* استفاد الشعبويون حتى في الولاياتالمتحدةالأمريكية من فترات الأزمة الاقتصادية. وسردياتهم الإقناعية خطيرة تقسّم الناس وفق ثنائية بين مجموعة فاضلة وأخرى مذمومة. * التحولات السابقة، مثل أوروبا الشرقية حدثت في مناخ إقليمي وعالمي أكثر ملاءمة للديمقراطية والنمو الاقتصادي مما واجهته تونس. * المطلوب بشكل عاجل هو مرة أخرى تبني القيم التي نالت تونس جائزة نوبل للسلام في عام 2015. * الديمقراطية هي كما نعتقد أفضل نظام حكم لتوفير الحرية والكرامة للجميع. قال راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب، في مقال رأي، نشرته صحيفة Usa today الأمريكية، اليوم 20 فيفري 2021، إنّ تونس بدأت منذ عشر سنوات "عملية انتقال رائدة ولكنها صعبة من النظام الاستبدادي إلى الديمقراطية". وقد أصبحت بذلك "منارة أمل للذين يؤمنون بديمقراطية عربية، وإجراء انتخابات سلمية، وإقامة مؤسسات ديمقراطية، وإحداث تغيير اجتماعي حقيقي". وتطرق الغنوشي إلى ما تشهده الساحة التونسية من تحديات، ومنها "صعود حركات تستحضر الحنين إلى النظام القديم وتسعى إلى العودة إلى الماضي الاستبدادي لحكم الرجل الواحد بدلاً من التعددية والنظام الديمقراطي". وقال الغنوشي إنّ ذلك ظاهرة يشهدها جزء كبير من عالمنا اليوم، بما في ذلك الولاياتالمتحدة. ويستفيد الشعبويون من فترات الأزمة الاقتصادية والاضطراب الاجتماعي. وتقوم سردياتهم الإقناعية الخطيرة على تقسيم الناس وفق ثنائية بين مجموعة متجانسة فاضلة من الناس ضد "آخر" مذموم، سواء كان ذلك من النخب أو الأقليات أو أي وجهة نظر بديلة. وذكر الغنوشي أنّ الحالة الشعبوية في تونس، اتخذت طريق مهاجمة المؤسسات الديمقراطية والمسؤولين المنتخبين والأحزاب السياسية، وتعطيل عملهم، وتغذية الفكرة القائلة بأنه يمكن معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المعقدة والعميقة الجذور من خلال العودة إلى حكم الرجل القوي "الأكثر فعالية"، أو تنصيب "ديكتاتور". واعتبر الغنوشي أنّه من الطبيعي أن تعقب أي ثورة حركات وخطابات معادية للثورة تسعى للحفاظ على امتيازاتها ومصالحها وإعاقة أي تقدم يتم إحرازه. وأكّد الغنوشي أن "الحنين إلى النظام الماضي هو سمة مشتركة عند جميع التحولات". وأقرّ الكاتب بأنّ الاضطرابات التي شهدتها بعض المدن التونسية مؤخرا، سلطت الضوء على حجم ما لا يزال يتعين القيام به. وأكد أنّه "بعد عقود من الدكتاتورية وعدم المساواة والفساد، يحتاج الاقتصاد التونسي إلى إصلاحات عميقة الجذور". وتابع الغنوشي: "يشعر الشعب التونسي بالإحباط من التقدم البطيء للإصلاح الاقتصادي منذ عام 2011 ولم يرَ بعد الوظائف ومستويات المعيشة الأفضل التي يتوقعها بحق. لم يواكب تقدمنا توقعات الناس. ألهمت الثورة توقعات ضخمة بيننا جميعًا، مع القليل من الوعي بمدى تعقيد التغيير. وإذا نظرنا إلى الوراء إلى التحولات الحديثة الأخرى منذ وقت ليس ببعيد ، مثل تلك الموجودة في أوروبا الشرقية، يمكننا أن نرى أن الأمر يستغرق عدة عقود لرؤية الفوائد من الإصلاحات الصعبة. ومع ذلك، يمكننا أن نفخر بالإنجازات الرائعة التي حققتها تونس في السنوات العشر الماضية. لقد أنشأنا مؤسسات ديمقراطية جديدة، وقمنا بحل النزاعات سلميا، ووضعنا ثقافة الإدماج السياسي، وأدخلنا حماية لحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، وسيادة القانون، ووضعنا معايير جديدة لمساءلة الدولة وشفافيتها. حققت تونس تقدمًا غير مسبوق، مما جعلها من بين أسرع التحولات الديمقراطية في التاريخ. وهذا أكثر جاذبية بالنظر إلى أن التحولات السابقة، مثل أوروبا الشرقية، حدثت في مناخ إقليمي وعالمي أكثر ملاءمة للديمقراطية والنمو الاقتصادي مما واجهته تونس". وتحدث الغنوشي عن المخلفات السلبية لأزمة انتشار فيروس كورونا، على بعض القطاعات الاقتصادية، وتعميق أزمة البطالة، وتراجع النمو الاقتصادي، وهو ما جعل جهود الحكومة متجهة نحو تحقيق توازن جيد بين حماية حياة التونسيين والحفاظ على سبل عيشهم. وقال الغنوشي إنّ الحل هو في "حكومة مستقرة تحظى بدعم أكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية والشركاء الاجتماعيين لديها أفضل فرصة لسنّ إصلاحات مؤجلة ولكنها ضرورية". ويرى رئيس مجلس نواب الشعب أن المطلوب بشكل عاجل "هو، مرة أخرى، تبني القيم التي نالت تونس جائزة نوبل للسلام في عام 2015، وذلك عبر إدارة الحوار بين الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وأصحاب الأعمال والمجتمع المدني حول رؤية اقتصادية مشتركة للبلاد". كما يجب التوصل إلى اتفاق حول إصلاح النظام الانتخابي لتمكين ظهور الأغلبية التي يمكن أن توفر حكومة مستقرة وخاضعة لمساءلة للشعب، وفق تعبير الغنوشي. وشدّد الغنوشي على أنّ حزمة الإصلاحات في تونس لا تستطيع أن تنجزها بمفردها.. "إنها بحاجة إلى دعم من شركائها الدوليين الذين يؤمنون بالديمقراطية. ويجب ألا تؤدي صعوبات تحولنا الديمقراطي إلى فقدان الثقة في ديمقراطية تونس. لقد عبرنا منطقة مجهولة في منطقتنا، في مواجهة التحديات الإقليمية والبيئة العالمية غير المواتية والمتقلبة. وتحتاج تونس إلى الدعم لأن نجاحها سيرسل رسالة إلى جميع الدول مفادها أن الديمقراطية يمكن أن تسود وهي، كما نعتقد، أفضل نظام حكم لتوفير الحرية والكرامة للجميع". وتابع الغنوشي: "إن استمرار الدعم والإيمان بانتقال تونس إلى ديمقراطية قوية ومستقرة ليس فقط في مصلحة التونسيين ولكن لجميع جيراننا وشركائنا. والدعم اللازمين، ستتحقق ثمار الديمقراطية التي كان التونسيون ينتظرونها".