تونس 23 فيفرى 2011 (وات) - بعد سنوات طويلة من الغياب عادت مختلف الاذاعات و القنوات التلفزية المحلية الى بث مختارات مما يعرف بالاغنية الملتزمة أو البديلة وهي تركز في المقام الاول على مدلولية وتأثير الكلمة التى تعبر عن مضامين ورسالة تهدف الى الكشف عن شواغل وقضايا اجتماعية وسياسية وهو ما جعلها ذات بعد نضالي يتجاوز التعريف المتداول للاغنية الذى يحصرها في الترفيه والامتاع. وقد ارتبط تطور هذه الاغنية وانتشارها في بلادنا لاسيما في عصرها الذهبي خلال الثلث الاخير من القرن الماضي بالحركة الطلابية والعمالية التي قدمت للجمهور العريض العديد من رموز هذا الفن على غرار الشيخ امام ورفيق دربه الشاعر الساخر أحمد فؤاد نجم ومارسال خليفة صاحب فرقة الميادين ومجموعة العاشقين الفلسطينية. كما عرفت نفس الفترة بروز نخبة من الفنانين الملتزمين التونسيين ومنهم العجيمي والزين الصافي وعادل بوعلاق والهادى قلة ومحمد بحر وارتبطت أيضا بظهور فرق موسيقية تروج لهذه الاغنية البديلة لعل ابرزها البحث الموسيقي و الحمائم البيض و عشاق الوطن . وقد كانت هذه المجموعات في غالبيتها في علاقة بتيارات فكرية وسياسية ذات توجهات مختلفة منها اليسارية والقومية والاسلامية وهو ما يكشف عن توظيف واع للفن في التنافس السياسي . ويفسر تراجع بل إقصاء هذه الاغنية من المشهد الثقافي التونسي في العهد البائد بغياب حياة سياسية تقوم على تنافس البرامج والافكار بين تيارات وأحزاب متنوعة اضافة الى تدجين الحياة الطلابية التي فرضت عليها مراقبة بوليسية شديدة كان لها وقعها السلبي على النشاط السياسي والثقافي في البلاد فلقد مثلت الجامعة ولسنوات طويلة المزود الاول للاحزاب والمنظمات والجمعيات بالمناضلين وكان لانكماشها وتراجعها وقعه على الحقل الثقافي والسياسي العام في البلاد . وقد ظهر في تونس خلال السنوات الاخيرة ميل لدى الشباب الى توظيف أغاني الراب للتعبير عن رفضهم للواقع الاجتماعي والسياسي وهو شكل موسيقي مختلف عما كان يعرف بالاغنية الملتزمة التى لم تهمل الجانب الفني وبالتحديد اللحن والجمل الموسيقية الى جانب الكلمة الهادفة والمعبرة والايقاع الهادئ أحيانا والحماسي أحيانا أخرى بهدف مخاطبة الروح قبل الجسد . وينتظر أن تشهد المرحلة القادمة عودة قوية للأغنية الملتزمة فقد أثبتت الاحداث أنها ما تزال قادرة على الصمود ولعب دورها الثقافي والفني وكذلك السياسي خاصة اذا ترافقت الكلمة المعبرة باللحن الجميل الذى يرتقي بالذائقة الفنية و لا يجعل منها مجرد شعارات .