في كل مرّة أتوجّه فيها إلى باب الجبلي لممارسة “بلْية” شمّ سوق الحوت إلاّ ورجعت إلى منزلي فرحا مسرورا لا فقط بما اقتنيتُه من حوت على قدر جيْبي المثقوب بل لأنّني لم تلمسني بركات شفرة حلاقة أو شظيّة ساطور غليظ أو بونية “خَلِيقَة من الخَلاَيق” ولم أجبر على تسليم ما لديّ من ملّيمات مع البورطابل المُنتمي للجيل الأول للثورة الاتصالية مشاعر فرحتي الحزينة هذه تمتزج في الحقيقة بمشاعر القهر واللّوعة على ما آلت إليه أوضاع مدينتي التي بسط عليها اللصوص والصعاليك والخارجون عن القانون سلطانهم الجائر : فهم ينتصبون أين يشاؤون ويعرضون من السلع ما طالب لهم من المحلّي إلى المستورد من فاقد الصلاحية إلى عديم الصحّة ويعبثون بالميزان شرّ عبث مصْداقا للآية الكريمة التي أنزلها عز وجل في حقّهم ” ويل للمطفّفين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون” . هم ببساطة قوم “لا حاكم يحكم معاهم ولا هم يحزنون” فلا بلدية ولا رجال أمن ولا أعوان مراقبة اقتصادية يقربونهم رغم مساحيق الحملات الموسمية والمناسباتية ولأنه في زمن الرداءة والثورجيين الجدد من سياسيين إلى شعب كريم “عندك في الهمّ ما تختار” أعترف أنّني بالأمس دعوت من كل جوارحي أن يبقى الحال على ما هو عليه وأن “نبوسَ” أيادي صعاليك ولصوص باب الجبلي وسوق الحوت ونقدّم لهم آيات العرفان بالجميل والولاء المطلق لشخصهم المُفدّى أمام ما شاهدت من بضاعة جديدة انتصبت هي الأخرى فوضويا في مدخل المكان يبيعها فتى في مقتبل العمر كُتب على جبينه “صُنع في أفغانستان” من طاقيّة وجلباب ولحية وخطاب أمّا البضاعة فهي دعوة أحفاد سيدي علي النوري والشيخ مقديش والشيخ اللّخمي وأبي إسحاق الجبنياني وسيدي علي الكرّاي وغيرهم من أعلام الدين الإسلامي في صفاقس إلى الإستسلام عفوا إلى الإسلام..... نعم إلى الإسلام .... والقصد طبعا الإسلام الذي يفهمونه والذي يحصرونه في طقوس ولباس ورايات سوداء وبيضاء وخضراء وهكذا وجدتُ نفسي أصيح وأنا أمنّي النفس بتدخل وزارة عريّضستان تعيش دولة رقيقستان... وواردستان ... وتسقُط دولة تونستان