طنجة (المغرب) (من مبعوث وات الخاص امين عطية) - عندما تتصفح دفاتر الكرة الطائرة التونسية بين عبق ذكريات الماضي وسحر اروقة الحاضر تستوقفك اكثر من علامة مضيئة في تاريخ هذه الرياضة. فعديدة هي الاسماء التي تركت بصمتها في ملاعب الكرة الطائرة التونسية عبر مختلف الاجيال على غرار زيزي بلخوجة ورجاء حيدر وغازي المهيري وعبد العزيز بن عبد الله ومصدق لحمر والاخوة بوصرصار وغيرهم. ويعد نور الدين حفيظ احد هؤلاء المتميزين وهو يستعد هذه الايام في سن 38 عاما لرفع تحد جديد عندما يشارك مع المنتخب التونسي في البطولة الافريقية للامم بمدينة طنجة المغربية. ولد حفيظ لان يكون لاعب كرة طائرة، فعشقه للعبة رافقه منذ الصغر. لقد كانت بمثابة الضوء الذي ينير دربه ويرسم احلامه. في اقصى ربوع الوطن القبلي وبالتحديد بمدينة الهوارية بدات فصول القصة حيث اطلق "نسر" الهوارية جناحيه ليحلق في سماء الكرة الطائرة التونسية ويطير نحو افاق بعيدة قادته حتى بلد الشمس البازغة اليابان. منذ السنوات الاولى لفت نور الدين حفيظ بفضل ما يختزنه من مؤهلات عريضة وما يتمتع به من فنيات عالية انظار الملاحظين فتسابقت الاندية للفوز بخدماته وقد كان النادي الصفاقسي هو صاحب الحظ السعيد اذ نجح سنة 1993 في ضم اللاعب على سبيل الاعارة لمدة عام غير ان العلاقة بين الطرفين لم تتوطد ليعود مجددا الى مهده الاصلي نسر الهوارية. يستحضر حفيظ هذه التجربة قائلا "لقد كنت متحفزا جدا للعب في صفوف النادي الصفاقسي باعتباره احدى ابرز قلاع الكرة الطائرة التونسية حتى اثبت امكانياتي لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن اذ لم اتمكن من تفجير مواهبي ولم توفق في الاندماج في هذا الفريق وهو ما عجل بحصول القطيعة". لكن رب ضارة نافعة فقد كان لهذا القرار تداعيات هامة على مسيرته الرياضية اذ سيقوده لاحقا الى اضواء الشهرة. كان النجم الساحلي قد سلط مجهره على اللاعب فنجح في استقطابه عام 1994 ليجعل منه ركيزته الاساسية في بناء مشروع فريق قوي يراهن على الالقاب في صفقة قياسية اثارت ضجة كبيرة باعتبارها ناهزت 200 الف دينار. سلطت القيمة المالية لهذه الصفقة ضغوطات كبيرة على نورالدين حفيظ لكنه نجح في التعامل معها بعد ان اصبح اكثر نضجا وقاد الفريق في اول موسم له بالوان النجم الساحلي الى احراز الثنائي للمرة الاولى في تاريخ هذا الفريق لتكون باكورة تتويجات اخرى متلاحقة محليا وقاريا وعربيا ليعانق بذلك كل الالقاب (5 بطولات و3 كؤوس في تونس وكاس الاندية العربية البطلة 1995 وكاس افريقيا للاندية البطلة 2001 و2002 وكاس افريقيا للاندية الفائزة بالكاس 2001). ينبش حفيظ في ذكريات الماضي قائلا "كانت فترة رائعة نجحت خلالها في الفوز بكل البطولات الممكنة على صعيد الاندية. كانت مسؤولية كبيرة لا سيما وان النجم الساحلي لم يكن متعودا حينها على اللعب من اجل الالقاب. انا مدين لهذا الفريق بكل نجاحاتي فهو الذي قدمني للجمهور وهو الذي امن بقدراتي لذلك قطعت عهدا على نفسي بان لا العب في تونس الا في صفوفه". ان تالقه اللافت مع فريق جوهرة الساحل جعله يثبت موقعه في المنتخب التونسي للاكابر وبعد ان كان احتياطيا في البطولة الافريقية للامم بالجزائر عام 1993 اصبح احدى الركائز الاساسية ضمن تشكيلة "نسور قرطاج" انطلاقا من النهائيات القارية التي اقيمت بتونس سنة 1995 بقيادة المدرب الحالي للمنتخب فتحي المكور ليساهم بذلك في التتويج بالكاس القارية. "ان هذا اللقب له نكهة خاصة فهو الاول في مسيرتي مع المنتخب فضلا عن كونه تحقق في سن مبكرة. لقد كانت الانطلاقة الحقيقية لجيل رائع اهدى تونس العديد من التتويجات ضم بالخصوص رياض الهذيلي المدرب المساعد الحالي للمنتخب وطارق العوني وغازي قيدارة ومحمد البغدادي وغازي قوبعة". تواصلت اسهم حفيظ في الارتفاع وتابع ممارسة هوايته المفضلة في حصد الالقاب اذ توج دوليا باربع بطولات افريقية 1995 و1997 و1999 و2003 واربع بطولات عربية 1996 و2000 و2002 و2006 وبالميدالية الفضية لالعاب البحر الابيض المتوسط 2001 فضلا عن التاهل الى دورة الالعاب الاولمبية 1996 و2004 والمشاركة في بطولة العالم 2002 و2006 وكاس العالم 1995 و1999 و2003 و. 2007 وبالتوازي مع هذا الكم الهائل من الالقاب نحت حفيظ مسيرة احترافية ناجحة اذ استهل مشواره الاحترافي في البطولة اليونانية ضمن فريق باوك سالونيك موسم 2002-2003 ثم انتقل في العام الموالي الى نادي الكرة الطائرة بباريس قبل ان ينتدبه نادي تور موسم 2005-2006 الذي فاز معه بكاس فرنسا ليكون بذلك اول لاعب تونسي يكسب احد الالقاب الاوروبية. ولما كان طموح اللاعب في خوض تجارب احترافية مختلفة لا حدود له شد نور الدين حفيظ الرحال موسم 2006-2007 الى اليابان حيث لعب في صفوف / آن او سي طوكيو/ ليفوز معه بكاس اليابان قبل ان يغريه نادي القادسية الكويتي ويضمه الى صفوفه من 2007/ 2008 الى 2009-2010/. يصف حفيظ تجربته الاحترافية بالناجحة "اعتقد اني حققت مسيرة موفقة خارج تونس فليس من السهل اللعب في بطولات قوية مثل اليونان او فرنسا او اليابان تعج باللاعبين الممتازين. لقد قمت بتضحيات كبيرة كانت في بعض الاحيان على حساب عائلتي لكن ما يثلج صدري ان تعبي لم يذهب ادراج الرياح فقد تركت افضل الانطباعات اينما حللت ولعل الالقاب التي تحصلت عليها تؤكد نجاح مختلف هذه التجارب. انا اؤمن بان المثابرة والانضباط هما السبيل الوحيد لتحقيق النجاح". دامت التجربة الخليجية مع القادسية ثلاث سنوات توفق خلالها حفيظ في الظفر ب7 القاب غير ان الحنين الى البطولة التونسية عاوده من جديد ليعود الى فريقه النجم الساحلي بعد غياب 8 سنوات فضرب معه موعدا اخر مع التميز من خلال الفوز بلقب البطولة الوطنية. قد تكون لحظة اعتزال حفيظ على الابواب لكن اسم اللاعب سيبقى راسخا في اذهان عشاق الكرة الطائرة وستظل انجازاته رقما صعبا قد يستغرق معادلته وقتا طويلا.