » وذاك شعب يفتح نافذة في الظلام، وذاكم أطفال التاريخ، وأطفال كل الكتائب.. هذه « غزّة » تصحو صَحْوَ الريّاح والزلازل، فتبعث الدفء في الدم العربي الراكد، وتمسح عن الصدور غبار سنوات التفاوض.. هذه « غزّة » عنوان عزّة وعنوان صمود وبقاء، وتلك أنظمة عربية مصفّحة ضد أحلام المواطن، كما السكك الحديدية منذ عشرات السنين ممّدة في نفس المواضع.. هذه « غزّة » تذبح من البرّ والبحر والسماء، وتلك جيوش عربية نراها مدجّجة بالعتاد والسلاح، أثناء المظاهرات والمسيرات وأثناء التظاهر، وثكنات مزروعة في الإحياء والقرى والمدن والأرياف والمزارع، وعساكر وضباط ونياشين ونجوم ذهبية مرصّعة على الأكتاف، وكليات حربية وخططا عسكرية وأسلحة عصرية وطائرات ودبابات منذ عشرات السنوات رابضة في نفس الأماكن.. هذه « غزّة » شعبا وأرضا وحجارة وزياتين ومنازل، تعلمنا معنى الصمود ومعنى التمسك بالفضائل.. هذه « غزّة » آتية من نبض المكان والزمان، لتفجّر فينا ينابيع الكرامة وتستعيد فينا الوعي الغائب.. هذه « غزّة » مستشفيات وأحياء ومدارس وأسواق ومساجد، تسيل دمائها على البَثِّ المباشر، أمام "مجلس أمني " متفرّجا على بشاعة هذه المشاهد، وأمام " عالم حر " لم يجرأ على رفع الأصابع.. هذه « غزّة » تعلمنا معنى الموت بعزّة، ومعنى الاستشهاد من أجل أن لا نُكْنَسَ و نداس كما تُكْنَسُ الجنادب.. هذه « غزّة » جداول دماء، تسقي – بيت لاهيا – وحيّ الزيتون – وتل الزعتر – وأبراج الكرامة – وكل تلك المناطق، التي صارت شموعا تضيء ضباب المسارب… هذه « غزّة » مدينة صغيرة المساحة والحدود، ولكنها بحجم طموح مليار مواطن، مدينة ترفض الركوع وتختار لملمة أشلاء الانتظار، لتعلن الرفض والتحدّي عبر أنوف البنادق.. هذه « غزّة » بلاغ للناس وكشف أفقي وعمودي لسلام السراب وفتات الموائد.. هذه « غزّة » أطباء وصحفيون ومصوّرون أبدعوا في ساحات الميدان، وقدّموا أجسادهم قرابين كي يولد الحلم من خلف القصف من خلف التدمير من خلف أنين القنابل.. هذه « غزّة » تنتفض على قِمَمْ غرف الإنعاش، وتعيد لفلسطين وجه صلاح الدين وعناوين القضية، وتوقظ النيام وترجّ الضمائر.. هذه « غزّة » تنشر آلاف الرسائل، عبر الأجساد المفحّمة وعبر البيوت المهدّمة وعبر أطنان القنابل، لتروي بالصوت والصورة والألوان، مأساة فلسطين ومعاناة شعب لم يجن من سلام التخاذل سوى الجوع والحصار والمصائب.. هذه « غزّة » من أجل الشرف والإباء تقاتل، وتتحرك في الميدان وعلى كل المحاور، وفضائيات وإذاعات عربية أخرى وصحف ومجلات وجرائد يؤرقها طبيخ الموائد وتعتني بجدل أهل الفن وجمهور الملاعب.. هذه « غزّة » وقبلها جنين وهؤلاء أبناء الجرح الفلسطيني فاكتب أيها التاريخ أن فلسطين قادمة من عبير المدائن، وسوف لن تدفن في التراب مهما كانت الشدائد.. هذه « غزّة » أيها التاريخ، فاشهد أننا أبناء أمّة لا يمكن أن تنحني مهما تعاظمت المؤامرات واشتدت المكائد… ▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪ نُشِرَ في : ◙ جريدة القدس العربي ← / 20 – 1 – 2009 ◙ موقع / المهدي المنجرة ← / 20 – 1 – 2009 ◙ وطن أمريكا ← / 20 – 1 – 2009 ◙ العرب نيوز ← / 20 – 1 – 2009 ◙ جريدة الحقيقة الدولية الأردن ← / 19 – 1 – 2009 ◙ صحيفة آخر خبر- أمريكا ← / 19 – 1 – 2009 ◙ نبض الوعي العربي ← / 20 – 1 – 2009 ◙ ليبيا المستقبل ← / 20 – 1 – 2009 ◙ اللجنة العربية لحقوق الإنسان ← / 26- 1 – 2009 ◙ المنارة للإعلام ← / 20 – 1 – 2009 ◙ موقع الصفصاف ← / 21 – 1 – 2009 ◙ مجلة الراصد المرابط ← / 1 – 2 – 2009 ◙ الحزب الديمقراطي التقدمي ← / 24 – 1 – 2009 ◙ شبكة لطيف ← / 20 – 1 – 2009 ◙ تونس نيوز ← / 26 – 1 – 2009 ◙ تونس اونلاين ← / 26 – 1 – 2009 ◙ الحوار نت ←/ 26 – 1 – 2009 ◙ السبيل اونلاين ← / 26 – 1 – 2009