تونس 6 نوفمبر 2009 (وات/ تحرير لطفي العرفاوى) - في كنف اعتزاز وطني كبير بحصيلة البلاد الثرية من المنجزات على درب التنمية والتحديث وفي سياق تفاول وطني واسع بالمستقبل... يحتفل الشعب التونسي يوم السبت بالذكرى 22 لتغيير السابع من نوفمبر تحدوه ارادة راسخة في أن يمضي في مسيرته بثبات وتصميم على طريق رفع التحديات وصياغة صفحات جديدة مضيئة على درب التقدم ومراكمة المزيد من مقومات الانخراط الحقيقي الفاعل في مكاسب العصر وافاقه الرحبة. ومما يدعم ذاك الاعتزاز وذاك التفاؤل حصيلة المنجز الماثل في كل القطاعات على طريق تثبيت أسس مجتمع العدل والتوازن... وكذا ما يزدحم به الراهن الوطني من أحداث بارزة تؤشر لنقلات نوعية وتحولات هيكلية فكرية وسياسية ومجتمعية لعل أعمقها دلالة وأبعدها مغزى ما ميز حدث الانتخابات الرئاسية والتشريعية ليوم 25 أكتوبر الماضي من شفافية وتنافسية برهنا على مدى نضج التجربة الديمقراطية التعددية الوطنية ثمرة مد اصلاحي مثابر استهدف تكريس مبدأ سيادة الشعب وتأمين أسباب ممارسة التونسيين لحقهم في الاختيار الحر. ففي باب تطوير المشهد السياسي كما على صعيد مقارعة تحديات التنمية الاقتصادية ورهانات التحديث المجتمعي انتهجت تونس منذ تحول السابع من نوفمبر 1987 منهجية للاصلاح والتغيير والتطوير منبثقة عن تربة الوطن وتطلعات الشعب.. منهجية قوامها خيارات جوهرية وثوابت مركزية عناوينها البارزة الوسطية و الاعتدال و الوفاق و التوازن و التضامن . ويدرك المتابع لتجربة البلاد الاصلاحية والتنموية في عهد التغيير أن مركزية تلك المفاهيم/الخيارات ليست وليدة ترف فكرى أو اتباعا ل موضة ايديولوجية بقدر ما كانت انبثاقا عن واقع مجتمعي واحتياجات موضوعية لشعب في طور النمو علمته تجارب الامم عبر المعمورة أنه لا يقدر على الانغماس في سعير الايديولوجيات الدغمائية منشأ ومنهجا المكبلة للحريات حقيقة وواقعا والتي لم يغنم منها الكثيرون سوى الاحلام والشعارات كما أنه لا يقدر أن يسلم نفسه لتحررية اقتصادية مطلقة وليبرالية متوحشة يحكمها فقط منطق السوق والربح دونما كبير كلف بمن تطحنهم ماكينة التنافس وتطيح بهم في غياهب الاقصاء والتهميش. وعلى محك الواقع وفي ساحة الفعل الاصلاحي أولى رئيس الدولة مكانة أثيرة لخيارات وتوجهات كبرى من أبرز عناوينها ترسيخ حقوق الانسان في شمولية أبعادها وتكامل مكوناتها و بناء مجتمع العدل والتوازن والتضامن و اشاعة ثقافة الحوار والوسطية والاعتدال وعمل بمثابرة وتصميم على تجسيد هذه الخيارات والتوجهات في تفاصيل الواقع التونسي... سياسة واقتصادا واجتماعا... كل ذلك في كنف رهان دائم واستثمار متواصل في العنصر البشرى أداة للتنمية ومقصدا أسمى لها. وقد كان لهذا المنهج الاصلاحي ذى الهوية التونسية الصميمة الاثر الجليل في اكساب تجربة تونس الاصلاحية أوجه فرادة ومقومات ريادة كما كان له الاسهام الوفير في بناء نموذج مجتمعي وتنموى توفرت في اطاره وبفضله لاوسع الشرائح والفئات أسباب الكفاية والرعاية وفتحت أمامها أبواب المشاركة في الشأن العام في كنف تمسك جماعي بثابتي التضامن و الوفاق منهجا لتوزيع ثمرات النمو وسبيلا لمقارعة تحديات الحاضر ورهانات المستقبل. وبفضل تلك المنهجية التي توخاها الرئيس زين العابدين بن علي وثابر عليها يلحظ المتابع لحصاد تونس الاصلاحي ما يطبع ساحة البلاد اليوم وهي تطوى 22 سنة من التغيير والاصلاح من تقدم حقيقي على طريق توطين الخيار الديمقراطي التعددى وتعزيز أسس السلم الاجتماعية ودعائم الوفاق بين مكونات المشهد السياسي والمدني من ناحية وما يميزها من ناحية أخرى من تقدم فعلي على طريق ارساء بنية انتاجية حديثة وبناء اقتصاد تنافسي منفتح على الفضاء المعولم. فتونس التي تعد اليوم 9 أحزاب تعبر عن كل الوان الطيف السياسي والايديولوجي وتنشط في رحابها أكثر من 9 الاف من تنظيمات المجتمع المدني والتي تعززت فيها مكانة مؤسسات النظام الجمهورى هي كذلك البلد الذى راهن اقتصاديا على تحرير المبادرة وتكريس منطق الجودة والجدوى مقياسا لاداء المؤسسات الاقتصادية وعمل على جعل الادارة أداة في خدمة المواطن والمؤسسة وأحاط تحرير السوق بصمامات من اليات المراقبة والتعديل والتحكيم... وهي أيضا وكذلك البلد الذى ارتقى بقيمة التضامن الى مرتبة الدستور ومكنت سياساته من النزول بنسبة الفقر الى 8ر3 بالمائة من مجموع السكان ومن توسيع قاعدة الطبقة الوسطى /محرك التنمية في كل بلد/ لتشمل أكثر من 80 بالمائة من السكان وهي النسبة الاعلى في المنطقة العربية والبلد الذى يخصص ثلث ميزانيته لقطاعات التربية والتعليم والتكوين و54 بالمائة من دخله السنوى للانفاق على القطاعات ذات البعد الاجتماعي /الصحة والتعليم والتشغيل والتأمينات الاجتماعية/. تلك الارقام والمؤشرات والتصنيفات لها في ذاتها كثير من الحظوة و السطوة لدى عموم التونسيين ولدى ناشطي الفضاء السياسي وأيضا وبالخصوص لدى فاعلي المجتمع المدني عامة وبالدرجة الاولى لدى المنظمات المهنية والقطاعية التي تضم تحت لوائها مئات الالاف من العمال وأصحاب العمل في عشرات القطاعات ومن أهل العلم والثقافة اضافة الى شريحتي المرأة والشباب.. فهذه الهياكل بتعدد مجالات اهتمامها وتنوع مشاغل وتطلعات منتسبيها واستفادتها المباشرة من ثمار النمو والاستقرار تدرك عن روية ودراية أن ما تحقق للتونسيين من مقومات رفاه وعيش لائق كريم وما شهدته البلاد من نقلات هيكلية وتحولات نوعية لم يكن هبة من السماء بل هو ثمرة عرق وجهد وبذل المواطن وهو أيضا كذلك ثمرة قيادة متبصرة أحكمت ادارة مقدرات البلاد وامكاناتها. فمكاسب تونس الاصلاحية ومنجزاتها التنموية التي ضافرت بين فضائل ثلاث هي تحرير الفضاء العام وتحرير الاقتصاد وتحرير الفرد/المواطن من أسر الحاجة لم تكن قطعا ضربة حظ صادفت بلدا أنعمت عليه الطبيعة ب شحها ... ولا صدفة صنعتها مجازفات وافقها حسن الطالع ... ولم تكن كذلك قطعا ثمرة تمترس النخبة في قلاع ايديولوجيات الخلاص يسارا ويمينا وارتكانها ل يقينيات الدغمائية المزهوة بذاتها... بل انها كانت يقينا وشواهد التجربة الوطنية ومؤشراتها موثقة مدققة ماثلة للعيان ثمرة قراءة لم تتعسف على واقع تونس وانتظارات التونسيين ونتاج مقاربة نأت عن الشطط في هذا الاتجاه أو ذاك واثرت التمسك بمنطق الاعتدال والوسطية الذى يحد من محاذير الحيف والاختلال ويؤمن تساوى الحظوظ بين الناس ويضفي على نسيج الاقتصاد ونسيج المجتمع مقومات التناغم والتناسق الضرورية. لاجل ذلك تشد التجربة الوطنية في ظل قيادة الرئيس زين العابدين بن علي اهتمام الملاحظين والمتابعين وتلفتهم لخصوصية المنهج الذى سلكته تونس ولنجاعة النهج الذى توخته... تشد اهتمامهم وتلفتهم لانه من العسير حتى بالنسبة الى بلدان أنعمت عليها الطبيعة بريعها المجزى أن تنحو مسارا اصلاحيا تصاعديا دونما هزات سياسية واجتماعية أو انزلاقات اقتصادية. فتونس لم تحل محدودية مواردها الطبيعة دون أن تسجل النسبة الاعلى عربيا وقاريا في مجال التنمية البشرية /تقرير البرنامج الاممي للتنمية/ وأن تحوز المركز الاول على مستوى المنطقة العربية في مجال جودة الحياة /تقرير منظمة انترنشيونال ليفيغ الدولية/ أو أن تكون البلد الاكثر أمانا على مستوى القارة الافريقية /تقرير موسسة غلوبال بيس أندكس / والمرتبة الاولى في افريقيا على صعيد التنافسية الجملية للاقتصاد /تقرير دافوس 2009 /2010. ولعله من باب الانصاف القول بأن هذه النتائج التي تمثل بعضا من منجز البلاد السياسي والاقتصادى والاجتماعي كانت كذلك وبدرجة كبيرة ثمرة المناخ الوفاقي وأجواء الحوار والسلم الاجتماعية التي أسست لها وعززتها خيارات تغيير السابع من نوفمبر. ومن الانصاف أيضا التنويه الى أن الاجماع الوطني المتجدد حول الرئيس زين العابدين بن علي مثلما برز ذلك جليا في انتخابات 25 أكتوبر الماضي يعتبر حقيقة وواقعا رجع الصدى والنتاج الطبيعي لحصيلة قيادته للبلاد على مدى 22 عاما والتي أثمرت منجزات ثمينة على أصعدة ترسيخ الخيار الديمقراطي التعددى وبناء اقتصاد تنافسي وتكريس مبدأ عدالة التنمية بين مختلف الفئات والجهات فضلا عن المنجز الاعتبارى الحيوى الذى تحقق منذ تغيير 1987 ومن أبرز أركانه ترسيخ ثقافة التعدد والتسامح والتضامن التي تمثل في ذات الان عنصر اغناء لمفردات التجربة الاصلاحية الوطنية بأوجهها الفكرية والسياسية والمجتمعية وسندا حقيقيا قويا لاستدامة مكسب السلم الاجتماعية. وتبرز هنا نقطة فارقة رجحت لدى معظم مكونات المشهد الحزبي والمدني ولدى مجمل الفئات والشرائح المهنية ولدى سائر القوى الحية من مثقفين ومبدعين وجامعيين واعلاميين الانتصار لبن علي خيارا للحاضر والمستقبل .. مدارها الوفاق والاجماع حول تثمين رصيد المنجز الاصلاحي السياسي والتنموى والاجتماعي للرئيس زين العابدين بن علي طيلة فترة حكمه والتفاؤل والثقة في أن تكون الخماسية 2009/2014 ثرية بالمزيد من هذا المنجز تحت قيادته التي ترى هذه الاحزاب والمنظمات والتنظيمات أنها أثبتت في معترك الفعل وفي ساعة المجابهة الحقيقية لاعباء ومسؤوليات وضع الخيارات الحيوية واتخاذ القرارات المصيرية أنها كانت على قدر عال من الكفاءة والجرأة والاستشراف وعلى قدر وفير من التفاعل الصادق المتواصل مع تطلعات الناس وامالهم وانتظاراتهم في معيشهم الذاتي وأيضا في طموحهم الى أن يكتسب وطنهم المزيد من أسباب الاستقرار والتقدم والمناعة.