تونس (وات)- انطلقت صباح الأربعاء بضاحية قمرت أشغال المؤتمر الوزاري رفيع المستوى حول "التمويل العمومي والخاص والخارجي لقطاع الصحة في إفريقيا". ويهدف المؤتمر بالخصوص إلى تعميق الحوار حول الاستعمال الرشيد للنفقات العمومية والخاصة في المجال الصحي في البلدان الإفريقية، وتحسين الدعم الخارجي لهذا القطاع، إضافة إلى الشراكات الجديدة في المجال على غرار الشراكة جنوب-جنوب والشراكة مع القطاع الخاص ومع المتبرعين غير التقليديين. وسيتوج المؤتمر بالمصادقة على إعلان تونس والاتفاق على إنشاء إطار يكون فضاء للعمل والانخراط في هذا الجهد، بما يساعد الحكومات الإفريقية على دفع شركائها إلى الإسهام في برامج حقيقة تدفع بقطاع الصحة في هذه البلدان نحو مزيد من التقدم. ويشارك في أشغال هذا المؤتمر الدولي وزراء الصحة والمالية الأفارقة ونحو 300 مشارك من أكثر 40 دولة ورؤساء 6 منظمات دولية تعمل في مجال الصحة و20 برلمانيا وممثلين عن جامعات وخبراء من كل أنحاء العالم، وخاصة من الهند والصين والبرازيل والفيتنام والسويد والمكسيك. ولاحظ رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي، في كلمة ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية، أن تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في مجال الصحة يتطلب من كل الدول تعبئة الجهود من أجل الإيفاء بتعهداتها خاصة في ما يتعلق بصحة الأم والطفل وباستئصال الأمراض المنقولة كالملاريا والسيدا وبتحقيق الصحة للجميع وبناء القدرات الوطنية في كافة القطاعات ذات الصلة بالصحة. وأبرز، في هذا الصدد، أهمية تعزيز الميزانيات المرصودة لقطاع الصحة وإصلاح نظم التمويل الصحي باعتماد مقاييس النجاعة والشفافية، والتفكير في وضع واعتماد نظم تحليل الكلفة، وإدراج أنظمة تخطيط ومعايير لإعداد الميزانيات، إضافة إلى تحسين التدقيق والحوكمة الرشيدة واللامركزية في هذا القطاع. وقال رئيس الحكومة أن هذه المحاور تحظى باهتمام خاص في السياسة الصحية لتونس، مشيرا في هذا السياق إلى أن الحكومة منكبة حاليا على ملف العلاج المجاني للعائلات المعوزة، بما يمكن من مواصلة الترفيع في نسب المنتفعين بأنظمة العلاج المجاني وبالتعريفات المنخفضة، فضلا عن التشجيع على بعث مؤسسات خيرية تسهم في التكفل بنفقات علاج المواطنين. وبين أن الأسر التونسية لازالت تتكبد العبء الأكبر من النفقات على الصحة التي تقدر سنويا ب330 دينارا لكل فرد، أي بنسبة 43 بالمائة مقابل 30 بالمائة يتكفل بها التامين الجماعي و27 بالمائة من ميزانية الدولة. وأفاد السيد حمادي الجبالي أن مخططا استراتيجيا، تستعد وزارتا الصحة والمالية لاستكماله، يهدف إلى الضغط على النفقات وحسن استغلال كل الموارد المتوفرة، وذلك من خلال تكثيف برامج الوقاية من الأمراض المزمنة والخطيرة والتقييم المستمر لأداء كل المهنيين ومزيد تأهيل المؤسسات الصحية. ولاحظ وزير المالية التنزاني، وليام مجيموا، رئيس الجلسة الافتتاحية من جانبه، أن الاستثمار المستدام في الصحة يساهم ضرورة في تحسين الإنتاجية وفي تحقيق النمو الاقتصادي المرجو، مشيرا إلى أن الموارد المخصصة للصحة في الدول الإفريقية تظل من اضعف ما يخصص لهذا القطاع على الصعيد العالمي. وبين رئيس البنك الإفريقي للتنمية، دونالد كابيروكا، أن ما تحقق في قطاع الصحة وعلى الرغم من الخطوات الهامة التي تم تسجيلها بعديد الدول الإفريقية، خاصة في مجال الحد من وفيات الأمهات عند الولادة، ووفايات الأطفال، وفي مكافحة السل والملاريا، يظل دون المأمول ودون تطلعات الشعوب في إفريقيا. وشدد على ضرورة التفكير بجدية في إضفاء مزيد من النجاعة على التصرف في الموارد المتوفرة في القطاع الصحي من اجل تحقيق استمرارية التمويل واستدامة الرعاية الصحية، مبرزا أهمية اعتماد مقياسي العدالة والإنصاف في تمكين المواطنين من الخدمات الصحية. كما دعا إلى العمل على الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة، وعلى تقريبها من الفئات الأقل حظا، وعدم الاقتصار على التمويل الخارجي في مجالات التنمية والصحة خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية. وأشارت المديرة العامة للمنظمة العالمية للصحة، مارغريت شان، من جهتها، إلى ضرورة توفير التمويلات الضرورية لتسريع نسق التطور الذي أحرزه قطاع الصحة في القارة الإفريقية، مؤكدة أن ما تم تحقيقه "دون المأمول" بحسب رأيها. وقالت في هذا الصدد أن 22 دولة افريقية قادرة على توفير 1 فاصل 4 مليار دولار من خلال الزيادة في الرسوم الجبائية المفروضة على التبغ فقط. ودعت مسؤولة المنظمة العالمية للصحة وزراء المالية إلى التخلي عن النظرة السائدة في ما يتعلق بقطاع الصحة، والتي تعتبر هذا القطاع غير منتج، منادية بدعم الاعتمادات المخصصة إليه. وأشارت، من جهة أخرى، إلى أهمية النظم المعلوماتية وإسهامها في تشخيص الأوضاع الوبائية وفي رسم السياسات الوطنية في مجال الصحة ومكافحة الأمراض، موضحة أن 86 دولة على المستوى العالمي لا تمتلك سجلات صحية لمواطنيها. ويشار إلى أن هذا المؤتمر الذي يتواصل على امتداد يومين يعد مواصلة للحوار حول تمويل قطاع الصحة الذي انطلق خلال ندوة وزراء المالية بالاتحاد الإفريقي المنعقد في أديس ابابا في مارس 2011. وتتمحور أشغال المؤتمر التي تدور في إطار 11 جلسة علمية حول " ترشيد استغلال الموارد العمومية في قطاع الصحة" و" وترشيد الموارد الخاصة المتعلقة بتدخلات مؤسسات التأمين على المرض" وكذلك "بحث سبل تحسين المساعدات الخارجية وإيجاد شركاء جدد جنوب -جنوب وفي القطاع الخاص ومانحين غير تقليديين".