على امتداد الأسبوعين الأخيرين دارت الماكينة الانتخابية لحركة النهضة في اختبار متعدد الجوانب والأهداف أطلق عليه اسم الاستفتاء اكتشف من خلاله المطلعون على شؤونها الداخلية مفاجآت عديدة نعرضها في مايلي : 1. جاهزية متقدمة للمرحلة القادمة كشف الاستفتاء عن قابلية الجسم النهضاوي في التحرك والتجنّد في ظرف مدة محدودة للتواصل مع القواعد والمنخرطين لإبلاغهم بفحوى العملية ،ومبرراتها وتراتيبها ، ومواعيدها . الحضور المحترم للمنخرطين والمناضلين وحماسهم المفرط إبان الحوار حول موضوع الاستفتاء رغم مرور الحركة بفترة حكم صعبة للغاية رافقتها حملات إعلامية منظمة وتشكيك ممنهج أكد جاهزية الجسم النهضاوي لخوض المحطات الانتخابية القادمة . 2. الاستفتاء فرصة للتعرف على الرصيد الفعلي للحركة كان الاستفتاء اختبارا ذكيا تعرفت من خلاله الحركة على المخلصين من أبنائها ،الذين نشؤوا في أحضانها ، وناضلوا في مؤسساتها ومن التحق بهم ممن اقتنعوا بأطروحاتها وتمكنت بأسلوب علمي دقيق من ان تميزهم عمن أقبلوا على الانخراط بمكاتبها إثر انتخابات اكتوبر 2011 لأغراض خاصة ظنا منهم أنها ستكون لهم بمثابة التجمع المنحل وماكان يقوم به من عبث بقوانين الدولة والتصرف فيها كأنها ملك مباح . 3. الاستفتاء عملية انتخابية بيضاء بكل أركانها كان الاستفتاء عبارة عن عملية انتخابية بيضاء بكل أركانها : قانون انتخابي ، قائمة الناخبين ، برنامج انتخابي ( عرض أطروحتين للاستفتاء ترى الأولى ضرورة تأجيل المؤتمر العاشر إلى مابعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية ، في حين ترى الثانية إقرار إنجاز المؤتمر في موعده أي خلال هذه الصائفة ) ، خلوة ، لجنة فرز، صندوق انتخابات مغلق ومراقب ، عملية انتخاب سرية ، حرة ومباشرة .. وقد رافقتها إجراءات جد صارمة وإمكانية تسجيل اعتراضات ، وتقيد تام بالقانون ، ورقابة كاملة لمجلس الشورى على الاستفتاء باعتباره الجهة الداعية له . 4. استقالة حمادي الجبالي من الأمانة العامة ، حدث هام لكنه عابر على الرغم من أن استقالة رئيس الحكومة الأسبق ، من الأمانة العامة للحركة كان بإمكانه خلط أوراق عديدة ، وإفساد عملية الاستفتاء ، فإنه مر على الرغم من التوظيف الإعلامي دون ضجة داخلية لأنه كان قرارا منتظرا لشخصية باتت تحتل مساحة اهتمام وطنية ويمكنها بالتالي لعب أدوار خارج أسوار الحزب في المراحل القادمة . لكل هذا فإن الحدث وإن تم الكشف عنه في أوج الاستعدادات ، فإنه لم يربك الماكينة النهضاوية التي علق قادتها على الحدث والتخفيف بقدر كبير من حجمه وانعكاساته ، وتأجيل الحسم فيه إلى مابعد الاستفتاء 5. توجه نحو تأجيل المؤتمر على الرغم من أهمية إحداث تغييرات هيكلية على الرغم من ضرورة إجراء تعديلات في الجسم القيادي للحركة ، وضرورة تقييم فترة حكمها للبلاد ومواقفها من القضايا الكبرى التي رافقتها ، فإن عموم أبناء ومناضلي حركة النهضة قد صوتوا حسب مارشح من نتائج جزئية لفائدة تأجيل المؤتمر إلى مابعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية ، المشغل الأهم للحركة ولبقية الأحزاب ، إذ ترى أغلبية النهضاويين ان الاستحقاق الانتخابي والاستعداد له أولى أن يفتح ملفه منذ الآن ، أما القضايا الداخلية ، والحسم في مايطلقون عليه "سبل تصريف المشروع " فيمكن أن تنتظر لما بعده . 6. نحو التمديد للقيادة الحالية كشفت كواليس الاستفتاء ان عموم أبناء النهضة ، بتصويتهم لفائدة تأجيل المؤتمر ، فإنهم قد مددوا لقيادتهم الحالية وعلى رأسها رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي ، والتي بالرغم من نقدهم اللاذغ لها على بعض المواقف ، فإن الواقع والوضع العام بالبلاد أثبت صدقية خياراتها ، ويبقى التحدي الأكبر لهذه القيادة هو مزيد التواصل مع قواعدها ، ومزيد المصارحة حول الظروف والخفايا التي دعتها للقيام بخيارات "مؤلمة " لم تكن القواعد وعموم أبناء الحركة جاهزين نفسانيا لتقبلها . 7. رسائل ملغمة للأحزاب المنافسة نجحت حركة النهضة بنجاحها في تنظيم الاستفتاء في توجيه رسائل داخلية وخارجية نحو بقية الأحزاب المكونة للطيف السياسي الوطني على قوة مؤسساتها ، وانضباط أبنائها ، وتثيبت خياراتها إدارة أجهزة الحركة وقراراتها بأسلوب ديمقراطي على نمط الأحزاب الأوروبية الكبرى ، في حين يعتمد غيرها من الأحزاب آلية التعيين والولاءات من قبل الرئيس الحاكم بأمره ، ويتهرب من مجرد إنجاز مؤتمره الأول خوفا من التفكك والتشرذم . 8. تنشيط الفضاءات والمقرات ، وإعادة فتح ماأغلق منها بعد اعتداءات شهدت مقرات النهضة خلال فترة عطلة الربيع حيوية ونشاطا لم تشهدها منذ الانتخابات الفارطة ، وتمت بالمناسبة إعادة فتح مقرات وقع الاعتداء عليها من قبل أنصار أحزاب " يسارية وتجمعية " نذكر منها مقري كل من باجة وتالة ، التي احتضنت فعاليات ثقافية وسياسية وفكرية وتعبوية . لطفي هرماسي