تونس 6 نوفمبر 2010 (وات- تحرير إحسان التركي) - عديدة هي المكاسب والانجازات التي تقوم اليوم شاهدا على القفزة النوعية التي حققتها تونس في شتى الميادين وفي ظرف وجيز لا يحسب في تاريخ الشعوب بما جعل بلادنا، وهي أهل لذاك، تتطلع إلى اللحاق بركب الدول المتقدمة وهو مطمح مشروع، ليس بعزيز على بلد وفر لشعبه كل أسباب الأمن والازدهار والاستقرار، بفضل إرادة سياسية صادقة من أعلى هرم في السلطة. فقد حرص الرئيس زين العابدين بن علي منذ توليه الحكم سنة 1987، على الإيفاء بكل الوعود والالتزامات التي تضمنها بيان السابع من نوفمبر الذي بشر فيه سيادته بعهد جديد مفرداته الجوهرية دولة القانون والمؤسسات وسيادة الشعب والمصالحة الوطنية واحترام الحريات الأساسية والديمقراطية والتعددية وترسيخ العدالة الاجتماعية والتضامن. ولما كان إنجاح هذه التجربة الديمقراطية الفريدة، رهين مشاركة فاعلة لكل التونسيين والتونسيات على اختلاف انتماءاتهم وحساسياتهم، بعيدا عن شتى أشكال الإقصاء والتهميش، راهن الرئيس بن علي منذ البشائر الأولى للتغيير، على تنظيمات المجتمع المدني حتى تكون الفضاء الذي يعبر فيه المواطن عن ذاته ويسهم في مزاولة الشأن العام وبالتالي في رفد مجهود التنمية بمختلف أبعادها. ولتحقيق هذه الأهداف تتالت القرارات والإجراءات بدفع من رئيس الجمهورية بغية تطوير النسيج الجمعياتي وتكثيف مجالات نشاطه، بما يعكس خصوصيات المجتمع التونسي وطموحات نخبه وتطلعات كفاءاته الشابة إلى المشاركة في صياغة تجربة ديمقراطية تعددية هي اليوم مبعث فخر واعتزاز شعب بأكمله. فقد استهدفت أولى الإصلاحات الجذرية التي تم إقرارها للغرض، الإطار القانوني المتعلق بإحداث الجمعيات فتم في 2 أوت 1992 إلغاء شرط الترخيص المسبق وتعويضه بنظام التصريح وذلك لفتح المجال واسعا أمام تكوين الجمعيات والمنظمات. ولعل أبلغ دليل على نجاح هذا الإجراء في بلوغ أهدافه ومراميه، تضاعف عدد الجمعيات في تونس أكثر من خمس مرات في ظرف عقدين من الزمن إذ تطور من 1976 جمعية في 1987 إلى ما يربو عن 10 آلاف جمعية حاليا تعمل في مختلف المجالات والاختصاصات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية والثقافية والرياضية. وتجسيما للمكانة التي يحظى بها العمل الجمعياتي وأنشطة مكونات المجتمع المدني في عهد التحول، أقر الرئيس زين العابدين بن علي منذ 1993 الاحتفال يوم 23 أفريل من كل سنة ب"اليوم الوطني للجمعيات"، تكريسا لإيمان سيادته بجهود العاملين في هذا المجال وإسهامهم في تنشيط الحياة العامة. وإلى جانب إحاطة نشاط الجمعيات والمنظمات بإطار تشريعي ملائم ومتطور، حرصت قيادة التغيير على تكثيف مشاركة النسيج الجمعياتي في رسم الخيارات الوطنية في المجالات المتصلة بنشاطاته وتمكينه من فرص دعم مادي ومالي يساعده في تطوير أساليب علمه والاضطلاع بمهامه على أكمل وجه. وقد تقرر للغرض إحداث صندوق المساهمة في تمويل مشاريع المنظمات غير الحكومية بهدف دعم المشاريع التنموية الجماعية التي أنجزتها الجمعيات في مناطق التدخل ذات الأولوية. إلى ذلك تم إحداث خلايا ضمن مكاتب العلاقات مع المواطن بالوزارات التي لها علاقة شراكة وتعاون وتفاعل مع الجمعيات لتمتين الصلة معها وتوفير التأطير الأفضل لبرامجها وتشريكها في مسيرة القطاع، فضلا عن تدعيم الجمعيات المسندة للقروض الصغيرة وذلك بتمكينها من منحة دعم. كما تقرر إحداث نظام القروض الصغرى وتكليف الجمعيات التنموية المؤهلة لذلك بإسنادها قصد المساعدة على الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للفئات ذات الدخل الضعيف وإحداث موارد الرزق وتحسين ظروف العيش مع إعفاء العمولات وفوائض القروض الصغيرة التي تسندها الجمعيات المرخص لها من معاليم التسجيل والطابع الجبائي. وفي إطار الحرص على مساعدة الجمعيات على القيام بمهامها، وتطوير أدائها تم إحداث مركز للبحوث والدراسات والتوثيق والإعلام +إفادة: يتولى تنظيم ندوات للتدريب والتكوين لفائدة منخرطي الجمعيات وأعوانها، وتسهيل استفادتها من شبكات المعلومات. ومن منطلق إيمانه الراسخ بأن المسار الديمقراطي في تونس والذي يتقدم بثبات، هو مسار لا رجعة فيه، ما انفك الرئيس زين العابدين بن علي يؤكد، في مناسبات عديدة، تمسكه بالاستشارة ومبدأ المشاركة رافدين من روافد الحكم. وقد أكد سيادته في خطابه يوم 11 أكتوبر 2009 بمناسبة افتتاح الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية، العمل على مزيد ترسيخ مقومات الديمقراطية المحلية، وتوسيع مجالات الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني. وجاء البرنامج الانتخابي للرئيس بن علي للخماسية 2009-2014 ليؤكد هذا التحول الهام والتاريخي الذي يشهده اليوم النسيج الجمعياتي في تونس إذ نص هذا البرنامج الرئاسي في محوره الأول على الارتقاء بعلاقة الدولة بالمجتمع المدني إلى مستوى الشراكة. وقد رأى عديد الملاحظين والمختصين في الشأن السياسي أن هذا التنصيص بصريح العبارة يعني الإقرار بدور جديد للمجتمع المدني في المستقبل وهو ما يشكل نقلة نوعية في المشهد السياسي للبلاد. وإن هذا المنظور الجديد للمجتمع المدني سيتيح إعطاء دفع جديد للحياة الجمعياتية في مجالات هامة مثل العمل التطوعي والإسهام في تنمية الحس المدني لدى المنخرطين وتنمية الوعي بالقيم الوطنية وتعزيز إشعاع تونس على المستوى الدولي. وحرصا على توفير أسباب تحقيق هذه النقلة، تضمن البرنامج الرئاسي إعطاء مضمون واضح لهذه الشراكة في ثلاثة مجالات أساسية هي /تكثيف عقود البرامج بين هياكل الدولة والجمعيات الناشطة في مختلف المجالات ذات المصلحة العامة/ و/مزيد تشريك النسيج الجمعياتي في مختلف الاستشارات على الصعيدين الوطني والجهوي/ و/تعزيز التعاون والتكامل بين الجماعات المحلية والمؤسسات التربوية والشبابية والثقافية والنسيج الجمعياتي/. ولئن كانت مؤسسات المجتمع المدني في تونس، مثلما أرادت لها القيادة السياسية أن تكون، مستقلة عن الدولة، فذلك يعني أنها تشكل قوة معاضدة لجهودها وتكمل أدوارها بأن أضحى المجتمع المدني شريكا لها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن كل أشكال الوصاية عليه. ولما كان النظام السياسي في بلادنا مرتكزا على الحكم الرشيد، محترما لمعاييره وآلياته، فقد فسح المجال واسعا للمشاركة أمام المجتمع المدني وهو ما يتجلى من خلال حرص الرئيس زين العابدين بن علي على تشريك مكوناته في مختلف الاستشارات الوطنية الواسعة بخصوص المواضيع الهامة على غرار التشغيل والتربية والتكوين المهني والصحة والتجارة والثقافة وتوجيه سيادته الدعوة إلى ممثلي المجتمع المدني لإبداء رأيهم في مثل هذه القضايا الوطنية البارزة. وقد ساعد النمو المطرد الذي يشهده النسيج الجمعياتي في تونس على المستوى الكمي، فضلا عن ارتفاع المستويات التعليمية والثقافية والاجتماعية للعاملين فيه، على توسع أنشطة الجمعيات والمنظمات وعلى تدخلاتها وتنوع برامجها وآلياتها بما أكسبها مزيدا من الحيوية والنجاعة والإشعاع على الصعيدين المحلي والخارجي. فتنظيمات المجتمع المدني في تونس أهدافها واحدة وهي إشاعة ثقافة الحرية والديمقراطية والتعددية ونشر الوعي بأهمية البذل والتطوع والمشاركة في كل ما يدعم مسيرة البلاد، فنجدها تنشط اليوم في قطاع الثقافة وتستثمر فيه، تجسيما للإرادة الصادقة التي تحدو رئيس الجمهورية في تأمين حرية التفكير والتعبير والمشاركة أمام الجميع. ويظل الحقل الاجتماعي الأكثر استقطابا للجمعيات، إذ انخرطت العديد منها ولاسيما ذات الصبغة التنموية، في السياسة الوطنية لتشغيل الشباب والإحاطة بذوي الاحتياجات الخصوصية ويصعب في هذا السياق تجاهل الجهود السخية التي تقوم بها جمعية "بسمة" للنهوض بتشغيل المعوقين التي ترأسها السيدة ليلى بن علي حرم رئيس الدولة في سبيل تمكين هذه الشريحة. كما تعزز بدفع من الرئيس بن علي، تفتح النسيج الجمعياتي أكثر على المرأة والشباب وقد كان سيادته دعا في كلمته بمناسبة اليوم الوطني للجمعيات يوم 23 أفريل 2009، مختلف الجمعيات والمنظمات إلى أن يكون حوارها مع الشباب "حوارا شاملا ودائما يتناول كل القضايا التي تهتم وتهم وطنهم وعالمهم". كما دعاها بالمناسبة ذاتها إلى توثيق علاقاتها بنظيراتها من الجمعيات والمنظمات والمؤسسات القارية والإقليمية والأممية المهتمة بالشباب. وإنه لمن نافلة القول إن مثل هذه الدعوة الرئاسية السامية لقيت تجاوبا كبيرا من قبل تنظيمات المجتمع المدني، لاسيما وأن العالم بأسره يعيش هذا العام، على إيقاع مبادرة تونسية صميمة تقدم بها سيادة الرئيس وتتعلق بإعلان 2010 سنة دولية للشباب. ولا شك في أن تكامل مجهودات مكونات المجتمع المدني مع جهود الدولة، مثلما أكد ذلك رئيس الدولة في أفريل 2009، كفيل بإعطاء الوحدة الوطنية هيبتها وتقوية تماسكها وضمان ديمومتها.