تونس (وات- تحرير أنس الغربي)- أكدت منظمة اليونسكو في العديد من المناسبات ان "المكتبة هي قوة حيوية للتربية و الثقافة و العلوم" و هي قلعة للثقافة و المعلومات يرتادها الصغار و الكبار الراغبون في التعليم و التعلم. ولان القراءة هي من أهم ثمرات الحضارة فقد ساهت المكتبات في البناء الثقافي والحضاري لبلادنا. وبالفعل كان للمكتبات حضورها التاريخي المشع في بلادنا اذ مثلت مكتبة الجامع الأعظم وبيت الحكمة في القيروان و جامع الزيتونة بمدينة تونس تاريخيا أهم المكتبات بالبلاد التونسية في القديم. وقد شهدت القرون الثلاثة المنقضية حركة واسعة في بعث المكتبات أغلبها بمدينة تونس وضواحيها كمكتبة مسجد بيت الباشا في باردو والمكتبة الخلدونية (1901) و المكتبة العامة بتونس أو المكتبة الوطنية (1885) و مكتبة التلميذ الزيتوني المركزية (1942).واتسعت شبكة المكتبات العامة في الزمن الحاضر وتنوعت بين بلدية وثقافية ومراكز إعارة وتضاعف عدد المكتبات العمومية لتشمل كامل ولايات الجمهورية إلى جانب المكتبات المدرسية. وتصنف المكتبات العمومية في تونس إلى: مكتبات جهوية: مكتبات كائنة بمراكز الولايات تؤمن الخدمات العادية للمكتبات العمومية إضافة إلى الإشراف الفني على الشبكة الجهوية للمكتبات المحلية بالولاية وتعد حاليا 24 مكتبة. مكتبات محلية: و هي مكتبات كائنة بالمناطق البلدية أو في ضواحي المدن الكبرى تؤمن خدمات المطالعة على عين المكان و الإعارة الخارجية لمختلف الشرائح العمرية (اطفال وشباب و كهول) وتعد 317 مكتبة. مكتبات متنقلة:حافلات مهيأة لتأمين خدمات الإعارة للمستفيدين في الأرياف و التجمعات النائية تعد هذه المكتبات حاليا31 وحدة تغطي1736 تجمعا سكنيا. وتشرف على تسيير شبكة المكتبات العمومية في تونس إدارة المطالعة العمومية وهي إحدى الإدارات المركزية بوزارة الثقافة. وقد ضمت شبكة المكتبات العمومية إلى موفى سنة 2011 (382) مكتبة قارة ومتنقلة موزعة كما يلي: 351 مكتبة قارة للشباب و الكهول و الأطفال و31 مكتبة متنقلة.ويضم مجموع هذه المكتبات أكثر من 7 ملايين كتابا عربيا وغير عربي أي بنسبة كتاب لكل 1،55ساكنا في حين تسعى وزارة الثقافة إلى توفير كتاب لكل ساكن خلال المخططات القادمة. اما نوعية هذه الكتب فهي تتوزع إلى كتب أدبية و خاصة قصص بنسبة 56 بالمائة و تقدر نسبة الكتب العلمية و التقنية ب7 بالمائة و العلوم الاجتماعية و الإنسانية ب37 بالمائة. يؤم شبكة المكتبات العمومية التونسية سنويا ما يقارب 3 ملايين 935 الف و 033 مطالعا و مليون و645 الف و 024 مستعيرا علما بان 90 فاصل 27 بالمائة من جملة المستفيدين من هذه المكتبات هم من التلاميذ والطلبة. وتؤمن المكتبات المتنقلة خدمات مكتبية لسكان التجمعات في الأرياف . و تضم المكتبات المتنقلة رصيدا جمليا من الكتب يقدر ب 583 الف 752 كتابا و مجموعات هامة من الدوريات. واعتبارا لضعف إقبال المواطن في تونس وخاصة الشرائح الاجتماعية الأخرى غير التلاميذ والطلبة وتدني معدل القراءة مقارنة مع بعض الدول وخاصة الأوروبية (في فرنسا المواطن يطالع معدل 8 كتب سنويا) أحدثت وزارة الثقافة خطة للتشجيع على القراءة انطلق تنفيذ برامجهاسنة1991 . و من أهم ملامح هذه الخطة توسيع شبكة المكتبات العامة الثابتة والمتنقلة ودعم مختلف مكوناتها و تنظيم مجموعة من الأنشطة والحملات التوعوية داخل الفضاءات المكتبية وخارجها للترغيب في الكتاب والحث على القراءة. وقد نظمت إدارة المطالعة العمومية في الأشهر الأخيرة بالتعاون مع الجامعة الوطنية لجمعيات أحباء المكتبة و الكتاب عديد الحملات التحسيسية والتظاهرات الثقافية للترغيب في المطالعة و التأكيد على قيمة الكتاب و المطالعة في حياة الأفراد والشعوب منها"الملتقى 14 في تطاوين حول المطالعة في الوسط الريفي و دور المكتبات في الانتقال الديمقراطي" علاوة على تقديم أشرطة سينمائية و عروض مسرحية و تنشيطية للترغيب في المطالعة . وفي ضوء انتشار تكنولوجيا المعلومات وانصهارها في المجتمع تحولت عديد المكتبات من وحدات تقليدية إلى مكتبات الكترونية او رقمية. و تمثل هذه المكتبات جزءا مهما من المنظومة الاجتماعية التي تلبي حاجات المجتمع من خلال تأمين الدخول الحر للمعلومات بدون عوائق لجميع المواطنين. كما تغيرت طبيعة خدمات المكتبات التقليدية كالاطلاع والإرشاد لتظهر خدمات أخرى حديثة كالإحاطة الجارية وخدمات التكشيف والاستخلاص وملفات المعلومات والبث الانتقائي للمعلومات المعتمد على النظم الالكترونية لاسترجاع المعلومات وإرسالها للباحث عن طريق البريد الالكتروني او ظرفيات الحاسب لتعريف المستفيد بالوثائق الحديثة المتصلة باهتماماته الموضوعية. وعند الحديث عن المكتبات لابد من الإشارة إلى المكتبات الافتراضية وهي مكتبات متكونة من أرصدة وثائقية مرقمة ومحمولة في شبكات معلوماتية تمكن من معاينة نصوصها عن بعد فهي مفتوحة دوما وفي كل آونة بواسطة تقنيات الهاتف والكمبيوتر و هي تقدم خدمات جليلة في ميدان الثقافة والبحث العلمي والتنزه الفكري والتسلية. وقد مكنت المكتبات الحديثة المستفدين من خدمات أسرع وأيسر بفضل النفاذ الفوري الفعال والمباشر إلى مجموعات كبيرة ومتنوعة من مصادر المعلومات و تحديث وتجديد سريع للمعلومات يمكن من ترشيد امثل للاستهلاك التوثيقي المحلي و تطوير خدمات الإعارة بين المكتبات وتسرعيها. و للتذكير فقد انطلق مشروع المكتبات المحوسبة او المعلوماتية في بلادنا في بعض الجهات" بن عروس و اريانة و نابل" في انتظار ان يتم تعميمه على كل المكتبات الجهوية في مرحلة أولى و المكتبات المحلية و المتنقلة في مرحلة أخرى. و يرى السيد علي المرزوقي مدير إدارة المطالعة العمومية ان الاحترازات التي يبديها بعض المحافظين من تأثير التكنولوجيا الحديثة على عملية المطالعة تبدو حسب رأيه غير مبررة لان تقاليد المطالعة لا يمكن ان تتأثر بتغيير الأوعية أي من الورقية إلى الالكترونية بل تتأثر هذه الممارسات الثقافية ككل الممارسات المجتمعية بعوامل أخرى لا يمكن لتكنولوجيا المعلومات بمفردها تغييرها اذا اعتبرنا ان المطالعة تقتصر على الإنتاج الإبداعي كالرواية و القصة و الشعر. و بين ان اكتساح التكنولوجيا الحديثة مختلف المجالات سيغير في اغلب الممارسات الثقافية و قد أثرت هذه التكنولوجيات في طبيعة نشاط المكتبات و مرافق المعلومات الأخرى اذ مكنت من المحافظة على الأشياء النادرة و يسرت استخدام الوثائق الرقمية و اختصار مسافات الحفظ اذ تشغل النسخ الالكترونية جزءا لا يتجاوز الملمترات على قرص مغناطيسي بدلا من امتار على الرفوف. كما باتت كلفة التخزين للاقراص منخفضة جدا مقارنة بتخزين الكتاب. و كانت الجامعة الوطنية لجمعيات احباء المكتبة و الكتاب قد دعت بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للكتاب "افريل 2011" إلى إرساء خطة مستقبلية للنهوض بالكتاب تأليفا و صناعة و ترويجا و الإسراع ببعث المركز الوطني للكتاب. كما دعت إلى تحيين مختلف النصوص المنظمة لقطاع الكتاب و النشر إضافة إلى سن نصوص ترتيبية تنظم قطاع المطالعة العمومية و المكتبات و تحيين القانون الأساسي للمكتبيين و إعادة هيكلة المكتبات العمومية في اتجاه منحها أكثر مرونة في التصرف الإداري و المالي الى جانب التشجيع المادي والأدبي لجمعيات أحباء المكتبة والكتاب.