قرطاج (وات) - شدد رئيس الجمهورية المؤقت فؤاد المبزع على ضرورة ان ترتقي مسألة مكافحة الفساد والرشوة إلى مرتبة الثوابت الوطنية وان تحظى بمكانة دستورية بما يضمن وقاية الأجيال القادمة من مخاطرها. وأكد لدى تسلمه خلال موكب انتظم صباح الخميس بقرطاج تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد من رئيسها عبد الفتاح عمر، ان السعي كان حثيثا منذ قيام الثورة إلى إرساء آليات تؤمن محاسبة كل الذين أذنبوا في حق الوطن ونهبوا خيراته حتى يتسنى تحقيق المصالحة الوطنية وبناء مستقبل تونس على أسس سليمة بعيدا عن مظاهر الضغينة والبغضاء. وبين ان إحداث اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد جاء استجابة لمطالب الشعب بالقطع النهائي مع هذه المظاهر المهددة لكيان المجتمع واعتماد قيم العدالة والمساواة في التعاطي مع الشأن العام، موضحا ان الدولة لم تتخلف عن تمكين اللجنة من كافة الآليات والصلاحيات القانونية لأداء رسالتها النبيلة على أحسن وجه في نطاق الاستقلالية التامة، تماشيا مع المعايير الدولية. ولاحظ ان هذه الجهود ولئن ساهمت في نجاح اللجنة فان ذلك يعود في المقام الأول إلى ثراء عنصرها البشري فهي تضم خيرة الخبراء والإطارات السامية المشهود لهم بالنزاهة والاستقلالية والكفاءة في الميادين القانونية والمالية والتدقيق والمحاسبة . واثنى السيد فؤاد المبزع على الجهود السخية التي بذلها اعضاء اللجنة في معالجة أحد أكثر الملفات تعقيدا وحدة وتأثيرا في حياة التونسيين، مؤكد ان التاريخ سيسجل دون شك الجهود السخية التي بذلوها بروح وطنية عالية، وبحس مهني رفيع، وبقدرة فائقة على مغالبة الصعاب، وقبول النقد الذي شمل عملهم متمسكين بدرجة عالية من الموضوعية والتجرد، متجنبين مزالق التشفي وممتنعين عن مظاهر المحاباة. وبين ان اعضاء اللجنة قد سلكوا سبيل التدقيق في ملفات الفساد بكل رؤية بما يضمن الحق في المحاكمة العادلة والنزيهة لكل من اتصلت به شبهة فساد أو رشوة، وأيا كانت صفته، موضحا ان في ذلك تحقيق للعدل بمفهومه النبيل. كما قاموا بدراسة عدد كبير من الملفات وتمكنوا من الكشف عن العديد من جرائم الفساد والرشوة وإحالة المورطين فيها على القضاء الذي وجد في عملهم منطلقا ملائما للتحقيق فيها. ولاحظ ان ضغط العمل اليومي المضني لم يمنع اعضاء اللجنة من استشراف المستقبل في مجال تدخلهم من خلال الإسهام الفعال في تصور استراتيجية وطنية للمكافحة الدائمة لمظاهر الفساد والرشوة، وترجمة هذه الاستراتيجية الى نص تشريعي، وهو ما جعل هذا التقرير الذي يعقب انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، يشكل اليوم، فضلا عن قيمته التاريخية، وثيقة مرجعية هامة في سبيل الحماية الذاتية والدائمة من الآفات الاجتماعية. وكان رئيس اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد عبد الفتاح عمر القى كلمة اشار فيها إلى ان اللجنة قامت بدراسة اكثر من 5000 ملف مما سمح باسترجاع كمية من الأموال وعدد من العقارات مشيرا إلى ان 5000 أخرى لم يقع النظر فيها بعد. وافاد ان اللجنة تمكنت ايضا من احالة ما يقارب 320 ملفا تتعلق بما يقارب 1200 شخص على النيابة العمومية، قال انها"ملفات ثقيلة تؤكد تغلغل الفساد والرشوة في المؤسسات والمجتمع التونسي" . واوضح ان مشروع المرسوم المتعلق بمكافحة الفساد والرشوة الذي تم اقراره يتضمن في جانب منه استراتيجية عامة ومتكاملة لمقاومة هذه الظاهرة والوقاية منها، إلى جانب احداث هيئة مستقلة وقارة تعنى بهذه المسائل . وتولى رئيس الجمهورية المؤقت في ختام الموكب الذي جرى بحضور اعضاء اللجنة وعدد من اطارات الرقابة والتفقد التوقيع على المرسوم الإطاري المتعلق بمكافحة الفساد.