سجن الصحفي محمد بوغلاب 6 اشهر مع النفاذ    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    زغوان: تطور في قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الخدمات في الثلاثي الاول للسنة الحالية    توزر: تأمين 22 رحلة من مطار توزر نفطة الدولي نحو البقاع المقدسة ذهابا وايابا منذ انطلاق موسم العمرة في ديسمبر 2023    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة(مرحلة التتويج-الجولة9): النتائج والترتيب    عبد المجيد جراد رئيسا جديدا للجامعة التونسية للكرة الطائرة    معاقبة النادي الصفاقسي باجراء مباراتين دون حضور الجمهور    حسام الدين الجبابلي: يجري التنسيق من أجل تسهيل العودة الطوعية للمهاجرين من دول جنوب الصحراء أو تقديم الدعم للراغبين في البقاء    خمسة عروض من تونس وبلجيكا وفرنسا في الدورة الثانية لتظاهرة المنستير تعزف الجاز    أطفال من بوعرادة بالشمال الغربي يوقعون إصدارين جماعيين لهم في معرض تونس الدولي للكتاب 2024    أريانة: الدورة الثانية لأيام المنيهلة المسرحية من 17 إلى 23 أفريل الجاري    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    نيبينزيا: على مجلس الأمن أن يدرس بشكل عاجل مسألة فرض عقوبات ضد الكيان الصهيوني    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    أخبار الترجي الرياضي...يان ساس جاهز وأندري بوكيا لغز كبير    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    أخبار المال والأعمال    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    بعد إلغاء 150 رحلة..عملية استقبال المسافرين في مطارات دبى ستبدأ غداً صباحا    بطولة شتوتغارت... أنس جابر تطيح بالروسية إيكاترينا    مكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة محاور لقاء وزير الداخلية بنظيره الايطالي    توننداكس يتجاوز حاجز 9 آلاف نقطة مع اغلاق تداولات الاربعاء    وزير الداخلية كمال الفقي يلتقي نظيره الايطالي    تونس: حجز 6 أطنان من السكر المعد للاحتكار في الحرايرية    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    عاجل/ هذا موعد تصويت مجلس الأمن على عضوية فلسطين بالامم المتحدة    لإنقاذ مزارع الحبوب: تزويد هذه الجهة بمياه الري    جورجيا ميلوني: "لايمكن لتونس أن تصبح دولة وصول للمهاجرين"    سليانة: إخماد حريق نشب في جبل برقو    ححز كوكايين وأقراص مخدّرة لدى 3 شبان يعمدون إلى ترويجها في الكاف    توقّيا من مخاطر الأنترنات على الأطفال: وزارة الطفولة تصدر قصّة رقميّة    التداول حول القانون الأساسي المتعلق بالتبادل الآلي للمعلومات المتعلقة بالحسابات المالية    صافي سعيد: هذا ما أعد به المساجين السياسيين إذا فُزت بالرئاسية    عاجل/ القبض على شخصين متورطين في طعن عون أمن بهذه الجهة    المركز العسكري لنقل الدّم يتحصّل على شهادة المطابقة للجودة    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    قتل مسنّ حرقا بمنزله: القبض على 6 أشخاص من بينهم قصّر    عاجل/ سفن حربية ومقاتلات.. هكذا تستعد إيران للهجوم الصهيوني المرتقب    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تضع حدا لسلسة نتائجها السلبية وتتاهل الى الدور ثمن النهائي    سعيد يدعو إلى اعتماد مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومحاربة شبكات المتاجرة بالبشر    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يفرض الويكلو على التحضيرات    وزيرة التربية: "البنية التحتية من أبرز أسس تطور قطاع التعليم"    صفاقس: حادث مرور يخلف 5 اصابات    محرز الغنوشي: الأمطار في طريقها إلينا    الحماية المدنية: 19 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني في تونس اليوم..    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    علامة ''هيرمس'' تعتذر لهيفاء وهبي    مباراة الترجي وصانداونز: تحديد عدد الجماهير وموعد انطلاق بيع التذاكر    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياة 123 محكوما بالإعدام.. تتأرجح بين القصاص والمؤبّد
ملف "الصباح الأسبوعي": من سفاح نابل إلى سفاح سوسة
نشر في الصباح يوم 18 - 03 - 2013

- تنفرد "الصباح الأسبوعي" في هذا العدد بمحاورة محكومين بالإعدام في السجن المدني بالمرناقية، من جملة 123 محكوما بالإعدام حسبما صرّح به رئيس الائتلاف الوطني لإلغاء عقوبة الإعدام بالإضافة إلى احتساب سفاح سوسة، الذي حكم عليه مؤخّرا بالإعدام،
ورغم مصادقة الدولة التونسية في 20 ديسمبر 2012 الفارط على قرار تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بتجميد تنفيذ هذه العقوبة السالبة للحياة.. فان هذه العقوبة مازالت تثير الجدل خاصّة وأن النقاش سينتقل في قادم الأيام إلى أروقة التأسيسي.. وقد يتخذ هذا الجدل طابعا إيديولوجيا باعتبار أن شقا كبيرا من الاسلاميين يتمسكون بالابقاء على هذه العقوبة لأن القصاص هو ركن من أركان الشريعة الإسلامية..
ولئن انتهى اليوم عهد المحاكمات السياسية المفضية للاعدام إلا أن هذه العقوبة ما تزال قائمة في حق بعض سجناء الحق العام.. وفي هذا الملف سنتعرّض إلى شهادات مثيرة بالاضافة إلى محاولة استعراض كل جوانب هذه العقوبة في تاريخ تونس ما بعد الاستقلال..

محمّد .. عون الأمن القاتل
"أرفض إلغاء عقوبة الإعدام وأطالب بتنفيذها"
عرفت 114 محكوما بالإعدام وأغلبهم غير أسوياء
حثالة المجتمع موجودة في السجن.. وأشمئز من مغتصبي الأطفال
قاتلو الوالدين.. الأكثر عرضة للانهيار النفسي
لولا السجن لكنت من أعتى المجرمين
"في سنة 1995 قمت بقتل أحدهم وسرقته.. كنت أمرّ بضائقة مالية ورأيت أن الحل هو السرقة.. وعندما وأتتني الفرصة لم أفوّتها.. فالشخص الذي أوقف سيارته ليوصلني في طريقه بعد أن أشرت له بيدي، قتلته في الطريق، لأني اعتقدت لحظتها "أنه لا يستحق الحياة".. وتحت تأثير السكر الواضح أطلقت عليه النار من السلاح الذي كنت أحمله بمقتضى عملي كرجل أمن".. بهذه الكلمات لخّص محمّد من نابل، جريمة القتل التي اقترفها منذ 18 سنة، عندما كان يبلغ من العمر 23 سنة، اليوم محمّد جاوز الأربعين، نصفها قضّاها خلف القضبان ينتظر تنفيذ حكم الإعدام الذي طالب به أثناء محاكمته تطبيقا لقصاص عادل، فإزهاقه لروح بشرية دون ذنب، أرّقه وعذبه نفسيا وجعله يتمنى الموت على أن يعيش تحت وزر هذه الفعلة الشنيعة.. محمّد الذي اضطرّ للسرقة، ليحصل على المال الكافي لإتمام زواجه، ما زال محتفظا بتماسكه النفسي والمعنوي، سنوات السجن الطويلة والعقوبة القاسية التي يقول إنه يستحقها لم تجعله ينهار.. التقينا محمّد في سجن المرناقية، ليروي لنا رحلة سجن غير عادية، كانت رهينة حبل المشنقة الذي ظل قريبا من رقبته وهو كباقي المحكومين بالإعدام قبل الثورة في عزلة تامة عن العالم الخارجي وحتى عالم الزنزانات الداخلي.. ففي عنابر الموت يحرم المحكومون بالإعدام من الاختلاط بباقي السجناء، ومن الزيارة ومن المراسلات، لكن بعد الثورة سقطت هذه "المحرّمات" كما وأن محمّد بعد مضي 15 سنة دون تنفيذ حكم الإعدام، يتحوّل الحكم تلقائيا إلى السجن المؤبّد..
في سنّ مبكرة حكم عليك بالإعدام.. كيف تقبّلت هذه العقوبة القاسية والتي تجعلك قاب قوسين أو أدنى من أن تسلبك المشنقة حياتك؟
أنا من طلبت الحكم بإعدامي.. فبعد أربع سنوات ونصف من الإيقاف راجعت نفسي وتعذبت بصحوة الضمير التي قد تكون أتت ربما متأخرة جدّا.. لكن ذلك لم يمنعني من الشعور العميق بالندم والعذاب النفسي والمعنوي.. لقد وجدت نفسي في مواجهة الحياة التي كنت أعيشها وكانت خاطئة بكل المقاييس والمعايير.. وهو ما دفعني في النهاية وفي لحظة طيش إلى أن أسلب حياة أحدهم لقاء مبلغ زهيد من المال..
هل استطعت تقبّل هذه العقوبة بسهولة؟
لقد ارتحت لهذا الحكم.. لأنه كان عادلا بالنسبة لي وجعل ضميري يرتاح.. فأنا بعد فترة ايقافي، أصبحت متدينا وواظبت على الصلاة والتقرّب الى الله، ولقد آمنت بقوله تعالى "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون".
السجون التي مررت بها طوال 18 سنة؟
في البداية وقع إيقافي لمدة عامين في سجن قرمبالية.. ثم عامين في سجن 9 أفريل وبعد ذلك في سجن المنستير لمدة ثلاث سنوات، وباقي المدة الى يوم الناس هذا قضيتها في سجن المرناقية.
هل يمكنك تلخيص أو تقييم هذه التجربة السجنية الطويلة؟
في البداية أريد أن أقول شيئا هو أني قد أكون ارتكبت أفظع جريمة، وموجودا في أسوإ مكان ولكن أشكر الله لأن هذه التجربة أفادتني كثيرا، لأني لو بقيت أعيش حرّا وطليقا وبنفس الذهنية التي كنت أحملها لكنت من أعتى المجرمين..
السجن قام بإصلاحي والحدّ من سلوكيات إجرامية كنت أحملها.
موقف العائلة منك ومن الخطإ الفادح الذي اقترفته؟
علاقتي جيّدة بالعائلة وهي لم تتخلّ عني يوما.. ورغم الجرم الذي اقترفته الاّ أنها لم تتخلّ لحظة عن دعمي ومساندتي..
ومخالطتي لأصحاب السوء هو ما زرع في نفسي هذه النوازع الإجرامية..
فترة ما بعد الحكم بالإعدام هل هي فترة صعبة على السجين؟
عندما حوكمت بالإعدام ونقلت إلى سجن 9 أفريل، و جدت معي في نفس العنبر 28 سجينا محكومين بالإعدام، في عزلة تامة، دون الحق في مشاهدة التلفزيون، ممنوعين من الزيارة، ممنوعين من مراسلة أهلهم او تقبّل الرسائل، ممنوعين من القفة، ممنوعين من الحوالات المالية البريدية، ومعزولين تماما عن العالم الخارجي..
لو أردنا التعليق مثلا عن هذه المجموعة من المحكومين بالاعدام، سنجد أنهم مجموعة من البسطاء، 90 بالمائة منهم ليسوا من المجرمين، 80 بالمائة منهم دخلوا السجن لاوّل مرة، وما قاموا باقترافه رغم فداحته يتنزّل في خانة الخطإ الأوّل ولكنهم "زواولة"..
يعني بحكم خبرتك ومعاشرتك الطويلة لمحكومي الاعدام لا ترى أنهم من أصحاب السوابق او من الضالعين في عالم الجريمة؟
لا.. هذا ليس صحيحا، كل ما في الأمر أنه خطأ أوّل.. أغلب جناياتهم ناتجة عن الفاقة التي تدفع الى السرقة المصاحبة بالقتل.. وبالنسبة لقضايا الاغتصاب فانها تعتبر قضايا شاذة..
كم عرفت من سجين ممن حوكموا بالإعدام؟
وصلت الى مباشرة 114 محكوما بالاعدام في هذا السجن، كل واحد عرفته لوحده، وعرفت ما أحاط بقضيته وظروفها.. عندما قدمت الى المرناقية كان هناك حوالي 70 محكوما بالاعدام..
أكثر حالة أثرت فيك من بين هؤلاء؟
المرضى.. هناك من هو مريض نفسانيا دون أدنى شكّ.. ومكانهم الطبيعي هو مستشفى الرازي، هناك أربع حالات على الأقل- لا أدري كيف ثبتت عليهم المسؤولية الجزائية فيما اقترفته من أفعال..
الاضطراب النفسي قد يكون في حدّ ذاته ناتجا عن صدمة سماع الحكم بالإعدام؟
هذا ممكن ولكن هناك حالات مرضية حتى قبل الحكم في حدّ ذاته..
هل هناك من المحكومين بالاعدام من قتل بعض أفراد عائلته كالأب أو الأم؟
نعم هناك اثنان ممن اعرفهما شخصيا وحوكما بالاعدام، قام كل واحد منهما بقتل والده، وكلاهما يعيش مرحلة من الانهيار النفسي اعتقد أنها سابقة لحادثة القتل وقد تعمّقت بعد الواقعة، ومثل هؤلاء قد يشكلون خطرا حتى على من حوله لأنك لا تتوقع في الغالب ردودهم..
هل هناك من المحكومين بالاعدام من هم محرومون من الزيارة؟
كثيرون لا يتمتعون بالزيارة، أوّلا لقلة ذات اليد بالنسبة للعائلة، فثلثا المحكوم عليهم بالاعدام محرومون من الزيارة.. وبعد الثورة وفكّ العزلة عنهم قد يكون المحكوم عليه قد حظي بزيارة وحيدة.. وعلى العموم أغلبهم لا تؤثر فيه قلة الزيارات بل بعضهم قد يؤلمه تكبّد اهله لمشقة الزيارة..
موقف أثّر فيك طوال 18 سنة السابقة؟
بالنسبة للجرائم أنا أتأثر كثيرا بجرائم اغتصاب الأطفال وأشمئز ممّا اقترفوه وأتفادى الحديث أو الجلوس مع مقترفيها..
لكي يصبح السجن مؤسسة إصلاحية.. ما المطلوب؟
في السجن يوجد حثالة المجتمع والإشكال الحقيقي هو العود، ولكي نجعل من السجن مؤسسة إصلاحية يجب أوّلا تصنيف المحكومين، على أساس السنّ والمستوى التعليمي، ونوعية الجرائم، والعود وكذلك التديّن من عدمه..
الحطّ من عقوبتك الى السجن المؤبّد في 2012 كيف كان وقعه عليك، وهل لديك أمل في الخروج؟
لو كان مقدّرا لي الخروج سأغادر السجن، فانا كمن كان في قعر بئر وغادره ليرى النور من جديد، فتغيير حكم الإعدام إلى المؤبّد هو عودة فعلية للحياة، فالمحكوم بالإعدام رقبته دائما تبقى رهينة المشنقة وإذا لم ينفذ الحكم اليوم قد ينفذ غدا..
هناك منظمات حقوقية تدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام، فهل أنت مؤيد أو رافض لهذا المقترح؟
أنا متديّن، وبالتالي أنا مع القصاص ومع عقوبة الاعدام ومع تنفيذها أيضا "ولكم في القصاص حياة"، فالاغتصاب كما القتل كلاهما يستحقان الاعدام، وانا مع الابقاء على هذه العقوبة ومع تنفيذها

مبروك.. مغتصب ابنة حمام الأنف
"إحساسي.. سأغادر السجن"
مبروك عمر محمّد ثابت شاب من مواليد 1984، أصيل معتمدية الروحية من ولاية سليانة، متزوّج وأب لطفل لم يتجاوز سنه السنة والنصف، قبض عليه في 23 فيفري 2009 من أجل قضية أخلاقية تتمثل في تداول ثلاثة أشخاص ومنهم مبروك الذي يتمسّك بإنكار اغتصابه للفتاة وأنه اكتفى بمشاركة خلاّنه الجلسة الخمرية- التي سبقت واقعة اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 24 سنة كانت برفقة صديقها في إحدى ضواحي منطقة حمام الأنف..
لكن مبروك حكم عليه ابتدائيا بالإعدام وهو اليوم يعلّق كل آماله على التعقيب علّه ينقذ رقبته من حبل المشنقة، ولكن الأغرب أن مبروك لا يأمل في الحطّ من العقوبة فقط بل هو يؤكّد أنه سيخلى سبيله من طرف المحكمة..
التيقنا مبروك في السجن المدني بالمرناقية، هدوؤه وبرودة أعصابه كانا لافتين للانتباه، نظرته الثاقبة والابتسامة التي لا تفارق شفتيه جعلتني أتفادى النظر إلى عينيه مباشرة، مبروك لم يبد أيّ ندم على ما اقترف بل يؤكّد أنه مظلوم ولا يستحق هذا الحكم..
يقول إنه قبيل الثورة، وقع نقله الى السجن المدني بالقصرين لكن إبان الثورة استطاع أن يهرب من السجن مع باقي المساجين وقد التقى بزوجته ومن ثمة حاول مغادرة البلاد نهائيا وقد اشترك في عملية "حرقان" منظمة على أمل الوصول إلى الأراضي الايطالية والتفصّي نهائيا من العقوبة القاسية ولكن وقع الإيقاع بالمجموعة في عرض البحر وأعيد إلى السجن.. تاركا هذه المرة وراءه زوجة حاملا..
بحسرة كبيرة تحدّث إلينا مبروك عن ابنه "رأيته مرة واحدة بعد عيد الأضحى عندما زارتني زوجتي مرفوقة به..".
ويضيف "بعد أن رأيتهما بقيت لمدة يومين وأنا أشعر بأسى عميق وقلبي يحترق على ابني وعلى زوجتى.. عشت في صغري ظروفا قاسية.. ومن قام بالأخذ بيدي حقيقة هي عائلة سلمى بكّار التي أحاطتني بالرعاية منذ كان سني 14 سنة.. كان من الممكن أن يكون لي مستقبل رياضي كبير فقد كنت رياضيا ناشطا في الرياضة العسكرية وحصلت على ميداليتين فضيتين في العدو الريفي، لكن حياتي تحطّمت الآن..
وعن شعوره عندما سمع بحكم الإعدام أوّل مرة، يقول "الحياة خلقت لنعيشها مرة واحدة، لقد تشنجت أوّل مرة وانهرت بالكامل إلى درجة الإغماء وتدخّل الحماية المدنية.. لكن اليوم إحساسي يقول لي أني سأغادر السجن وربي يعلم أني لم أقترف ذنبا".
سألته كيف تنظر للحياة اليوم؟
أجاب "الاعدام عقوبة قاسية تقضي بفقدان الحياة.. نظرة مؤلمة وقاسية من الجميع وألم داخلي.. فحتى من طرف السجناء هناك نظرة خاصّة للمحكومين بالاعدام.. وأنا أقوم بمحاسبة نفسي بقسوة ومراجعة كل القرارات الخاطئة في حياتي..".

الحبيب مرسيط (رئيس الائتلاف الوطني لإلغاء عقوبة الإعدام)
أكثر من 123 محكوما بالإعدام.. والحكام يدركون معنى عنابر الموت
يتمسّك الائتلاف الوطني لإلغاء عقوبة الإعدام بضرورة إلغاء عقوبة الحكم بالإعدام في تونس والتي يعتبرها تناقض الشرائع الدولية لحقوق الإنسان وخاصّة الحق في الحياة. الحبيب مرسيط رئيس الائتلاف والرئيس السابق لفرع تونس لمنظمة العفو الدولية، أكّد في اتصال جمعنا به أن الائتلاف يسعى بكل جدّ الى جعل الدولة التونسية تقتنع بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف الى إلغاء عقوبة الإعدام.
ولكن يقول الحبيب مرسيط "إن الائتلاف يسجّل بكل ارتياح تصويت تونس ولأوّل مرّة لصالح قرار يدعو إلى تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام في العالم، تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية يوم 20 ديسمبر 2012.. وقد التحقت في ذلك كل من الجزائر وقبلها جيبوتي..".
122 سجينا محكوما بالإعدام
وحول العدد الجملي للمحكوم عليهم بالإعدام يقول مرسيط "إنه وإلى موفى سنة 2012 بلغ عددهم 123 محكوما بالإعدام - مع احساب سفاح سوسة- بينهم بعض النساء" وفي سياق متصل تؤكّد مصادر أخرى أن عدد النساء المحكوم عليهم بالإعدام بلغ 3 نساء..
تخلق عقوبة الإعدام لدى أغلب السجناء المحكومين بهذه العقوبة نوعا من الاكتئاب الذي يولّد حالة من العزوف عن الحياة وحتى من العذاب والاضطراب النفسي.. وعن الحالة النفسية للمحكومين بالإعدام يؤكّد مرسيط أن هناك 3 أصناف من المحكومين بالاعدام..
الصنف الأوّل هم أولئك الذين انهاروا نفسيا ومعنويا بعد العقوبة وأصبحوا يواجهون الحياة بالأقراص المهدئة اذ هم يعانون من ظروف نفسية وحتى بدنية صعبة وقاسية، وحتى عند الحديث معهم لا تبدو كلماتهم منطقية ومتوازنة وأحيانا يرفضون تبادل الحديث مع أي طرف.. رغم أن الادارة السجنية تؤكّد أنها تسعى للاحاطة بهم من خلال توفير العناية الطبية والنفسية الاّ أن ذلك على ما يبدو لا يؤتي أكله بسهولة..
أما الصنف الثاني فهم لم يصلوا بعد الى مرحلة الانهيار الكامل مثل الصنف الأوّل، لكن مع ذلك يعانون من اختلال التوازن النفسي في نوع يقرب من الذهان والبارانويا..
كما يعاني بعضهم من بعض الحركات غير الارادية والتي يصعب التحكّم فيها وهناك آخرون يعانون حتى من التبوّل غير الارادي.. ورغم ذلك تبقى حالتهم أفضل من الصنف الأوّل اذ يمكن معالجتهم والعناية بهم.. أمّا بالنسبة للصنف الثالث والأخير فانهم يعتبرون في حالة صحية وذهنية جيدة، ويمكنهم حتى الحديث عن الجرم الذين اقترفوه وظروف اعتقالهم..".
وسألت محدّثي هل أن رفض فكرة الاعدام وعدم تقبّل العقوبة قد يدفع بالسجين الى الانهيار النفسي فأكّد الحبيب مرسيط أن تقبّل العقوبة من عدمه لا يخضع الى وصفة جاهزة ويختلف من محكوم عليه بالاعدام الى آخر.. وعادة ما يكون مقترف جريمة القتل يعاني من انحرافات نفسية وسلوكية قد تدفعه نفس هذه الاضطرابات الى تقبّل حكم الاعدام بدم بارد..".
ويختم مرسيط بقوله إنهم كائتلاف يعوّلون على تفهّم الحكومة الحالية لضرورة الغاء هذه العقوبة لأن الكثيرين منهم ارتدوا بدلة الاعدام وكانوا في عنابر الموت...

21 جريمة يعاقب عليه القانون التونسي بالإعدام
جريمة واحدة فقط تتطابق مع القصاص في الشريعة الإسلامية
الأستاذ رابح الخرايفي، عضو المجلس التأسيسي كان من بين الوجوه الحقوقية البارزة التي تنادي بإلغاء عقوبة الإعدام في تونس خاصّة وأنه كان عضوا ناشطا في فرع تونس لمنظمة العفو الدولية هذه المنظمة الدولية التي تعتبر أبرز منظمة دولية مناهضة لعقوبة الإعدام..
وفي اتصال جمعنا به يؤكّد الخرايفي ويتعلّق بالجرائم التي يعاقب فيها القانون التونسي بالإعدام، يقول الخرايفي "تتمثل الجرائم التي حوكم مقترفوها بعقوبة الإعدام في القتل مع سابق الإصرار والترصد والاغتصاب وهتك العرض والسرقة باستعمال العنف التي تنتهي بجريمة قتل، وآخر مرة تمّ تنفيذ حكم الإعدام في تونس كان في عام 1991 في حق سفاح نابل ناصر الدامرجي".
ويضيف الأستاذ الخرايفي "وفي العموم يعاقب القانون التونسي على 21 جريمة بالإعدام تتعلق بأمن الدولة الداخلي والخارجي والاعتداء على موظف عمومي والاغتصاب المصاحب باستعمال العنف والاعتداء بالعنف المرافق باستعمال السلاح أو التهديد به على قاض أثناء الجلسة، والخيانة المرتكبة من طرف العسكريين، والاستيلاء على سفينة بالعنف من كل ربان أو ضابط وتسليم السفينة إلى العدو من طرف أي عضو ينتمي إلى طاقم سفينة، وتخريب السكة الحديدية أو إحداث خلل بها أو وضع أشياء أو القيام بأي فعل من شأنه إخراج الارتال عن السكة، وتسبب ذلك في وفاة شخص.. كما تنفذ أحكام الإعدام إما شنقا بالحبل (الفصل 7 مجلة جزائية) أو رميا بالرصاص (الفصل 45 مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية) ومن هذه الجرائم جريمة واحدة تتطابق مع الشريعة الإسلامية وهي جريمة القتل العمد".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.