تونس 2 نوفمبر 2009 (وات) تعتبر المكتبة الوطنية التونسية بمقرها الجديد بالعاصمة من ابرز المكاسب الثقافية التي تحققت خلال السنوات الأخيرة كما أنها تعد من أحدث المكتبات في العالم العربي من ناحية التقنيات التوثيقية والمناولة والاعتماد على المواصفات والمقاييس العالمية في المجال. وتضم هذه المكتبة رصيدا هاما ومتنوعا من الوثائق القديمة والنادرة سواء منها المخطوطة او المطبوعة وبانتقالها الى مقرها الجديد تم الحرص على ان تكون هذه النقلة نوعية على جميع المستويات المادية منها والعلمية. وقد تطلبت عملية النقلة معرفة جيدة بخصوصيات مجموعات المكتبة ودراية معمقة باوضاعها مما ساهم في دعم وارساء تقنيات علمية حديثة بمختلف الاقسام التقنية قصد معالجة الوثائق وحفظها بطرق علمية مدروسة. وتسعى المكتبة الوطنية الى تحقيق الجودة والامتياز في اساليب عملها وتقنيات حفظها وذلك من خلال رسم استراتيجيات عمل تعتمد على تقنيات التصرف العصرية وتغطي المستويات العلمية والثقافية. فقد تمت عملية النقلة وفق جملة من المقاييس والمعايير التقنية العالمية الهادفة للحفاظ على التراث الوطني شملت في مرحلة اولي رصيد المخطوطات الذى خضع لعمليات التنظيف اليدوى بازالة ما علق به من غبار بواسطة الات شافطة. وفي مرحلة ثانية وقع تعقيم المجموعات واجراء التحاليل اللازمة للوقوف علي طبيعة اصاباتها وذلك بالتنسيق مع معاهد التعليم العالى المختصة على غرار المعهد الوطني للبحوث الفلاحية ومعهد بحوث الفيزياء وباعتماد طرق علمية حديثة ومتطورة ميزتها احترام البيئة من خلال عدم استعمال المواد الكيمائية المضرة بالوثائق. كما تم ايلاء عناية خاصة بالوثائق التي تستوجب الترميم والتجليد قبل ان تودع بالمخازن الجديدة نظرا لقدم المجموعات التي تزخر بها المكتبة وعراقتها. اما علي المستوى العلمي والتقني فقد حرصت ادارة المكتبة الوطنية علي تركيز استراتيجيات عمل جديدة تتمثل في /استراتيجيات الشبكة المعلوماتية والبوابة التوثيقية/ واسترتيجية حفظ الوثائق/ وذلك وفقا للمعايير العالمية لادارة المكتبات والتصرف فيها. ومن هذا المنطلق ركزت المكتبة الوطنية عند استقرارها بالمبني الجديد سنة 2005 والذى تزامن مع احتضان تونس للقمة العالمية لمجتمع المعلومات منظومة معلوماتية مقننة علميا بغية الحفاظ على ارصدتها وتقديم خدمات عن بعد للمستفيدين. وتطلب ذلك تخزين معلومات الفهارس اليدوية القديمة اضافة الي تصميم بوابة المكتبة وموقعها مما مكنها من وضع رصيدها التوثيقي على الانترنات عبر الفهرس البيبليوغرافي الالكتروني الرامي الى التعريف بالوثائق والابحاث المتوفرة بالمكتبة والموضوعة علي ذمة القراء والباحثين علي الصعيدين المحلي والعالمي. وفي ما يتعلق باستراتيجية حفظ الوثائق تم تركيز مخبر لمعالجة افات الكتاب من مهامه مراقبة ظروف حفظ الوثائق داخل المخازن سواء كانت الموجودة سلفا او تلك التي ترد عن طريق الاقتناء او الهبة او التبادل لعزل المصاب منها عن السليم في مخزن خصص للغرض. وتم ايضا اعتماد نظام لتعقيم الوثائق يتمثل في شفط الاوكسجين وهي طريقة ايكولوجية بدون اثار جانبية على ولا تشكل اى خطر على مستعمليها. وتزخر المكتبة الوطنية برصيد هائل من المخطوطات يصل الى 24 الف مجلد وحوالي 40 الف عنوان تغطي كل المعارف وشتى فروع الثقافة العربية والاسلامية على غرار الحديث والتفسير والفقه والادب والطب وعلم الفلك والموسيقى. اما اقدم مخطوط ضمن هذه المجموعة فهو تفسير يحيى بن سالم الذى يرجع تاريخ نسخه الى القرن الرابع للهجرة. وعلاوة على هذه المخطوطات تحتوى المكتبة على رصيد كبير من الكتب النادرة والقديمة منها بعض الكتب التي يرجع تاريخ نشرها الى بداية القرن السادس عشر ميلادى. وقد تم اثراء هذا الرصيد تدريجيا بفضل الشراءات والهدايا والتبادل ويناهز اليوم المليون مجلد. وبالاضافة الى اللغتين العربية والفرنسية فان الرصيد العام يحتوى على عناوين باللغات الانقليزية والالمانية والايطالية وغيرها. اما رصيد الدوريات فيتركب من 16 الف مجموعة تشمل اساسا مجموعات الدوريات التونسية بداية من سنة 1860 تاريخ اصدار الرائد التونسي وهي الجريدة الرسمية التونسية الى اليوم ومجموعات الدوريات العربية والاجنبية بالاضافة الى عدد هام من الخرائط وتصاميم الامثلة والبطاقات البريدية والوثائق السمعية البصرية والالكترونية فضلا عن مصغرات فيلمية ووثائق مرقمنة. ويجد رواد المكتبة الوطنية بالاضافة الى كل هذه الخدمات نشاطا علميا وثقافيا مكثفا دابت هذه الموءسسة علي دعمه من خلال التعاون مع الموءسسات الجامعية الوطنية والدولية وذلك تفعيلا للدور الذى تضطلع به في الحقل الثقافي والعلمي وللتعريف باهمية ارصدتها. وفي هذا الاطار نظمت ملتقيات مهنية في ميدان المكتبات والتوثيق من ذلك الاجتماع المهني العالمي لمديرى المراكز الوطنية للترقيم الدولي الموحد في دورته الثالثة والثلاثين بالاضافة الى معارض متنوعة المحتوى ابرزها المعرض الذى اقيم بمناسبة الذكرى المائوية السادسة لوفاة العلامة عبد الرحمان بن خلدون واربعينية الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش ومعرض الموروث الثقافي لمدينة نيويورك. ومن جهة اخرى تواصل المكتبة سعيها لربط علاقات تعاون مع العديد من الموءسسات المماثلة والمراكز العلمية الوطنية لمزيد تنويع انشطتها العلمية والثقافية. وبالرجوع الى تاريخ هذه المكتبة العريقة يتبين انها كانت تسمى ابان تاسيسها سنة 1885 بالمكتبة الفرنسية لتعرف ايضا بالمكتبة الشعبية فدار الكتب الوطنية وتمت تسميتها اثر تدشين مقرها الجديد من قبل رئيس الدولة سنة 2005 بالمكتبة الوطنية التونسية. ويتكون المقر الجديد الذى انجز باعتمادات تقدر ب28 مليون دينار من ثلاث مباني متكاملة ياوى الاول الفضاءات المخصصة للعموم والثاني الادارة والمصالح الفنية والثالث مخازن حفظ الوثائق من بينها مخزن خاص يحتوى على مجموعة من الوثائق المريضة سيتم تعقيمها تدريجيا. وتوزع القاعات في مختلف هذه الطوابق حيث تقع قاعة المطالعة العامة في الطابق الثاني وتقدر طاقة استيعابها ب220 مكانا وهي مفتوحة اساسا للاطلاع على الكتب المتاحة على رفوف القاعة اضافة الى الوثائق المحفوظة في المخازن وتحتل قاعة المخطوطات الطابق الارضي وتشتمل على 144 مقعدا وهي مخصصة للباحثين في المخطوطات. وستتدعم هذه القاعات بقاعة بحث ب220 مقعدا وهي تهم الباحثين في الارصدة الخاصة على غرار الوثائق الالكترونية والدوريات والخرائط والامثلة. وفي ما يتصل بفضاءات التنشيط تم تخصيص قاعتين لعقد اللقاءات والندوات والاجتماعات تسع الاولى 250 مكانا والثانية 150 مكانا بينما يحتضن الطابق السفلي ورشات التسفير والترميم والتصوير المصغر ومخابر الرقمنة ومخبر معالجة افات الكتاب.