بالرغم من أن المدة التي تفصلنا عن عيد الفطر مازالت طويلة نسبيا، الا أننا نجد الحركة التجارية بدت كثيفة وعلى أشدها خلال نهاية الأسبوع في بعض المحلات التجارية وسط العاصمة بغية شراء ملابس العيد للأطفال. «الشروق» قامت بجولة واستطلعت الآراء حول ملابس العيد وأسعارها. تونس (الشروق) خلال شهر رمضان من كل سنة تشهد محلات كثيرة وسط العاصمة موجودة خاصة بنهج جمال عبد الناصر ونهج شارل ديغول أين تتجمع العديد من المحلات المختصة في بيع الملابس والأحذية المخصصة للأطفال الصغار. تدافعا كبيرا وازدحاما أكبر من قبل الحرفاء الذين يخيرون شراء ملابس وأحذية العيد خلال النصف الأول من رمضان خوفا من التدافع والزحمة. لكن ما لاحظناه أن الحركية تراجعت والسبب هو تزامن شهر رمضان مع الامتحانات التي جعلت العائلات التونسية تسلط كل اهتماماتها على المراجعة والاستعداد للامتحانات. كما نجد سببا آخر لعدم كثافة الاقبال على شراء ملابس العيد ويتمثل في ارتفاع الأسعار التي بدت خيالية وأكثر من العادة بكثير. الأسعار من نار المتجول بين محلات بيع ملابس الأطفال يلاحظ هذا الشطط الكبير في الأسعار حيث نجد أرخص معروض من ملابس الأطفال يناهز عتبة 100 دينار وتصل إلى 200 دينار دون نسيان أسعار الأحذية التي تتراوح بين 50 و70 دينار . وحسابيا فإن رب الأسرة الذي لديه 3 أبناء فسيدفع بين 450 دينارا و 600 دينارا ! لشراء الملابس دون الأحذية. وهذه المبالغ تعتبر مشطة ومرتفعة خاصة إذا قارنا ارتفاع الأسعار بتراجع المقدرة الشرائية للتونسيين والتي وصلت إلى 80 %. وكما يعلم الجميع فإن عيد الفطر يعتبر مكلفا ومصاريفه كثيرة فإلى جانب ملابس العيد هناك الحلويات التي ارتفعت أسعارها خلال هذه السنة إلى الضعف أو أكثر يصل سعر الحلويات التقليدية إلى 60 دينار وتتراوح مختلف أنواع الحلويات بين 34 و55 دينارا. وهي أسعار لم تعد في متناول المواطن التونسي البسيط ولا حتى الموظف الذي أصبح عاجزا عن شراء لا الكماليات ولا الضروريات حتى. وبحساب الأرقام فإن التونسي ينفق حوالي ألف دينار مصاريف عيد الفطر أي ما يعادل مرتب موظف. فلماذا ارتفعت الأسعار إلى هذه الدرجة؟ وهل يتجه التونسي إلى سياسة المقاطعة في ظل الارتفاع المهول للأسعار؟ السلع التركية في كل مكان إلى جانب ارتفاع الأسعار فإننا نلاحظ طغيان السلع التركية على السلع التونسية. فجل المحلات تستورد الملابس الجاهزة من تركيا. ورغم أن أسعار الملابس في تركيا تعتبر رخيصة جدا فإن اصحاب المحلات يرفعون في الأسعار إلى 4 أو 5 أضعاف السعر الذي استوردوا به من بلد المنشا فمثلا يمكن شراء فستان فتاة صغيرة ب20 دينار وعند عرضها للبيع في تونس يصل سعرها إلى 100 دينار. يحدث هذا دون أن تكلف وزارة التجارة نفسها إلى مراقبة الأسعار، والحد من ارتفاع الأسعار. وهناك عدد من التونسيين يفضلون السلع التونسية على السلع التركية والصينية أولا لتشجيع الصناعة التونسية وثانيا بحثا عن الجودة. وعن هذا الإختيار يقول عدد منهم أن السلع الموجودة في السوق الموازية تجمع بين خصلتين رخص الثمن وقلة الجودة وأحيانا غيابها التام ولهذا السبب هم فضلوا السلع التونسية. وتقول السيدة سلوى في هذا السياق : هناك عدد من المصانع التونسية المختصة في صنع الملابس الجاهزة للأطفال تعرف بجودة معروضاتها وأسعارها المناسبة ولهذا السبب أخير سنويا شراء ملابس عيد أطفالي من هذه المحلات دون غيرها لثقتي التامة في منتوجاتها. وهذا الرأي تشاطره فيها زميلتها في العمل السيدة سندس التي أضافت قائلة: بالرغم من الاكتظاظ الواضح في هذه المحلات خاصة في النصف الثاني من شهر رمضان. إلا أنني أفضل الانتظار وتحمل المتاعب من أجل شراء ملابس لأطفالي من هذه المحلات دون غيرها. وتتابع لتقول: إلى متى سيتواصل التهريب الذي أفسد كل شيء في تونس ومتى تستطيع الحكومة القضاء على هذه الأسواق الموازية التي تروج سلعا أقل ما يقال عنها أنها رديئة؟ وعبر السيد معز عن رغبته في شراء الملابس الجاهزة المصنوعة في مصانع تونسية نظرا لحسن جودتها مقابل السلع المستوردة من الصين والتي تباع في الأسواق الموازية. ويضيف :شرائي لسلع تونسية هو اختيار لا اضطرار وأود أن يسير الكثيرون على هذا النهج حتى نشجع المصنعين التونسيين ونحارب التهريب من جهة والسوق الموازية من جهة أخرى. دعوة للمقاطعة ارتفاع أسعار ملابس الأطفال جعل عديد العائلات تقرر مقاطعة شرائها والتوجه نحو الملابس المستعملة. ورأت كل من السيدة أماني والسيدة ريم والسيدة درة اللآتي التقينا بهن وسط أحد الفضاءات التجارية الكبرى أن الأسعار مرتفعة جدا ولم يعد في مقدور التونسي الاحتفال بعيد الفطر وشراء ملابس العيد لأطفاله وشراء الحلويات أو حتى صنعها في المنزل. وتقول السيدة أماني إنها وجدت أسعار ملابس الأطفال مرتفعة ومشطة ولذلك توجهت إلى سوق الملابس المستعملة أين وجدت الأسعار في المتناول واستطاعت شراء ملابس أنيقة لإبنتيها ولا ينقصها سوى شراء بعض الإكسسوارات لإضفاء مزيد الأناقة على ابنتيها. وهو الرأي الذي تراه السيدة ريم وقالت إن الملابس المستعملة أفضل من السلع التركية والتونسية وأرخص بكثير ولذلك دعت جميع الأمهات إلى مقاطعة شراء الملابس الجاهزة من المحلات التجارية التونسية ومقاطعة السلع التركية وحتى التونسية التي ارتفعت أسعارها بشكل غير مسبوق، وأضافت من غير المعقول أن يصل فستان فتاة لا تتجاوز الخمس سنوات ال100 دينار، وتساءلت لماذا كل هذا الشطط وهذه المغالاة في الأسعار؟ وقال السيد أحمد (جد) أن أبناءه خلال السنة الفارطة تمكنوا من شراء ملابس العيد لأحفاده ورأى أن الأسعار كانت في المتناول وتتناسب مع كل المستويات. وهو عكس ما يحصل هذه السنة حيث ارتفعت الأسعار بطريقة غير مسبوقة ولذلك أرى مقاطعة شراء الملابس الجاهزة الجديدة والتوجه نحو الملابس المستعملة. وهو ما دعت له السيدة درة أيضا (الدعوة لمقاطعة الملابس الجاهزة): وأكدت أنها بعد أن اطلعت على الأسعار الخيالية لملابس الأطفال توجهت إلى الملابس المستعملة أين انتقت ملابس كانت غاية في الجودة والأناقة حسب قولها قامت بغسلها وكيها واشترت بعض الاكسسوارات لابنتيها وابنها دون أن تتجاوز التكلفة العامة لمشترياتها ال100 دينار. لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك عبر السيد لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك عن قلقه من الارتفاع المشط لملابس العيد وقال إن هذا الشطط في الأسعار غير المبرر ويدل على حالة الانفلات التي أصبحت تعيشها تونس حيث لا رقيب ولا حسيب. مما جعل أصحاب المحلات التجارية وحتى المصانع يتغولون ويرفعون في الأسعار دون ضوابط ولا قيود ولا شروط. وتابع ليقول دعونا أكثر من مرة اتحاد الصناعة والتجارة وخاصة أصحاب مصانع ملابس الأطفال وحتى الذين يقومون باستيراد الملابس الجاهزة من تركياوالصين لمد التونسي بتكلفة هذه السلع حتى يتسنى له المقارنة بين التكلفة وسعر البيع وبالتالي تكون لديه الحرية في الاختيار إما الشراء أو المقاطعة. وقال السيد لطفي الرياحي إنه لا يخفى على أحد أن الأسواق اليوم وقع اغراقها بالسلع التركية. والكل يعلم أيضا أن استيراد هذه السلع يكون بأثمان زهيدة للغاية ولكن السعر يرتفع إلى خمسة أضعافه عند العرض في المحلات التونسية وهذا الجشع والتحيل باسم هامش الربح دمر جيب المواطن التونسي ونخر ميزانية التونسي وجعل مقدرته الشرائية تتهاوى. وعن موضوع المقاطعة وما إذا كانت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك قد دعت إلى مقاطعة شراء ملابس العيد أو ستقرر ذلك في قادم الأيام؟ قال السيد لطفي الرياحي: إن المنظمة لم تدع للمقاطعة باعتبار أن التونسي سيقاطع شراء ملابس العيد مكرها وليس بطلا نظرا لجيبه المثقوب وارتفاع الأسعار المهول. وكدليل على عزوف التونسي عن شراء ملابس الأطفال ما نلاحظه من خلو المحلات التجارية من الزبائن إلا قلة قليلة لها من الأموال ما يكفي. أما البقية فقد تتجه إما للأسواق الموازية لشراء السلع الصينية الرديئة أو التوجه نحو أسواق الملابس المستعملة (الفريب). وهنا يجب على الدولة وعلى وزارة التجارة أن تكون واعية بالتدمير الممنهج لميزانية التونسي والعمل على ردع المحتكرين والمضاربين والمستكرشين من أصحاب المحلات الذين أصبحوا يغتنمون الفرص للتنكيل بجيب المواطن.