بن عروس (وات)- لماذا الحديث عن بورقيبة الآن ؟ هل هي عودة البورقيبية؟وهل ما زال للبورقيبيين الجدد منهم والقدامى مكانة في المشهد السياسي التونسي الراهن؟ كل هذه الاسئلة وغيرها المتصلة بشخص أول رئيس لتونس ما بعد الاستقلال وأسلوبه في الحكم طرحت الاثنين على منبر النادي الثقافي برادس خلال ندوة فكرية التأمت بدار الشباب المغاربي بمشاركة احمد المستيري ومصطفى الفيلالي عضوي المجلس القومي التأسيسي غداة الاستقلال والوزيرين السابقين في عهد بورقيبة والمؤرخين عبد الجليل التميمي صاحب مؤسسة التميمى للبحث العلمي والمعلومات وخالد عبيد ومحمد ضيف الله. ولئن كانت الندوة التي وضعت أشغالها تحت عنوان" بورقيبة في مرآة التاريخ" فرصة لاستعراض مآثر الرجل وأخطائه في الحكم فهي لم تخل من محاولات الزج بها في إسقاطات ومقارنات بين سياقات تاريخية مختلفة. وهذا ما لم يتردد في الإشارة إليه المتدخل الأول في الندوة احمد المستيري الذي قال انه لا يمكن تطبيق النموذج البورقيبي في تونس اليوم لان الظروف غير الظروف وان المجتمع التونسي الحالي ليس بالمجتمع التونسي في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. وشدد على انه ليس هناك وصفة جاهزة للحكم يمكن اعتمادها في كل زمان ومكان وفي كل نظام ومجتمع مفندا وجود فكر بورقيبي او نظرية بورقيبية لان بورقيبة كان بالأساس براغماتيا بدليل انه كان يغير مواقفه واختياراته كلما اصطدم بالواقع. وخلص المستيري إلى القول انه لئن انزلق بورقيبة نحو الاستبداد في أواخر سنوات حكمه بسبب طول شيخوخته وطول فترة ممارسته السلطة دون رقابة او معارضة فان حصيلة حكمه بمقياس الزمن وبالمقارنة مع البلدان المغاربية المجاورة والعربية والإسلامية هي ايجابية في مجملها مؤكدا ضرورة استخلاص العبرة من الماضي. وانتهى مصطفى الفيلالي في مداخلته الى نفس الخلاصة تقريبا، مبينا ان بورقيبة كان من الافذاذ وان ميزان حسناته يغلب ميزان سيئاته وسلبياته التي كان وزراؤه والعاملون معه طرفا فيها. وقال ان لكل عصر تاريخيته التي على أساسها يحكم على إحداثه وعلى أعمال الفاعلين والمؤثرين فيه مبرزا عبقرية بورقيبة في إقراره للصيغة النهائية للفصل الأول من دستور 1959 الذي ينص على ان "تونس دولة مستقلة ذات سيادة ، العربية لغتها والإسلام دينها والجمهورية نظامها". ولاحظ ان هذه الصيغة التي وصفها بالتوفيقية التقى حولها التونسيون أكثر من خمسين سنة ولم تكن مدعاة لأي خلاف او تفرقة بينهم ،مؤكدا ان بورقيبة اجتهد في الإسلام ولم يخرج عن مفهوم الشريعة التي اعتمد عليها في إصدار مجلة الأحوال الشخصية. وعرج خالد عبيد في مداخلته على الصراع البورقيبي اليوسفي ،معربا عن أسفه لما وصفه بالضجة المفتعلة حوله. وأكد ان التونسيين قادرون على تجاوز هذا الخلاف السياسي الذي أريد به حسب رأيه تقسيمهم . كما أعرب عن رفض توظيف التاريخ لحساب أي اجندا سياسية مشيرا الى ان التاريخ اذا جر الى دهاليز السياسة فقد استقلاليته و انه من واجب المؤرخين الدفاع عن استقلالية التاريخ مثلما يدافع القضاة عن استقلالية القضاء والصحافيون عن استقلالية الإعلام. وحلل محمد ضيف الله من ناحيته العناصر الأساسية المكونة لما يسمى بالنظرية البورقيبية المتمثلة حسب رأيه في الاتصال المباشر والمحافظة على الوحدة القومية وسياسة المراحل. وبين ان بورقيبة اهتم بتاريخ نفسه أكثر من تاريخ البلاد الذي أراد ان يكون هو محوره في حين كان للمشاركين فيه الآخرين دور ثانوي. وخلص إلى القول ان لبورقيبة مكانة خاصة في تاريخ تونس المعاصر والراهن وانه يمثل تراثا مشتركا بين كل التونسيين سواء كانوا مؤيدين أو معارضين له. وأبرز عبد الجليل التميمي الذي أدار أشغال الندوة الموقف الاستثنائي لبورقيبة إزاء استقلال موريتانيا، مشيرا إلى ان بورقيبة رجل دولة استثنائي ترك بصمات واضحة على تاريخ تونس المعاصر رغم أخطائه التي عطلت حسب رأيه الوفاق الوطني في عهده.