مواعدة يحبس أنفاس المؤتمرين بعدم إعلانه الترشح.. المحسني في انتظار «هدية» وبولحية يراهن على انسحاب مواعدة قمرت - الصباح: من صالح عطية: لا يبدو أن حركة الديموقراطيين الاشتراكيين، خاضت مؤتمرا ساخنا في تاريخها مثل المؤتمر الثامن الذي تختتم أشغاله نهار اليوم باحد الفنادق بالضاحية الشمالية للعاصمة تحت شعار «بعد 30 سنة... حماية للمكاسب واستشرافا للمستقبل».. فإلى حد كتابة هذه الأسطر، ماتزال الصورة غير واضحة بقدر كبير لدى المؤتمرين الذين يناهز عددهم ال241 نائبا... ويتعلق هذا الأمر بعديد المسائل ذات الصلة بالمستقبل التنظيمي والهيكلي والسياسي للحركة بدءا بهوية الأمين العام القادم، ومرورا بتركيبة المجلس الوطني المرتقب ووصولا الى عضوية المكتب السياسي المنتظر.. الحقيقة، ان موضوع الأمين العام القادم للحركة، هيمن على عقول المؤتمرين بشكل لافت منذ مساء اول امس والى حدود وقت متأخر من ليلة امس، حيث شهدت اروقة الفندق الذي تدور فيه اشغال المؤتمر، الكثير من الاجتماعات، سواء على جنبات المسبح او في غرف المؤتمرين او في قاعة الاستقبال، بل ان البعض اختار الخروج الى مدينة المرسى ليركنوا الى احد المقاهي وذلك في سياق القيام «بما يلزم» من الترتيبات واعداد السيناريوهات اللازمة لربح ما يسميه الكثيرون في المؤتمر ب«معركة الأمين العام».. ومما زاد في حرارة هذه الاجتماعات و«الترتيبات السرية»، عدم وضوح الرؤية بالنسبة للمرشحين للامانة العامة للحركة... فباستثناء السيد الطيب المحسني، عضو المكتب السياسي، الذي اعلن ترشحه قبيل انطلاق اشغال المؤتمر، لم يعلن السيد اسماعيل بولحية، الأمين العام الحالي للحركة عن ترشحه، كما لم يفصح السيد محمد مواعدة رئيس المؤتمر والأمين العام السابق للحركة، عن نواياه الحقيقية بشأن موضوع ترشحه من عدمه، الأمر الذي فتح باب السيناريوهات والتأويلات على مصراعيه، فيما اطلق البعض العنان لعديد الفرضيات.. فرضيات.. وسيناريوهات.. فقد روّج البعض بقوة لما يعرف ب«الوفاق» للخروج من «مأزق» الأمانة العامة، ولعبت بعض الأسماء دورا بارزا في ذلك على غرار السيدين العروسي النالوتي والصحبي بودربالة بل ان السيد جلال الأخضر، عضو المكتب السياسي للحركة، والسفير التونسي في السينغال، عمل فيما وسعه لاقناع جميع الأطراف بالوفاق في اختيار اعضاء المكتب السياسي، و«نصح» الفاعلين في الحزب بانتخاب بولحية، امينا عاما للحركة، على اعتبار انه «رجل المرحلة المقبلة» حسب تعبيره، في إشارة الى الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2009. غير ان «نصيحة» جلال الأخضر، لايبدو انها لقيت صدى ايجابيا لدى غالبية المؤتمرين، الذين رفضوا اعادة التجديد لبولحية تحت عنوان «رجل المرحلة»، على اساس ان لكل مرحلة رجالها، وان الاستحقاقات الانتخابية قد تعوّد عليها الحزب، وبامكان اي اسم قادم ان يلعب هذا الدور، حسب ما ردده الكثيرون ل«الصباح».. في نفس السياق، حاول البعض الاخر، تسويق فكرة اضطلاع بولحية بمهمة الأمانة العامة الى غاية خريف 2009، موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ثم تقع الدعوة لمؤتمر استثنائي، يكون خلاله التداول على الامانة العامة... وهو السيناريو الذي رفضه عديد المؤتمرين، بل كان محل انتقاد شديد إلى درجة التهكم، من قبل رموز الحركة، على اعتبار أنها كانت اول من رفع شعارات التداول والديموقراطية و«الترشحات الجدية»، فيما هي اليوم تلتف على شعاراتها، وتقدم صورة سيئة عن فكرها السياسي وطبيعة مسؤوليها وهوية مناضليها.. بولحية.. و«التغيير» من جهة اخرى، هيمن على عقلية اغلب المؤتمرين، شعار «التغيير» صلب الحركة، سواء تعلق الامر بالامانة العامة او بتركيبة المكتب السياسي.. بل ان هذا الشعار، لم يكن حديث الكواليس فحسب، بقدر ما ترجم في عديد التدخلات خلال النقاش العام.. وقال احد المؤتمرين الذي فضل عدم ذكر هويته في تصريح ل«الصباح»، ان «التغييرات ضرورة ملحة في مستوى رأس القيادة، من اجل تغيير اسلوب ادارة الحزب، وطريقة تعاطيه مع الشأن الداخلي للحركة، ومع الوضع السياسي في البلاد».. وتحدث البعض الاخر في هذا السياق عن «ضرورة خروج الامين العام الحالي من الباب الكبير بوصفه مؤسسا ومنقذا للحركة»، وهي اشارة اخرى تستبطن الرغبة في التغيير على رأس هرم الحركة... غير ان قسما اخر من المؤتمرين، يرى ان الامين العام الحالي، مايزال يحتفظ بدوره خلال المرحلة المقبلة.. وتفيد تسريبات المؤتمر واحاديث كواليسه، ان بولحية سيربح «معركة الامانة العامة»، حتى وان تم اللجوء الى صندوق الاقتراع.. وتدلل هذه التسريبات القريبة من الامين العام على ذلك، بتوفره على اغلبية قد تكون ساحقة لحسم التصويت وعملية الاقتراع، انطلاقا من توزع النيابات، حيث تتوفر «مجموعة بولحية» على اكثر من مائة صوت، فيما ان مجموعة مواعدة والمحسني، لا يتوفران وفق هذه التسريبات الا على مائة ونيف بل يتحدث بعضهم عن امكانية اختراق هاتين المجموعتين، وبالتالي حصاد النصيب الاوفر من الاصوات، والفوز من ثمة بالامانة العامة للحركة.. لكن عديد المؤتمرين، يطعنون في هذه التسريبات، ويصفونها ب«المضخمة».. ليس هذا فقط، بل ان «تسريبات مضادة» تحدثت عن وجود كتلة بنحو 35 شخصا جيء بهم الى المؤتمر، وتم اسكانهم في غرف النواب (الذين ظل العديد منهم من دون غرفة)، وهي الورقة التي سيتم استخدامها خلال عملية التصويت لترجيح كفة الامين العام الحالي، الذي لا يبدو انه على علم بهذا السيناريو.. لكن مكتب المؤتمر ورئاسته تحديدا، نبهت المؤتمرين الى ان اية عملية تصويت سواء تعلق الامر بموافق خلال الجلسة العامة او انتخاب المجلس الوطني او المكتب السياسي، لن يتم الا بعد الاستظهار ببطاقة التعريف الوطنية وبطاقة النائب(Badge)، وذلك تجنبا لاي محاولة اختراق غير قانوني من شأنها ان تؤدي الى تزييف العملية الانتخابية.. «لغز» مواعدة على ان «اللغز المحير» بالنسبة للمؤتمر، الى حدود مساء امس، هو موقف مواعدة من العملية الترشيحية للامانة العامة.. فالرجل لم يفصح عن نواياه الحقيقية، بل ان اجاباته كانت تفيد «نعم» وعكسها في نفس الوقت، فيما بدت مجموعته وانصار الطيب المحسني، اشد تعويلا على ترشحه، في ضوء سيناريو تم الاعداد له بشكل جيد قبيل المؤتمر وخلاله ايضا، يقضي بالتصويت لمواعدة، الذي يرى فيه عدد واسع من المؤتمرين، الرجل المناسب للمرحلة المقبلة.. ويبدو - حسب بعض المعلوات التي توفرت ل«الصباح» - أن مواعدة، لا يريد الإعلان عن ترشحه بشكل فردي وإنما في سياق مطالبة الأغلبية من المؤتمرين بذلك، وهو الأمر الذي عكسته الجلستان العامتان ليوم أمس، حيث ناشده عديد النواب الترشح للأمانة العامة ومنافسة بولحية والمحسني، لكن مواعدة اكتفى بالصمت ومواصلة إدارة الجلسة بوصفه رئيسا للمؤتمر. تسريب إضافي ولم تقتصر بورصة المؤتمر عند هذا الحد من التسريبات... فقد شرع البعض مساء أمس في الترويج لسيناريو مفاده أن عملية التصويت - وبالتالي المنافسة على الأمانة العامة - ستنحصر بين مواعدة وبولحية، وأن فارق الأصوات لن يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة... ويحيل هذا التسريب على أرين أو هدفين اثنين: * الأول، محاولة إحداث انقسام بين مجموعتي مواعدة والمسحني، لأن تحالفهما سيؤدي بالضرورة إلى تراجع بورصة بولحية.. وكانت المجموعتان عقدتا اجتماعات مكثفة خلال اليومين الماضيين خاصة، تم خلالها الاتفاق على سيناريو يكون فيه مواعدة مدعوما من الطرفين إذا ما ترشح، ويحصل الطيب المحسني على أصوات المجموعتين إذا ما اختار مواعدة عدم الترشح. * الثاني، استبعاد الطيب المحسني من دائرة المنافسة عبر اضعاف حظوظه ومحاولة صرف الأنظار عنه. ولا شك في أن مهندسي هذه التسريبات، يبحثون بكل السبل والصيغ، الابقاء على حظوظ بولحية كاملة، خصوصا في ضوء اتساع رقعة الانتقادات الموجهة له خلال المناقشات العامة التي تخللت المؤتمر وفي كواليس وأروقة الفندق. موقف إيجابي على أن الأمر الإيجابي في هذا المخاض الانتخابي الذي يعيشه المؤتمر الثامن لحركة الديموقراطيين الاشتراكيين، هو عدم «تدخل» أي طرف خارجي عن المؤتمر في الترشحات واتجاهات الأمور الانتخابية ، الامر الذي جعل المؤتمرين أمام هامش انتخابي واسع، بل جعل المؤتمر ذاته «سيد نفسه». والسؤال المطروح بعد كل ذلك هو: هل يستجيب مواعدة لنداء المؤتمرين فيترشح للأمانة العامة، ويدخل في تنافس مباشر مع رفيق دربه، بولحية؟ أم يختار التفرج من المنصة الشرفية، بما يسمح للطيب المحسني الدخول في منافسة، لن تكون يسيرة مع بولحية؟ أم يختار مواعدة مساندة معسكر بولحية بما يضعف حظوظ المحسني؟ أم أن هذا الغموض في المواقف، سيؤدي في المحصلة إلى مأزق جديد للحركة، عبر انقسامها مجددا، مثلما يروّج البعض لذلك على سبيل التخويف من سيناريو إقصائي لمجموعة بولحية، وهو ما تكذّبه وقائع المؤتمر وكواليسه، من دون التقليل من الطابع الساخن لأشغاله أوصعوبة الاختيار الماثلة أمام المؤتمرين.؟؟ بوابة المجلس الوطني تبقى إشارة مهمة في سياق الحديث عن أجندة المؤتمر، وتتعلق بانتخابات المجلس الوطني الذي سيكون البوابة لعضوية المكتب السياسي ومحددا لتركيبته، إلى جانب دوره الأساسي في اختيار الأمين العام القادم.. وهو ما يفسر درجة الحرارة المرتفعة التي شهدها المؤتمر مساء أمس، حيث ازدادت وتيرة التحالفات و«الميك ماك» الانتخابي بين توافق يضمن بالنسبة للبعض «نظام المحاصصة» في المجلس الوطني والمكتب السياسي، والتصويت الانتخابي (أو صندوق الاقتراع) بالنسبة لمن يأنس في ثقله الانتخابي. ومن غير المستبعد أن تكون الساعات القليلة الماضية قد حسمت الأمر بين «أقطاب» المجموعات الممثلة للحركة.. ماذا في المناقشات العامة؟ قمرت/الصباح كانت الجلستان العامتان ليوم أمس، مناسبة كشفت حقيقة التقييمات لقيادة الحركة بأمينها العام ومكتبها السياسي.. وعكست التدخلات المسجلة، صورة التحالفات والثقل الانتخابي لكل مجموعة صلب الحركة.. فقد شهدت الجلسة الصباحية جدلا ساخنا امتد لنحو الساعة من الزمن، حول تقرير لجنة فحص النيابات التي اكدت الطعن المقدم لها بشأن فرع الحركة بحومة السوق (جربة) ونيابة المنصف سيالة في صفاقس، الى جانب قرارها تمكين محمد بركية من نيابة عن جهة صفاقس ايضا.. وبعد جدل قانوني وسياسي وأخلاقي، عرض الموضوع على التصويت، فاختار المؤتمرون تمكين محمد بركية والمنصف سيّالة بالنيابة في المؤتمر اعتبارا لأقدميتهما ونضالهما والمسؤوليات التي تقلداها في الحركة، فيما تم التصويت بالأغلبية برفض نيابتي فرع حومة السوق، وهو ما جعل عدد نواب المؤتمر ينحصر في حدود 241 نائبا. وعكست عملية التصويت تقدما واضحا لتحالف (مواعدة المحسني)، فيما اظهر تراجع مجموعة بولحية التي لم تتمكن من مواجهة الموقف في أول امتحان لها في المؤتمر.. وعندما فسح المجال للنقاش العام، انبرى عديد المؤتمرين في محاسبة القيادة المتخلية.. انتقادات.. الهادي الغربي انتقد شعار المؤتمر الذي قال انه يتحدث عن مكاسب فيما نحن لا نلاحظ أية مكسب خلال السنوات الأربع الماضية.. واقترح شعار «الاصلاح والتغيير»، قائلا: «نريده تغييرا بنسبة ما.. وبأشخاص معينين».. ودعا الى انتخاب مجلس وطني ومكتب سياسي، «يشرفان» على حد وصفه.. وطالب المولدي البالغ ب«صحوة ضمير» كي تستيعد الحركة دورها بصورة عملية بعيدا عن التنظير، معربا عن رفضه لمنطق المجموعات وعقلية الشخصنة صلب الحركة. وأشار يوسف بن علي الى ان المكاسب التي حققتها الحركة، تنحصر في الانقسام والتشرذم والتهميش والتناحر والانشقاق باسم الوفاق، واصفا المصالحة التي حصلت في عام 2004 بين اطراف الخلاف في الحزب بكونها «مغشوشة».. وحمّل المكتب السياسي مسؤولية المشكلات التي تعيشها الحركة في الجهات، داعيا الى اعتماد صندوق الاقتراع لحسم الترشحات، وناشد مواعدة وبولحية، الترشح والتنافس على الأمانة العامة. وانتقد علي البريكي المناخ في المشهد السياسي وعدم قبول المعارضة ومواقفها في البلاد، داعيا الى تشريكها الفعلي في صنع القرار السياسي.. ووجه الطيب بوملالة انتقادات لاذعة لقيادة الحركة سيما فيما يتعلق بادارة الحزب، داعيا الى توخي النهج الديموقراطي في حسم الترشحات.. من جهته انتقد محمد الصفاقسي بشدة غياب التقرير الادبي للمؤتمر، بعد ان اكتفى الامين العام الحالي بالقاء كلمة شفاهية، قائلا: «ان ذلك يعبر عن قلة احترام لقواعد الحركة ومناضليها ونواب المؤتمر».. ودعا الى تغيير اسلوب الحركة وطريقة معاملاتها مع هياكلها الجهوية بصرف النظر عن الاسماء التي ستحظى بالفوز في المؤتمر.. واعتبر البشير السعيدي ان طمع المناضلين في مواقع بمجلس النواب وبالمجالس البلدية هو الذي ضيّع الحركة وأضعفها. وانحصرت بقية المداخلات في جملة من الافكار والملاحظات من أهمها: * أن توجهات الحركة وموقفها من الانتخابات الرئاسية تستدعي مراجعة عميقة قبل اصدار أي موقف رسمي.. * أن الحركة مدعوة الى اعادة النظر في مضمون مبادئها مثل الاشتراكية في ظل العولمة واقتصاد السوق.. * النقد الشديد الذي وجّه لصحيفة «المستقبل» الناطقة بلسان الحزب، بالنظر الى محتواها الذي وصف بكونه دون حجم الحركة وحقيقة مواقفها. * رفض الاقصاء لأي طرف واعتماد توافق حقيقي بعيدا عن أي «تلفيق».. * دعوة مواعدة والمحسني وبولحية الى تحمل مسؤولياتهم عبر الترشح للأمانة العامة والتنافس على ذلك.