مسرحية "ناس" للمخرج نزار السعيدي عمل قدمته مجموعة من شباب المسرح التونسي وهو رؤية جديدة لنص "الرصيف الغربي" للكاتب المسرحي الفرنسي برنار ماري كورتيس. تنطلق الحكاية في فضاء يسكنه أشخاص مهمشون تغير زيارة زوجين من الأثرياء لمنطقتهم ليلتهم البائسة فيحاولون بشتى الطرق تحقيق مطامعهم دون الرضوخ لقيود ومبادئ العائلة والمجتمع..الجوع يسير رغباتهم والفوضى تسيطر على حياتهم البوهيمية. هذه الملامح رافقت كتابات كولتيس أحد أهم الكتاب المعاصرين في المسرح الفرنسي وهو نص وجد فيه صناع "ناس" مبتغاهم، حيث يواكب في أحداثه حال البلاد اليوم فرجل الأعمال الفاسد "سعيد" في المسرحية يحاول الانتحار حتى لا يحاسب على أخطائه ورب العائلة الفقيرة العسكري المتقاعد فشل في حماية عائلته من الفقر والخصاصة بسبب حمايته للوطن في الجبهات...ذاتية عمل كولتيس لم تجرده من قدراته على مواكبة كل العصور ومختلف المجتمعات فبرزت الوحدة التي تنخر كيان كل شخصية في عمل نزار السعيدي. سينوغرافيا "ناس" تنبئ بميلاد مخرج سيكون له بصمته الخاصة في المسرح التونسي الذي أثبت أنه مازال مثمرا وقادرا على تقديم وجوه فنية جادة في هذا القطاع الثقافي.. نزار سعيدي نقل بتقنياته الركحية صراع الشخصيات وأضفت عوامل الإضاءة والماكياج المتقن وأداء ممثليه مصداقية كبيرة لمضمون مسرحية برنار ماري كورتيس حتى لا نقول أن صناع "ناس" كانوا في مستوى التحدي في اقتباس هذا النص الهام في تاريخ المسرح العالمي الحديث وهي من الأعمال التي أعاد تقديمها الكثير من المسرحيين في العالم والمسارح العربية كذلك كما اقتبسها في تونس الراحل علي مصباح في عمله "برج ملح ". رغم أن شخصية الرجل المسن سبق وأن تقمصها الممثل يوسف مارس إلا أن أداءه في "ناس" كان مختلفا وأكثر نضجا بعد تعدد تجاربه على الركح فيما برز الاشتغال على الشخصيات المجسدة كثيرا في أداء بقية أبطال المسرحية كما تمكنوا من مساحة لارتجال بعض اللحظات وهي ميزة نلاحظها كثيرا في أعمال شباب المسرح التونسي، حيث يحملون في أبجديات تكوينهم مهارات وأفكار متقاربة ولئن اختلفت أحيانا فإن التفاعل فيما بينها يصنع عملا يستحق المشاهدة على غرار "ناس" إحدى بطلات المسرحية فيروز بوعلي، صرحت ل"الصباح" أن تقمصها لشخصية الأم "طرنجة" وهي امرأة مسنة رغم أن الممثلة في بداية العشرينيات هو تحد لكل ممثل وقد حاولت خلال فترة التمارين التي تواصلت لخمسة أشهر التشبع بخصوصيات أم تحلم بتربية أبنائها خارج فضاء النفايات التي تسكنه وقالت فيروز بوعلي أنها استلهمت ملامح الأم من بيئتها ولهجتها "القابسية" كما أرجعت هذا التمكن في الأداء لعملها مع المسرحي الكبير فاضل الجزيري في "صاحب الحمار" وللأجواء التي وفرها نزار السعيدي للممثلين حيث كان الحوار وتبادل الأفكار حاضرا في كل مراحل العمل لإخراجه في أفضل صورة. "ناس" لنزار السعيدي أو "الرصيف الغربي" لكورتيس طرحت علاقة المهمشين بواقعهم وتفاعلهم مع الآخر المختلف عنهم في فضاء تراجيدي واقعي قال الكثير..هو نمط مسرحي نحتاجه كثيرا في تونس اليوم.. تجدر الإشارة إلى أن عرض "ناس" قدم في المركز الثقافي حسين بوزيان في قاعة لم يحضرها جمهور كبير ولعّل ذلك يعود لضعف في الدعاية على عكس العرض الأول لهذا العمل المدعم من قبل وزارة الثقافة في السادس من ديسمبر الماضي بقاعة الفن الرابع بالعاصمة والتي اكتظت بعشاق المسرح. شارك في مسرحية "ناس" كل من يوسف مارس وفيروز بوعلي ووليد بن عبد السلام والسعدي زيداني وصابر العراكي وسحر الرياحي وتماضر الزرلي وحسّان المرّي وهي من اقتباس وليد الدغسني وإنتاج الشركة الفنية "فنار".