تونس (وات)- لم يشفع لها صغر سنها ونعومة أظافرها في حمايتها من بطش البوليس السياسي الذي اقتادها من أمام المعهد الثانوي الذي تدرس فيه للزج بها في سجون النظام السابق وأذاقها ويلات من العذاب، لتقضي محكومية تجاوزت ثلاث سنوات بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها والمشاركة في أحداث تفجيرات. هي منية العقيلي، دخلت السجن وهي حدث لا تعرف حتى المصطلحات التي كانت تتلى عليها ضمن محاضر البحث، وخرجت منه وهي في ريعان شبابها. ولا تريد هذه الفتاة ان تتذكر ما حدث لها وراء القضبان حتى انها منعت مذكراتها عن الجميع، وقد غادرت السجن مثقلة بالأمراض التي داهمت جسدها خلال سنوات الاعتقال على غرار الربو وأمراض القلب وضيق التنفس. كما اجبرها الفقر على التغيب عن مواعيد مراجعة الطبيب بسبب قلة ذات اليد وعدم توفر ثمن الدواء . ومع ذلك لم تطالب سجينة الرأي السابقة، منية العقيلي، خلال اللقاء الذي جمع الأربعاء وزيرة شؤون المرأة والأسرة سهام بادي بجمعية "نساء تونسيات" سوى بتمكينها من ملفها السجني الذي قالت انه "اعدم مع عديد الملفات الأخرى لطمس فضائح النظام السابق في حق الطفولة التونسية وحق سجناء وسجينات الرأي ". وتحدثت "رفيقات دربها في معركة حرية الرأي " في شهاداتهن، خلال هذا اللقاء، عن طقوس التعذيب التي مورست عليهن لسنوات طويلة من قبل أعوان البوليس السياسي، وعن النهج الانتقامي الذي اعتمده النظام السابق في التعامل مع معارضيه. وقالت السجينات السابقات بصوت واحد " لامجال إلى العودة إلى تعذيب سجناء الرأي سواء من النساء او الرجال بسبب الانتماءات الإيديولوجية والفكرية". تكلمت كل المتدخلات بنبرة فيها الكثير من التأثر والحزن، وأجهشن بالبكاء عند استعراض ألوان التعذيب التي ذقنها من تحرش واعتداءات جسدية وجنسية ولفظية وإهمال صحي ونفسي. كما تحدثن عن معاناتهن بعد الخروج من المعتقلات وعزلتهن عن المجتمع بسبب ما لحق بهن والملاحقة الأمنية والرقابة التي تعرضن إليها، حتى أن حياة العيادي التي سجنت "باطلا" لمدة 6 أشهر اختصرت عذاباتها خارج القضبان بجملة حبلى بالمعاني " ليتني لم أبارح السجن ". قالتها بنبرة حزينة، أبكت الحضور داخل القاعة اذ انها استعرضت أنواع الآلام التي عانتها جراء ما تعرضت له عائلتها من مضايقات وضياع مستقبل عدد من أخوتها، والنظرة الدونية للمجتمع إلى " خريجات السجون"، دون نسيان الإقصاء الاجتماعي والمضايقات وانعكاسات الماضي على مستقبل أطفال السجينة واستقرارها الأسري . وطالبت سجينات الرأي في هذا اللقاء بتسليط الضوء على هذه" المعاناة" التي مرت، بحسب قولهن، " في صمت جماعي ومجتمعي مذهل". كما طالبن بإعادة الاعتبار لهن وتوفير الإحاطة النفسية لمن تستحقها منهن وبإعادة فتح ملفات المحاكمات التي لفقت إليهن دون وجه حق، والى كتابة تاريخ هذه "الحقبة المظلمة من تاريخ تونس التي ذاق فيها التونسي ألوان التعذيب والاضطهاد". وأكدت الوزيرة سهام بادي بالمناسبة مساندتها الكاملة لمن وصفتهن ب" مناضلات الرأي والحرية والديمقراطية". وقالت " انا ادعم رفيقاتي في معركة الحرية وفي مواجهة استبداد النظام السابق وبطشه". وتعهدت بالانكباب على العمل من اجل رد الاعتبار لهن وتوفير الإحاطة لهن في إطار العدالة الانتقالية في تونس ما بعد الثورة. وتم خلال اللقاء عرض برنامج جمعية " نساء تونسيات" المحدثة في 6 افريل 2011 والتي تهتم بالمرأة التونسية أين ما كانت وخاصة من الفئات الهشة والإحاطة بها ودعمها. وفي جانب من عملها تسهر هذه الجمعية على الإحاطة بسجينات الرأي وعلى إعداد إحصاء وطني لهن ومسح لما تعرضن له من تنكيل وتعذيب. ويشار إلى أن هذه الجمعية تنظم يوم 22 أفريل الجاري يوما إعلاميا وتحسيسيا لتسليط الضوء على مشاغل النساء السجينات والتوثيق للتضحيات التي قدمنها، وسيتم خلاله عرض شهادات حية وشريط وثائقي في الموضوع بالإضافة إلى تقديم عدد من المداخلات في المجال القانوني والحقوقي والصحي.