تونس (قصر المؤتمرات) (وات) - أكد الرؤساء الثلاثة (الجمهورية والتأسيسي والحكومة) على ضرورة بعث هيئة دائمة تتولى الاشراف على مختلف المحطات الانتخابية القادمة بما يعزز مسار الانتقال الديمقراطي في تونس الذي كانت أولى محطاته البارزة النجاح في تنظيم انتخابات 23 أكتوبر الماضي. وشددوا في كلمات لهم خلال اشرافهم على موكب يوم الجمعة بقصر المؤتمرات بالعاصمة بمناسبة الاختتام الرسمي لمهام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، على ضرورة تمتع الهيئة المرتقبة بالمصداقية والحيادية "والنأي بها عن كل محاصصة سياسية" من شانها أن "تعرقل البناء الديمقراطي في البلاد وتقوض كل جهود اللحاق بمصاف الديمقراطيات الجديدة". وفي هذا الإطار أبرز رئيس الجمهورية المؤقت منصف المروزقي "مقدار حاجة البلاد إلى مؤسسات مستقلة تشرف على تنظيم التنافس السياسي وتكون في حياديتها ونزاهتها خير ضامن لتواصل عملية الانتقال الديمقراطي بل ولديمومة الديمقراطية بوصفها المنهج الأمثل للتداول على الحكم". ولاحظ أن "القناعة بضرورة استقلالية الهيئة المشرفة على الانتخابات عن السلطة التنفيذية هي قناعة راسخة.." مؤكدا أنه "لا سبيل مطلقا لعودة أي حكومة للإشراف بنفسها على مواعيد انتخابية تكون فيها خصما وحكما في الوقت نفسه لأن ذلك سيعيدنا إلى المربع الأول الذي رسخ حكم الاستبداد". وأضاف قوله "إن الحكومة التي تشرف على مقاليد البلاد اليوم مقتنعة تمام الاقتناع ومتفقة في ذلك إلى حد التطابق مع كل الأطراف الوطنية الأخرى أنه لا يمكن بل لا يجب التراجع عن إشراف هيئة مستقلة على الانتخابات سواء كانت بلدية أو تشريعية أو رئاسية وكذلك على الاستفتاءات". من ناحيته شدد مصطفي بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي على ان "وجود مؤسسة مستقلة ومحايدة مهنية تتولى تنظيم العملية الانتخابية بمعزل عن التيارات السياسية والاجتماعية المختلفة وتكون قادرة على مواجهة الضغوط في الوقت الذي تحظى فيه بالمصداقية وبثقة كل المنافسين، هو شرط أساسي لاستكمال التحول الديمقراطي". وشدد على أن الجميع اليوم "أمام مسؤولية كبيرة في الحفاظ على هذا المكسب الهام" مبينا ان تونس في هذا المجال "لا نقف على فراغ بل لديها تجربة ثرية ونواة أساسية من موارد بشرية اكتسبت تجربة ميدانية كبيرة.." ومنظومة معلوماتية استثمرت فيها الدولة الكثير على مستوى المعدات والبرمجيات والتطبيقات. ولاحظ أنه رغم نجاح الهيئة بامتياز في "تأمين مسار انتخابي شفاف ونزيه رغم ضغط الوقت وتعدد الأعمال" فإنه لا بد "تفادي عديد النقائص وإصلاح الأخطاء التي عشناها في التجربة الانتخابية السابقة واستخلاص عديد الدروس لتصحيح المسار وهذا مهم جدا.. لأن الديمقراطية كسب بتعاقب الإنجاز وبناء بتراكم التجربة". من جهته أعلن رئيس الحكومة المؤقتة، حمادي الجبالي، بالمناسبة أن حكومته بصدد الانتهاء من مشروع قانون لتشكيل الهيئة العليا الدائمة المستقلة للانتخابات سيعرض قريبا على المجلس التأسيسي وعلى جميع الفاعلين السياسيين للتداول حوله بغية الوصول الى توافق وطني. وبعد ان اعتبر ان الهيئة المشرفة على انتخابات 23 سبتمبر 2011 وفقت في انجاز اول انتخابات تونسية ارتقت الى المعايير الدولية بشهادة الجميع، أعرب عن الأمل في ان ترتقي الهيئة الدائمة التي سيقرها المجلس التأسيسي الى هيئة دستورية. واستعرض الجبالي، على صعيد آخر، حجم التحديات السياسية التي تعترض حكومته قائلا "لا نحتاج جهدا كبيرا لنكتشف حجم الصعوبات التي تتعرض لها تجربتنا الديمقراطية الوليدة من خلال انفلات مجموعات الغلوٌ يمينا وشمالا " واصفا هذه المجموعات ب"المختطفة لاحلام التونسيين في الحرية والعدالة" والتي ترغب برأيه في "فرض انماط مجتمعية غريبة عن هوية البلاد وتراثها في الاعتدال والتسامح". لكنه شدد بالمقابل على الثقة بالقدرة على تجاوز هذه المرحلة الصعبة من خلال تعاون الجميع مضيفا قوله "لن يعجز هذا الشعب الابي الذي صنع الربيع العربي على تجاوز هذه الازمات". أما كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فقد أشار قبل ذلك إلى أن هيئته تبقى قائمة الذات من الناحية القانونية الى حين صدور نص جديد للهيئة الدائمة. كما شدد على ضرورة تغليب مبدأ التوافق في ضبط الخيارات العامة على الاعتبارات المبنية على منطق الاغلبية والاقلية وتكريس التواصل والاستمرارية المؤسساتية للهيئة الى جانب ضمان الحيادية والمهنية باعتبارها من الاسس الضرورية لعمل الادارة الانتخابية. وأوصى "بضرورة احترام المؤسسات وارساء مبادئ تعامل بين الهيئة الانتخابية والسلط العمومية تكرس عناصر الثقة والاستقلالية والرقابة" من خلال وضع الاليات الدستورية والقانونية الكفيلة بضمان ذلك. ودعا الجندوبي إلى استكمال سجل الناخبين وتحيينه استعدادا للمسارات الانتخابية القادمة ومواصلة عمليات تكوين المتدخلين في المسار الانتخابي والعمل على تركيز النواة الاساسية للادارة الانتخابية ودعمها بصفة تدريجية وتكوينها وتاهيلها من خلال استعادة جزء من الكفاءات والخبرات المكتسبة التي عملت مع الهيئة الحالية. جدير بالذكر أن حفل الاختتام الذي حضرته شخصيات وطنية وسياسية واعضاء حكومتي الباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي وأعضاء بالمجلس التأسيسي ومكونات المجتمع المدني، قاطعته كتلة نواب العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية بالمجلس التأسيسي احتجاجا، منها بحسب بيان ممضى من قبل رئيسها محمد الحامدي، على "القرار الظالم الذي اتخذته الهيئة بعد صدور نتائج انتخابات 23 أكتوبر والقاضي باسقاط ست قائمات لها في عدد من الجهات".