السؤال الذي كثيرا ما يتبادر إلى ذهني ولا أجد له جوابا .. وأتحدى أن يجيبني عنه أحد إجابة مقبولة ومنطقية خاصة من السياسيين ومن قيادات الحزب الحاكم أو من أي أحد من كل تلك الجوقة المحيطة به بعيدا عن السفسطة والكذب والمراوغة… السؤال هو التالي: كيف يمكن لبلد يمتلك فيه 20 % من سكانه 80 % من ثروات البلاد..؟؟ بينما يدفع ال 80 % الباقون من الطبقات الأخرى وخاصة منهم الموظفين نسبة 90 % من ميزانية الدولة؟؟؟ عن أي عدالة تتحدث هذه الحكومة… وما هي التضحيات التي تطالب بأن يقدمها الناس.. ومن هو الأولى بتقديم تلك التضحيات ؟؟؟ إن هذه المعادلة الغريبة هي في حد ذاتها جريمة في حق هذا الشعب… لأنه إن كان لا بد من تضحيات فإن الأغنياء هم أول من يجب أن يقوموا بتقديمها وليست الطبقات المفقرة… التي يكفيها ما تعانيه من استغلال واستنزاف… فمن أغرب الغرائب في بلادنا .. أن الفقراء ومحدودي الدخل لا يتمتعون بأي امتيازات ضريبية أو جبائية من أي نوع كان (ما عدى تلك التي أقرها المجلس التأسيسي في حق أصحاب الأجر الأدنى).. بينما أصحاب الملايين غارقون في الامتيازات الجبائية والإعفاءات الضريبية إضافة إلى القروض الميسرة التي يحصلون عليها والتي يشطب أغلبها في نهاية المطاف .. هذا إضافة إلى مساهمة الدولة في رأس مال مشاريع الأثرياء التي تصل حدود 300 ألف دينار؟؟؟ كل ذلك بدعوى تشجيع الاستثمار؟؟؟ أليس هذا هو أكبر أنواع الاستحرار؟؟؟ أضف إلى ذلك فإن أصحاب المليارات يتمتعون بامتيازات صندوق الدعم مثلهم مثل بقية الطبقات المفقرة… فهم مثلا يشترون الخبز بنفس الثمن الذي يشتري به من يتقاضى مرتبا حقيرا أو العاطلون عن العمل؟؟ إن استمرار الوضع على ما هو عليه هو أكبر جريمة في هذا البلد… ونحن نرى كيف تضغط هذه الحكومة بكل ثقلها وبكل ما تملكه من نفوذ مسخرة لذلك وسائل الإعلام التابعة لها من أجل تمرير قانون الإرهاب بالشكل الذي يطلق يدها من أجل أن تستبد وبالقانون لكي تصفي كل من يعارض توجهاتها… بينما لا نسمع أي حديث لا من بعيد ولا من قريب عن الإصلاح الجبائي أوعن قانون التهرب الضريبي أو عن قانون مقاومة الفساد أو عن التصدي للتهريب ولتبييض الأموال وللتجارة الموازية (تلك التي يديرها أصحاب الماليين وليس تجار الشنطة) والذي يعتبر أخطر أنواع الإرهاب في البلاد لأنه لا يمس البعض من التونسيين وإنما يتهدد كل التونسيين في حاضرهم ومستقبلهم… بل إننا وعلى العكس من كل ذلك نرى الدفاع الشرس الذي يبديه "رئيس الدولة"؟؟ أي رئيس "كل التونسيين"؟؟؟ لطي صفحة المحاسبة وخاصة تلك التي تتعلق "برجال الأعمال" الذين تعلقت بذمتهم الكثير من قضايا الفساد و شبهات الإثراء الغير مشروع… تحت تعلات مختلفة… تصب كلها في إطار دعم الفساد والمفسدين ؟؟؟ ثم يخرج علينا السيد "الأسد"؟؟؟ رئيس وزراء أعظم حكومة في التاريخ القديم والحديث "مبشرا" التونسيين بأن الوطنية تتطلب منهم – وهو بالطبع لا يقصد هنا سوى نسبة ال80 % من ممولي خزينة الدولة من الطبقات الضعيفة من دافعي الضرائب – وبما أن وضع البلاد جد متأزم ؟؟؟ ويطلب منهم تقديم مزيد من التضحيات "المؤلمة" والتي لن تكون متمثلة سوى في مزيد من الضرائب وفي رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية وفي تجميد الأجور وفي تسريح نسب كبيرة من عمال في القطاع العمومي وفي تخصيص للعديد من القطاعات العمومية الحيوية …وقد بدأت مثل تلك الإجراءات في الظهور على غرار دفع ثمن الدواء كاملا من طرف المنخرطين في الصناديق الاجتماعية وفي الإعلان عن عدم زيادة الأجور للسنتين القادمتين وربما يصل الأمر حد التخفيض في نسبة جراية التقاعد من المرتب وفي التمديد في سن التقاعد وفي زيادة ساعات العمل؟؟؟ ثم ألا تلاحظون معي أن هذا التصريح تم الإعداد تحسبا لكل طارئ وذلك له بأخذ جملة من القرارات والتي كان أبرزها إعلان حالة الطوارئ في البلاد والتي جاءت – ويال عجائب الصدف؟ – إثر تلك العملية "الإرهابية" في أحد من أهم الأقطاب السياحية في البلاد ( والتي أحاط بها الكثير من الغموض) والتي ضربت الموسم السياحي في مقتل . البلد في وضع صعب.. هذا أكيد… والوضع يتطلب تقديم التضحيات هذا طبيعي.. لكن ممن وكيف هذا هو السؤال؟؟؟ وهل من المنطقي أن يتحمل السواد الأعظم من الطبقات الضعيفة أوزار كل الفساد والسرقات التي عانت منها البلاد والتي تستمر إلى اليوم دون أن تكون هناك إلى حد اليوم إرادة حقيقية في مقاومتها؟؟؟ إن حديث السيد رئيس الوزراء "الأسد" ..هو في الحقيقة كلام حق لا يراد من ورائه إلا باطل… لأنه يهدف إلى مزيد تكديس الأموال في يد عدد محدود من الناس على حساب السواد الأعظم من أبناء الشعب المفقر .. وهو ما سيزيد من انتشار الجريمة والفساد والانحراف في البلاد بكل أنواعه وأشكاله وربما يتسبب في اندلاع ثورة جديدة قد تكون عواقبها مدمرة هذه المرة… لقد طالبنا في الكثير من المرات هذه الحكومة بمراجعة سياساتها المملات عليها من الدوائر الأجنبية ذات الأطماع المعروفة والتي لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها… ولكن يبدو أن هذه الحكومة مصرة على المضي قدما في هذا النهج المدمر الذي يبدو أنه ليس لها من بدائل غيره مهما كانت النتائج وخيمة على الناس والبلاد… فهل ستنجح هذه الحكومة في التسويق لهذا الخيار الامبريالي المتوحش والذي سيعود بالوبال على أغلب التونسيين.. أم أن ردة فعل التونسيين وتيقظهم سيفرض أخذ الحلول الصحيحة والتي ستجعله منخرطا بشكل تلقائي بعد ذلك في أي مشروع إصلاحي عندما يطمئن أن الجميع مشارك في تلك التضحيات حسب قدرته وأن تضحياته لن تذهب في جيوب الانتهازيين بالداخل والخارج من مصاصي الدماء البشريين…؟؟؟ الأيام وحدها كفيلة بأن تجيب عن هذه التساؤلات.