لم تعد درجات الحرارة المرتفعة مشكلة تقتصر على ساعات النهار فقط، إذ أصبحت الليالي الحارة بحدّ ذاتها تحديًا إضافيًا يهدّد راحة الناس وصحتهم، وما نشهده هذه الأيام مثال واضح على ذلك. ففي العادة، ينتظر الناس حلول الليل هربًا من حرّ النهار، أملاً في نسمة باردة تساعدهم على استعادة توازنهم والراحة بعد يوم متعب، لكنّ الوضع تغيّر: فالليل لم يعد يُنقذ من الحرارة، بل صار امتدادًا لها. فالحرارة الليلية التي كانت تنخفض عادةً بمعدّل يتراوح بين 8 إلى 12 درجة مقارنة بالنهار، باتت اليوم تحافظ على مستويات مرتفعة، خاصة في المدن الكبرى حيث تحتفظ الطرقات والإسمنت بحرّ النهار وتعيد إطلاقه ليلًا. والنتيجة: الجسم لا يجد الوقت الكافي ليستعيد نشاطه، ويقلّ النوم، ويتزايد الإرهاق وترتفع معدّلات الضغط، خصوصًا لدى كبار السنّ ومرضى الأمراض المزمنة. وقد أكّدت أبحاث علمية عديدة خطورة هذه الظاهرة؛ إذ كشفت دراسة أعدّها باحثون من معهد ماكس بلانك سنة 2020 (مذكورة في التعليقات) وشملت أكثر من 7 ملايين تسجيل نوم في 68 دولة، أنّ ارتفاع حرارة الليل يقلّص ساعات النوم ويؤثّر سلبًا على صحة الناس، وخاصةً في البلدان ذات الدخل المحدود. أما دراسة أخرى نُشرت في مجلة The Lancet Planetary Health سنة 2022 وتناولت بيانات من 28 مدينة آسيوية، فقد توصّلت إلى أنّ كلّ درجة إضافية في حرارة الليل قد تزيد من خطر الوفاة بنسبة قد تصل إلى 1.5%. ما حصل في باكستان عام 2015 خير دليل: حين شهدت كراتشي موجة حرّ لم تنخفض فيها الحرارة ليلًا عن 31 درجة، ما أسفر عن وفاة أكثر من 1200 شخص في أقل من أسبوع. نفس السيناريو تكرّر في الهند، خاصة في المناطق الفقيرة التي تفتقر للمكيّفات أو البنية التحتية الملائمة. اللافت أيضًا أنّ الهيئة الهندية للأرصاد الجوية لاحظت أنّ درجات الحرارة الدنيا (الليلية) ترتفع بوتيرة أسرع من درجات الحرارة القصوى. كلّ هذه المؤشرات تؤكد أنّ الخطر لم يعد في «نهار حارّ» فقط، بل إنّ «ليلة حارّة» متكرّرة قد تكون أخطر، ما يستوجب الانتباه واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الفئات الأكثر هشاشة.