قبل انطلاق العرض بأكثر من ساعتين، وضعت علامة "complet" أمام شباك التذاكر وفي مدخل قاعة الفن الرابع! ما هو العرض الذي نفذت تذاكره بسرعة، وتدافع جمهور المسرح على أمل العثور على مكان يسمح لهم بمتابعة المسرحية وإن وقوفا؟ لا يتعلق الأمر بأحد كبار رجال المسرح في تونس أو الوطن العربي ممن يصنعون الحدث بأي إنتاج جديد، وإنما بمسرحية في عرضها الأول بالعاصمة لمركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة، للمخرج "نزار السعيدي" ابن المعهد العالي للفن المسرحي في ثالث إنتاج مسرحي له. المسرحية بعنوان "سوس" حملت معها جمهور المسرح في قاعة الفن الرابع ليلة السبت 17 أكتوبر الجاري في رحلة مضنية وجريئة على مدى ساعة ونصف الساعة في محاولة لفهم ما يجري خلف الستار السياسي والاجتماعي والثقافي أيضا لتونس اليوم، وهي من تأليف الشاعر "عبد الوهاب ملوح" وبطولة حمزة بن داود / محمد ساسي القطاري/ الأسعد حمدة / محمد السعيدي /منال بن سعيد/ عبد الرزاق صخراوي / عادل رابح / حسن ربح / إيمان مماشي / عواطف مباركي / كمال بوعزيزي. يعود (صبري) الشاب الذي تحصل على منحة كجريح ثورة حاول أن يستفيد منها ب(الحرقان)، ويفشل في ذلك، يعود إلى قريته منكسرا، وتتزامن عودته مع حادثة حرق أهم مكتبة في البلاد، وتوجه أصابع الاتهام له مباشرة مما يدفعه للفرار والتخفي، فيلوذ أول الأمر بأمه الأرملة، ليكتشف أنها تزوجت من عون أمن معزول كان في السابق ممن عذبوه في السجن. يلتجئ إلى حبيبته فيكتشف أنها على علاقة بأحد كبار المهربين ممن صنعوا ثروتهم بعد الثورة... تنغلق جميع الأبواب في وجهه ويجد نفسه مرتكبا لجريمتي قتل، حيث يتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، لكن محاميه يطلب عرضه على الطب النفسي باعتبار أنه مريض نفسيا.. وتبدأ المسرحية من لحظة الاستماع إلى هذيان (صبري) لتستعيد كل الأحداث الماضية "سوس" مسرحية تعمق السؤال حول العنف، أسبابه وجذوره ودواعيه... لا يعنيها كثيرا العثور على إجابات ولكنها تقدم إجابات تدين فيها الكل: الحداثي والمحافظ، اليساري واليميني، السياسي الانتهازي، والمواطن المستسلم، المافيوزي المهرب، والإرهابي المتدثر بستار الدين! المؤسسة التربوية والعائلة باعتبارها الحاضن الأول للناشئة وتتحمل تبعا لذلك مسؤولية دفع العنف عن أبنائها أو الاستسلام له عن غير وعي أحيانا جميع النماذج التي قدمها "نزار السعيدي" هي "سوس" هذا المجتمع الذي تتآكله دون رحمة أو شفقة جماليا، لم يكن المخرج "نزار السعيدي" كلاسيكيا في رؤيته الإخراجية بل كان حداثيا، تجريبيا، متأثرا بشكل ما بفاضل الجعايبي، ولكنه تأثره كان ذكيا جعله في النهاية ينجز عملا فرجويا ممتعا على الرغم من أنه كان خال من الديكور والإكسسوارات، وساعدته الفنانة "نوال اسكنراني" كوريغرافيّا في إضفاء بعد جمالي على حركة الممثلين التي جاءت منسجمة مع الحوار ومع الحالة النفسية.