لا حديث منذ منتصف الأسبوع الماضي إلا عن مقتل الشابة رحمة لحمر، الحادثة التي خلفت لوعة كبيرة جدا في المجتمع التونسي لما فيها من بشاعة. وتباينت ردود الأفعال بين مطالب بإعدام القاتل وبين رافض تحت شعار "حقوق الإنسان".... لكن الجدال سرعان ما أصبح عقيما ويمتاز بتسجيل النقاط السياسية وخلق البوز ، أكثر من رد الإعتبار لضحية ولعائلتها. لئن كانت ردود فعل البعض تلقائية ومفهومة، إلا أن بعض المطالب تبدو مخيفة و رجعية مثل الإعدام في ساحة عامة وقطع العضو التناسلي ... أفعال تجاوزها الزمن وتجاوزتها الحضارة .. هذه المطالب، قابلتها ردود فعل أخرى إنتهازية '' تتشدق '' بحقوق الإنسان لتمييع القضية. فهناك من اعتبر أن القاتل أيضا ضحية للفقر و التهميش و استمات في الدفاع عن هذه الفكرة حتى أصبحنا نخشى أن يطالب بالتعويض للقاتل. في الحقيقة، أصل المشكل يكمن في عدم إدراكنا بأن القضاء والحكم بين الناس علم لا يجب أن يتناوله عامة الناس. تخيلوا أن عامة الناس يتحدثون في أمور علمية وطبية، تجد المقاهي والأسواق وصفحات التواصل الإجتماعي تناقش عمليات زرع الكبد و تقويم العظام و أمراض الكلى... تخيلوا الفوضى التي ستحدث عندما تتنقل هذه المواضيع من عيادات الأطباء إلى عامة الناس... ذلك هو الشأن بالنسبة للحقوق. فحتى إن كانت القضية، قضية رأي عام فما لنا إلا المطالبة بتحقيق الأمن حتى ينال الجاني جزاءه ولا تتكرر مثل هذه الجرائم. أما الدخول في التفاصيل، والتدخل في الحكم القضائي فذلك أشبه بالتدخل في عمل الطبيب الذي يعلم أشياء تخفى عنا ولنراها. ومثل ذلك مثل القصة التي تتداول في كليات الحقوق، والتي تبرز مفهوم اليقين في القانون: عندما كادت هيئة المحكمة أن تنطق بحكم الإعدام على قاتل زوجته والتي لم يتم العثور على جثتها رغم توافر كل الأدلة التي تدين الزوج.. وقف محامى ثم قال للقاضي: ليصدر حكماً بالإعدام على قاتل..لابد من أن تتوافر لهيئة المحكمة يقين لايقبل الشك بأن المتهم قد قتل الضحية.. والآن.. سيدخل من باب المحكمة.. دليل قوي على براءة موكلي وعلى أن زوجته حية ترزق!!.. وفتح باب المحكمة واتجهت أنظار كل من في القاعة إلى الباب.. وبعد لحظات من الصمت والترقب.. لم يدخل أحد من الباب.. وهنا قال المحامى..الكل كان ينتظر دخول القتيلة!! وهذا يؤكد أنه ليس لديكم قناعة مائة بالمائة بأن موكلي قتل زوجته!!! قد لا نأخذ موقفا مع أو ضد الإعدام كي لا نخطئ كما أخطأ غيرنا، لكن لا بد أن نشيد أن البشر بما أنه خطاء بطبعه لا يمكنه أن يحكم بالحياة أوبالموت على الناس إلا ما إذا توفرت وسائل تشريعية لا تدعو مجال للشك في ثبوت التهمة على المتهم. ثم أن حالة الغليان التي يعرفها الشارع التونسي الآن والتي بصدد التحول إلى هجمة جهوية على مدينة المتهم، فيما يحوّلها آخرون إلى صراع سياسي بين وجهين سياسين معروفين، يجب أن تتحول إلى مطلب شعبي لتحقيق الأمن كي تبذل الدولة قصارى جهودها لمكافحة الجريمة. لأنه وللأسف... يكاد المجرم الذي يهدد حياة الناس بسكين لا يجلب أنظار المجتمع ولا الأمن بقدر ما تجلبه قبلة بين حبيبين في الطريق العام.