تونس 25 نوفمبر 2009 (وات) - اشرف السيد محمد الغنوشي الوزير الأول يوم الاربعاء بتونس على اجتماع المجلس الأعلى للتنمية بحضور ممثلي الاحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والمجالس الجهوية وعدد من الكفاءات والإطارات. وخصص الاجتماع لتقييم حصيلة السنوات الثلاث الاولى من تنفيذ المخطط الحادى عشر للتنمية ليتم على اساس هذا التقييم بلورة السياسات والبرامج الرامية الى تحقيق اهداف الخماسية القادمة 2010/2014 فى اطار المخطط المتحرك الذى يمثل حلقة وصل بين المخطط التنموى الحالي والمخطط التنموى القادم والذى يتزامن مع فترة تنفيذ البرنامج الرئاسي الجديد. وابرز السيد محمد الغنوشي فى مستهل الجلسة ان هذا المجلس يمثل اطارا لتعميق الحوار والتشاور بخصوص المسيرة التنموية بمختلف جوانبها وابعادها والوقوف على حصيلتها واستشراف افاقها ومزيد بلورة السبل والوسائل الكفيلة بتدعيم المكاسب المسجلة ورفع التحديات المطروحة. واضاف ان هذا المجلس يكرس بتركيبته المتنوعة مدى الحرص الموصول على فتح المجال لمختلف الاطراف الوطنية والقوى الحية للمساهمة الفاعلة في تدارس القضايا الاساسية والملفات الحيوية بما يعزز الوفاق حول الخيارات الكبرى ويدعم الارضية الملائمة لتحقيق الاهداف التنموية. توفق تونس في الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية بفضل التدابير الرئاسية وابرز الوزير الاول بخصوص حصيلة المسار التنموى ان السنوات الاولى من تنفيذ المخطط الحادى عشر الممتدة من 2007 الى 2009 اتسمت بفترتين لكل واحدة منهما خصوصيتها ملاحظا ان نتائج الفترة الاولى كانت مطابقة للاهداف المرسومة ومتجاوزة التقديرات احيانا خاصة في مجالات النمو والاستثمار والمبادلات التجارية رغم دقة الظرف الاقتصادى العالمي وما شهده من تقلبات وخاصة منها الارتفاع الحاد لاسعار المحروقات والمواد الاساسية في الاسواق العالمية. وبين ان الفترة الثانية والتي بدات منذ النصف الثاني لسنة 2008 وامتدت الى سنة 2009 اتسمت باستفحال الازمة المالية والاقتصادية العالمية التي القت بتداعياتها على كافة البلدان دون استثناء. واوضح ان تونس توفقت الى الحد من تداعيات هذه الازمة بفضل التدابير التي اذن بها رئيس الجمهورية منذ ظهور المؤشرات الاولى للازمة في اطار برنامج متكامل يشتمل على اجراءات ظرفية تهدف الى تعزيز قدرة المؤسسات وخاصة منها المصدرة على تقليص اثار الازمة على نشاطها واجراءات هيكلية ترمي الى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني ومواجهة تسارع التطورات العالمية. واضاف ان الاجراءات الظرفية تتعلق خاصة بمعاضدة المؤسسات التونسية التي تشهد نقصا في صادراتها بسبب الازمة العالمية ومساعدتها على مواصلة عملها والحفاظ على مواطن الشغل بها خاصة من خلال تكفل الدولة بجزء من الاعباء الاجتماعية والمالية التي تتحملها المؤسسة التي تلجا الى التخفيض في ساعات العمل او الى احالة عمالها على البطالة الفنية كما تتعلق بتامين الصادرات وقروض اعادة الجدولة والتقليص في نسبة مخاطر الصرف. اما الاجراءات ذات الطابع الهيكلي فقد شملت بالخصوص الترفيع في اعتمادات التنمية ضمن ميزانية الدولة لسنة 2009 وتحسين اجراءات التجارة الخارجية وتبسيطها والتشجيع على الاقبال على المهن الواعدة والمجددة وتحسين محيط الاعمال وتنمية الموارد البشرية واكسابها المزيد من النجاعة والفاعلية والعمل على مزيد ملاءمة التكوين مع حاجيات الاقتصاد. واكد السيد محمد الغنوشي ان المد الاصلاحي تواصل بكل عزم وثبات في نطاق الخيارات التى ارساها رئيس الدولة والتي ترتكز على دعم نجاعة الاقتصاد وتعزيز تفتحه على الخارج واندراجه في محيطه الاقليمي والدولي مع الحفاظ على التوازنات المالية. واستعرض الوزير الاول فى هذا السياق الاصلاحات الهامة التى شهدتها الفترة الاخيرة من ذلك اقرار قانون جديد لحفز المبادرة الاقتصادية واصدار قانون يتصل بنظام اللزمات ومراجعة مجلة التامين والقيام بمراجعة جذرية لمجلة الديوانة اضافة الى استحثاث نسق الاصلاح الادارى لتقريب الخدمات من المواطن والمؤسسة وتسريع وتيرة اصلاح القطاع المصرفي وتحسين قاعدته المالية وتعزيز مقومات النجاعة والشفافية. وتم كذلك فى اطار تثمين الموارد البشرية مواصلة اصلاح منظومة التربية والتكوين والتعليم العالي من خلال سن قانون جديد يتعلق بالتكوين المهني فى اتجاه جعله مسلكا للنجاح واصدار تشريع جديد للتعليم العالي يدعم جودة هذا القطاع ويقر تعديلا في نظام الشهائد لتيسير تنظيرها مع الشهائد التي تمنحها جامعات البلدان المتقدمة بالتوازى مع التركيز على الاختصاصات الواعدة. وبين ان هذا المد الاصلاحي اقترن بمواصلة الجهود المبذولة في مجال تطوير البنية الاساسية من طرقات ومواني وسكك حديدية ومناطق لوجستية وشبكات اتصال. واوضح ان برنامج تاهيل وحدات الانتاج تواصل طبقا للاهداف المرسومة اذ بلغ عدد المؤسسات في الصناعة المعملية والخدمات التي تمت المصادقة على برامج تاهيلها ما يناهز 3045 مؤسسة اضافة الى مواصلة برنامج التحديث الصناعي خاصة من خلال حصول 1300 مؤسسة على شهادة مطابقة للمواصفات العالمية الى جانب التقدم في برنامج تحديث السياحة والفلاحة. كما تم الشروع في تنفيذ برنامج تهيئة جيل جديد من المناطق والفضاءات الصناعية والتكنولوجية وفق احدث المقاييس لضمان قدرتهاالتنافسية وتعزيز استقطاب المستثمرين. الاقتصاد الوطني يحقق نسبة نمو ب3 بالمائة خلال السنة الجارية وبين السيد محمد الغنوشي فى ذات السياق ان استراتيجيات النهوض بالقطاعات المنتجة شهدت دفعا هاما بهدف تحسين نجاعتها ومردودها والحد من تاثير التقلبات على الساحة العالمية على غرار الزراعات الكبرى والنسيج والملابس وتكنولوجيات الاتصال والمعلومات والطاقات المتجددة. واضاف ان التنمية الجهوية شهدت من ناحيتها خلال الفترة 2007/2009 دفعا هاما بفضل المشاريع التي تم انجازها في مجالات تعصير شبكة الطرقات وتوسيعها وتهيئة مناطق صناعية وتعميم مراكز الاعمال ذات المصلحة العمومية على كافة الولايات بما كان له افضل الاثر على حركية الاستثمار في الولايات الداخلية. ولاحظ ان الصعوبات الخارجية وتداعيات الازمة المالية والاقتصادية لم تثن الدولة عن مواصلة تكريس البعد الاجتماعي للسياسة التنموية وهو ما تجلى بالخصوص من خلال تنفيذ البرنامج الثلاثي للزيادة في الاجور للفترة 2008/2010 ودعم اسعار المواد الاساسية وتعزيز الاحاطة بمحدودى الدخل واصحاب الاحتياجات الخصوصية لتبلغ بذلك التحويلات الاجتماعية 19 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. وبالتوازى مع ذلك تكثفت الجهود لكسب رهان التشغيل خاصة لفائدة حاملي الشهادات العليا من خلال اعادة هيكلة السياسة النشيطة للتشغيل علاوة على اقرار جملة من الاجراءات بهدف تعزيز منظومة النهوض بالعمل المستقل واحداث المؤسسات خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية وذات الكثافة التشغيلية المرتفعة. وبين انه تم بفضل هذه السياسات والبرامج اكساب الاقتصاد الوطني مزيد القدرة على مجابهة التغيرات والتصدى للهزات وهو ما يبرز بالخصوص من خلال تحقيق نسبة نمو ب3 بالمائة خلال السنة الجارية مقابل تقلص للناتج الاجمالي العالمي بنسبة 1ر1 بالمائة وتحقيق معدل نمو للناتج المحلي الاجمالي ب7ر4 بالمائة بالاسعار القارة خلال الثلاث سنوات الاولى من تنفيذ المخطط الحادى عشر وهو ما يعكس الحركية التي شهدتها مختلف القطاعات والانشطة بفضل مجمل الجهود الرامية الى تنويع مصادر النمو وتطوير هيكلة الناتج في اتجاه تكريس التوجه الرامي الى ارساء مقومات اقتصاد المعرفة. وافاد انه تم كذلك احداث حوالي 217 الف موطن شغل جديد خلال الثلاث سنوات الاولى من تنفيذ المخطط اى ما يعادل 7ر52 بالمائة من مواطن الشغل المقدرة لفترة المخطط اضافة الى حصر العجز الجارى لميزان المدفوعات في حدود معدل 3ر3 بالمائة من الناتج بالنسبة للسنوات الثلاث الاولى من تنفيذ المخطط وتعبئة الموارد الخارجية الضرورية مع تفادى اللجوء الى السوق المالية العالمية خلال سنتي 2008 و2009 اللتين اتسمتا بتقلب الاسواق المالية العالمية وتراجع السيولة واشتداد شروط الاقتراض بها الى جانب تحسين مؤشرات المديونية الخارجية التي تقلصت نسبتها الى 3ر41 بالمائة من الناتج سنة 2009. واوضح السيد محمد الغنوشي ان ميزانية الدولة قد ساهمت في تحقيق هذه النتائج بفضل حصر عجز الميزانية في حدود 7ر2 بالمائة من الناتج اى نفس النسبة المقدرة بالمخطط بعنوان الفترة 2007/2009 واكد انه بفضل هذه المنهجية تعزز تموقع البلاد على الساحة العالمية وهو ما يتجلى بالخصوص من خلال مراتب تونس المشرفة ضمن تقييمات الهيئات العالمية المختصة في مجالات التنافسية الكلية والحكم الرشيد ومناخ الاعمال وتكنولوجيات المعلومات والاتصال والتنمية البشرية وغيرها. كما يتجلى من خلال نسق تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة التي بلغت 7865 م د اى بمعدل 3ر5 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي مقابل 4565 م د و1ر3 بالمائة مقدرة لنفس الفترة وذلك بالرغم من التاثيرات السلبية للازمة العالمية على حركة رؤوس الاموال واستقطاب الاستثمارات الخارجية على الصعيد العالمي. سنة 2010 محطة هامة في تجسيم مختلف مضامين البرنامج الرئاسي للخماسية القادمة وافاد الوزير الاول ان هيكلة الاستثمارات الجديدة تتميز بتركيزها على القطاعات الواعدة والانشطة المجددة ذات القيمة التكنولوجية المضافة العالية والمحتوى المعرفي الرفيع على غرار الصناعات الالكترونية ومكونات السيارات والطائرات وتكنولوجيات المعلومات والاتصال وباستقطاب مؤسسات ذات صيت عالمي. واضاف ان تونس تقبل انطلاقا من هذه الاستنتاجات على مرحلة جديدة وكلها عزم على كسب الرهانات ورفع التحديات مرجعها في ذلك البرنامج المستقبلي لرئيس الجمهورية الذى شملت محاوره كافة المجالات وارست لبنات جديدة لتوطيد اركان المجتمع المتوازن والمتماسك وترسيخ دعائم الاقتصاد المتطور المواكب للتحولات واستحثاث نسق النمو والازدهار. وبين ان هذا البرنامج ارسى مقومات تدعيم بناء مجتمع الذكاء والمعرفة ودفع البحث العلمي والتجديد التكنولوجي ومزيد تثمين الموارد البشرية وتعبئة الطاقات لرفع تحدى التشغيل وادماج الشباب في الحياة المهنية وتامين كافة مستلزمات التنمية المستديمة وجودة الحياة في المدن والقرى والارياف على حد سواء. ولاحظ ان سنة 2010 ستمثل محطة هامة من خلال الشروع في تجسيم مختلف مضامين هذا البرنامج الطموح الذى يجمع بين الاعتناء بالحاضر والاعداد للمستقبل. وبين ان الميزان الاقتصادى لسنة 2010 اعتمد منوالا يتسم ببداية استرجاع نسق النمو واحداثات مواطن الشغل من خلال تحقيق نسبة نمو ب4 بالمائة واحداث 70 الف موطن شغل ويتميز بدعم هيكلة الاقتصاد في اتجاه تعزيز الانشطة ذات المحتوى المعرفي والكثافة التشغيلية خاصة لفائدة خريجي التعليم العالي. كما يستند الى تدعيم مقومات التنمية الجهوية على اساس نظرة متكاملة تجمع بين النهوض بالبنية الاساسية وتثمين الموارد البشرية وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار والانتاج في اطار توازنات مالية سليمة وفي نطاق مواصلة تكريس التلازم بين البعدين الاقتصادى والاجتماعي.