طالب قائد أركان الجيوش الثلاثة رشيد عمار خلال لقائه الإعلامي على قناة التونسية بتأسيس وكالة للاستخبارات هدفها استباق المخاطر والاستعداد لها. وفي ظل تدهور الوضع الامني والتهديد الفعلي للجماعات الارهابية يبقى السؤال الذي يطرح بشدّة : على أي شاكلة ستكون هذه الوكالة في حال بعثها وكم ستستغرق من الوقت بالنظر إلى ان الوضع الأمني يتطلب حلولا عاجلة؟ يعتبر كل من الدكتور والديبلوماسي ورئيس الجمعية التونسية للدراسات الإستراتيجية وسياسات الأمن الشامل والباحث المختص في سياسات الدفاع والأمن الشامل نصر بن سلطانة في تصريح ل "الصباح" أن وكالة الاستخبارات تبقى مسالة هامة. وفي أي دولة ذات سيادة فإن الوكالة من المسائل الهامة لأمن الدولة الداخلي والخارجي وفي اطار التصدّي للتهديدات بمختلف أنواعها مشيرا إلى أن ما يشهده العالم من تطور الجريمة أو طبيعة التهديدات الموجّهة ضدّ سلامة الدول تقتضي استحداث هذه الوكالة موضحا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لديها ما يقارب 13 وكالة للاستعلامات. أما فيما يتعلق بالأوضاع التي تشهدها تونس تطرّق بن سلطانة أوّلا إلى جهاز الاستعلامات أو إدارة الاستعلامات التي حلّت في عهد الراجحي والتي وصفت آنذاك بكونها بوليسا سياسيا رغم أهميتها في تشخيص واستباق التهديدات مشيرا إلى انه كان يفترض أن يحتفظ بها وان تغير مهامها. وأوضح بن سلطانة انه في الظرف الحالي وما تشهده تونس من تطوّر في تهريب الأسلحة وفي العناصر الإرهابية التي تتنقل من ليبيا إلى تونس إلى الجزائر سواء للتمركز أو للعبور فان عدم نشاط الأجهزة الاستعلاماتية جعل الظاهرة تتفاقم كما جعلنا نعيش هذه المرحلة المتقدّمة من تهديد لأمن تونس الداخلي والخارجي. وذكر أن هذا الوضع يستوجب حلولا من ذلك إيجاد وكالة استعلامات تجمع بين مختلف مصالح لعدّة أطراف رسمية تابعة لعدّة وزارات على أن تتوفر السياسة العامة التي ستندرج ضمنها هذه الوكالة موضحا انه في ظل غياب سياسة واضحة للأمن الشامل فانه لا يمكن أن يستقيم عمل الوكالة. وقال بن سلطانة في هذا الشأن :"هذه الوكالة لايمكن أن تحقق الأهداف المرجوة منها في ظل غياب سياسة للأمن الشامل أو للأمن القومي يتحدّد على أساسها المفهوم الأمني المعتمد والأهداف المراد تحقيقها من خلال هذه السياسة والهياكل المعنية بهذه السياسة". وأضاف المتحدث انه على هذا الأساس يمكن الحديث عن وكالة للاستعلامات تجمع بين عدد من الهياكل المعنية والمرتبطة بعدد من الوزارات. وتكون هاته الوكالة بطبيعتها مرتبطة برئيس الجمهورية باعتباره المسؤول الأول عن مجالي الأمن والدفاع والخارجية على أن يديرها إطار إداري وليس سياسيا باعتبار طبيعة نشاط هاته الوكالة التي يجب ان تكون بعيدة عن جميع التجاذبات السياسية وتحت رقابة لجنة برلمانية معنية بالدفاع والأمن والخارجية. من جهة اخرى وفي قراءته لهذا المطلب أكّد الخبير الأمني يسري الدالي في تصريح ل "الصباح" انه في إطار العدالة الانتقالية تقدم بمشروع لإصلاح المنظومة الأمنية أوضح من خلاله أن شروط الإصلاح تقتضي إحداث أو بعث هيكل يعنى بالأمن القومي يسمى وكالة استخبارات وطنية أو وكالة للأمن القومي تجتمع فيها إطارات من مختلف الشرائح العلمية والمهنية تعنى بالتصرف في المعلومة وتحليلها والتحضير من اجل المساعدة على اتخاذ القرار السياسي. وبيّن الدالي ان في عهد الرئيس السابق لم تكن هنالك وكالة بل كانت المعلومة سرية ومتوفرة على جميع المستويات : أي على المستوى التنفيذي وكذلك على مستوى الحزب وهو ما كان يمثل مكمن الخطورة على اعتبار التداخل الكبير بين الحزب والدولة كما أن المعلومة كانت ضعيفة وتتضمّن عديد المغالطات. وأضاف الدالي انه يفترض بعد الثورة أن تكون المعلومات دقيقة وثابتة وسريعة وموجزة وهذه المزايا لا يوفرها إلا جهاز واحد على أعلى رأس السلطة :رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية لاسيما انه قبل الثورة كانت المعلومة توفرها كل من وكالة الاتصال الخارجي والحرس الوطني والأمن الوطني والعسكري فضلا عن جهاز آخر استعلامي وسط حزب التجمع الدستوري الديمقراطي. وأوضح في هذا الشأن اننا نحتاج اليوم إلى عدم وجود هذا التداخل وبالتالي توفر جهاز على مستوى رئاسة الحكومة يتضمّن استعلاما فنيا يعمل على رصد المكالمات السلكية واللاسلكية ويتضمن تصويرا سريا وملاحقة فنية. واقترح الخبير الأمني في هذا السياق أن ينتدبوا لهذا الجهاز مهندسين ودكاترة وبعض التقنيين السامين. أما الاستعلام البشري والذي هو من مهام الوكالة فمن الأجدر أن يوفر له أناس متكونة خاصة انه في اغلب البلدان المتقدّمة فان من يقومون بالاستعلام البشري أناس وقع انتدابهم وفقا لشروط علمية. كما انه لابد أن يوفر للوكالة تكوين ودورات تكوينية تستند إلى التجارب المقارنة. وأضاف الدالي انه إذا ما توفرت الإرادة والطريقة فانه يستطاع بعث هذه الوكالة في ظرف 6 أو 10 أشهر مشيرا إلى أن بعثها لا يعني التخلص نهائيا من الخطر الإرهابي على اعتبار أن الوكالة تحدّ من هامش الخطر لا غير. يذكر أن الخبير الأمني يسري الدالي قد أبدى تحفظات على التصريحات التي أدلى بها الجنرال رشيد عمار اذ اعتبر ان خطابه "هزيل على مستوى الشكل والمضمون" وقال انه تضمن عديد المغالطات، فضلا عن انه خطاب موجه على حد تعبيره. وأشار الدالي إلى أن الجنيرال عمار أخفى عديد الحقائق على غرار نفيه كونه كان قد اتصل بقوى أجنبية..