يشهد ،المجتمع التونسي بعد الثورة المباركة، العديد من التحولات، الدراماتيكية والإستراتيجية، على المستوى الذهني والنفسي السيكولوجي، بعد تراكم ،عقود من الركود والانسداد، شوهت إبداعاته، وكبَلت فيه ، الطاقة الخلاقة لبناء مستقبله، والإيمان، بقدراته الكامنة فيه، جيلا بعد جيل، وأمدته نسائم الثورة، بفرصة للتعرف الحقيقي والصادق على مكنونات روحه، والإشراف من علٍ، على مكامن، المقدرات الخام من طاقاته، وجرف دم الشهيد، الذي سال في شوارع المدن، معه، كل الصدأ و الران الذي، التصق على روحه طيلة، عقود المسخ والاستبداد والوجع،وظهر ذلك في: - تحرر قطاعات المجتمع من كل وصاية، مهما كانت مرجعياتها و أدبياتها، بعد تحرر العقل الجمعي للمجتمع من عقال الخوف، واستئصاله لكل صور، العقل النفعي الشيئي والمادي، بعد ما شاهد، بأم بصيرته، الدماء على الإسفلت تسيل، وسمع، أهات المعذبين والمعذبات، والمعطلين والمعطلات، واكتشافه التزييف، وأوهام النمو و التنمية المستدامة، و ملاحظته ،تمدد مناطق الظل ، مناطق﴿ الكياس والضو وألما ﴾ لتصبح، حزاما رخوا، للمدن الكبيرة والساحلية، وتستقر الصورة الحقيقية، لوطن أتعبته سياسة قياداته النامية مع الثروة . - تمتع المجتمع ،قطاعاته ومكوناته الحيوية، بذاكرة، قوية و رحبة، تختزن كل الصور والأفعال والأقوال، وفي حالة جيدة، رغم الإتلاف المتعمد، للأرشيفات الوطنية، و تفطنه للتعامل المستراب والاستعلائي، لوسائل إعلام تقليدية، مسموعة ومقروءة ومكتوبة، ولدت ونشأت زمن الاستبداد والفساد، وترعرعت بين أحضانه وفي رعايته، وأخرى تفرعت منه وعنه، بعد ذوبان الكيان المتجمع . – اكتشاف المجتمع لذاته،و بعد بحث مضني، أعطاه قيمة معنوية، وقامة وهامة، بين الأمم، كمجتمع حيوي متحرر، خلاق، وولاد للأفكار والمشاريع و الأساليب، في مواجهة سارقي الأحلام والتاريخ والثروات، وتواق للتحرر من ربقة الاستبداد، شرقيا كان أم غربي، وهذا المجتمع، لم يعد يرى في المساحيق قيمة جمالية، إلا على المسرح التمثيلي، بل يرى الرجوع إلى طبيعة الذات، والنظر فيها ومنها، هو الجمال التونسي الخالص . - شعب، لم تعد تغريه الكلمات الرنانة و المنمقة، ولا الشعارات البراقة الجوفاء، ولا صناعة وهم جديد، باستقرار هش على أنقاض وليد مشوه، لثورة أراد ركوبها، من ساهم فيها، بالسلب وبالإيجاب، والاستئثار بها، وبالمكاسب التي تجنى ما بعد الثورة فالثورات في الأغلب ، تنفي ما قبلها وتأتي بعناصر جديدة، من الممكن أن تكون مركزة مثل الذهب النقي، وهذا مستبعد يصل حد الاستحالة ،وذلك راجع لطبيعة البشر، ويمكن أن تكون خليطا، بين قديم وجديد، وهو الأعم، وفي الحالات الأخرى، تكون غثاءا، وهذا يتم حسب درجة الكي، التي تصل إليها، طاقة الدفع الكلية للمجتمع الثائر . و المتتبع، للنهج والسلوك الإعلامي، الذي تتبعه الوسائل الإعلامية التونسية التقليدية، للتعامل مع المجتمع الجديد الذي يبني، خصوصية وهوية له، بعد ولادات سابقة مشوهة له، وبقايا بذور هلامية الشكل، في غياب تراب مهيأ للخصوبة، يلاحظ: -حالة، من الإسقاط والتعويم، في المفاهيم وفي تناول ودراسة المتغيرات التي يشهدها المجتمع، وصلت حد البحث المحموم عن التفرقة، والتوظيف و التوجيه السياسي المستبطن، للتأثير، في المخيلة الجمعية للمجتمع، في وظيفة من اختصاص الأحزاب السياسية. -اللعب على، تناقضات الحساسيات السياسية والفكرية، للنخبة، التي تعاني أزمات حقيقية، مع المجتمع، وفي تواصلها معه، نتيجة للنماذج الافتراضية، التي تسقطها عليه، و التي لم تجد، مساحات أخرى غير هذه الوسائل، لتمارس هواياتها الكلامية القديمة. -الابتعاد الواعي والممنهج، عن ملامسة المشاكل الحقيقية، التي عانى منها المجتمع وما زال، والتي ثار تحت وطأتها، وتحريف البوصلة و الاهتمام، نحو مواضيع هامشية وإشكالية، من نوع هل نحن مجتمع عربي مسلم أم فينيقي أم امازيغي… الخ، وتنزيل هذه المسائل، على واقع متغير، ومجتمع متحرر من هكذا قوالب، جاهزة في أذهان القائمين على غرف التحرير، ومتقدم و بأشواط، وبسليقته، على نخبة تنتج، العقم بعد العقم. - ممارسة الوصاية، هوائيا هرتز يا وحبريا، على مجتمع، واقع تحت صدمة مشاهد يومية، للتلون المتعدد والمتنوع، و الانتقال المتواتر على الحبال، الذي تمارسه هذه المنابر، مع سابقية الإضمار والإصرار، ومن ضمنها، التحول وبيسر، ودون اعتذار، من مقارعة و مهاجمة ،الماسكين على الجمر زمن الوقوف على المسامير، إلى ناطقين رسميين باسم الثورة والثوار، و مدافعين عن الثروة، ومآل سياقاتها، والمتناسين لحقوق الشهداء، والجرحى، والمنتهكة كراماتهم …و الزحف، من جيوب المستبد إلى جيوب بناة الهيكل الجديد للثورة . وإذا أخذنا قناة نسمة، نموذجا، نجدها تقريبا، قد مرت بنفس هذا السياق النظري. فمن العمل الإعلامي داخل منظومة فساد، بناها الذي هرب وترك حاشيته، ومع العمل على تسويق وتعويم ، في الدوائر الغربية، لنظام عانى الأمرين، من تلطخ سمعته في مجال الحريات عموما وبالأخص الإعلامية، ورغم الفلسفة التي أسست عليها، كمشروع جديد في الرؤية، من حيث الصورة و الإخراج، والتناول، مضمونيا ولغويا، يتساوق ،مع نضرة شعوبية تغريبية، تنهل من مراجع، معادية للسياق الثقافي ألقيمي والأخلاقي، للمجتمع المتوجه إليه بالرسالة الإعلامية، ومتنافر، مع مثيلاتها، القديمة و المستحدثة. ومع تباشير انزياح الغمة عن الشعب التونسي، والى اللحظات الأخيرة، انقلب التوجه والخيار، من متشبث، بنموذج حداثي علماني، يقف سدا منيعا، أمام الزحف الشرقي الأخضر، إلى منبر، يغالي في الثورجية المقنعة، بفاكهة، يسار ، هواه يساري ورائحته ومأكله وملبسه يعبق بطيف برجوازي صغير خارجا لتوه من حانات باريس، وبسيارات، نيوليبيرالي حديث، افتتح حديثا، مطعما سياحيا كبيرا، بأموال اكتسبها، من الاستيراد من فول الصين العظيم ، و يمارس التسريب على إعتصامات القصبة 1و2، وينقل بفرح و زهو، معركة اعتصام القبة المبين، التي هُدِدَ فيها بتقسيم البلد إلى فرقتين، ضد المجلس التأسيسي ومع الرئاسية أولا، ووصل السياق ،إلى الدس والاستهداف، لقطاع هام وحيوي داخل هذا المجتمع، والانتقال مع الوقت، من منبر إعلامي إلى منبر سياسي دعائي، وبطريقة فجة ،و تخويفية من مغبة فقدان نموذج حداثي تقدمي علماني، كان يرعاه الاستبداد بمباركتهم، وفي خلاف جوهري مع قطاع هام وكبير من المجتمع، ووصل الأمر، لما اُكتُشِف، أن هذا الدور لم يأتي بنتيجة، إلى الاستعاضة عنه بدور تهييجي، يمارس عنفا رمزيا موغل في العدوانية، تجاه ذاكرة شعب وخصوصيته وهويته، ويستهزأ بها على الملا، لم تراعى فيها، قيم احترام معتقدات الآخر المختلف، و التي هي من صميم الاعتقادات الغربية، وخصوصا وهي تخاطب ذات المجتمع، مما جعله يحس، بالاهانة، والتطاول على مقدسات نهل وشرب منها وتربى عليها، بالرغم مما يعتريها من أفكار خاطئة عند تمثلها، ولما كانت الحادثة الأخيرة، صادمة وعنيفة، أكثر من مادية، وربما كانت تنتظر ردود الفعل العنيفة والعشوائية، ولتضخيم الإحساس بالضيم، اختارت التوقيت الرمزي المناسب، يوم جمعة، قبيل انتخابات تشهد تجاذبا قويا، واختارت طاولة دائرية يؤثثها الصوت وجناحه ومثيله ،وتمارس هناك الحرية الموعودة في أبهى صورها، وانتظار صورة نموذجية و ترويجية،يجود الشارع بها إليها،و هي صورة نمطية يفرح لرؤيتها العقل الغربي، لمجتمع متخلف سلفي وهمجي، يتحكم فيه الرعاع والجهلة، ولا يحتكم للعقل، ولا يؤمن بالحرية، ولا تصلح له الديمقراطية ولا الانتخاب الحر، الذي سلب منه، مع وبعد الاستعمار، و لاستجلاب، التعاطف والمساندة وبيانات التنديد، داخليا ، وخارجيا من الخارجيات الرسمية فرنسية وايطالية….ومن منظمات و مؤسسات دولية، تستنكر الهمجية العربية التي تلتحف الدين . وفي الأخير، أوجه سؤالي للقائمين على قناة نسمة، هل تسمح لنفسها، باسم الحرية أن تشكك في الهولوكست أو المحرقة النازية، وهل تستطيع أن تصف الصهيوني، الذي يقتل النساء والأطفال في فلسطين، ويمنع الدواء والحليب عن أطفال غزة، بالإرهابي، وهل باستطاعتها، أن تقوم بتحقيق، حول الإرساليات التبشيرية، في تونس، وفي المغرب الكبير الغير عربي الذي تدافع عنه وتتسمى به، ولأنها لا تستطيع ذلك، لأنه اكبر من تحتمله ، فاني اطلب منها ،وبكل لطف، بدل تقديم اعتذار للشعب التونسي، الذي لم يغلطها يوما،و بعد أن شرخت ذاكرته، أن تفهمه ولا تؤلمه، مرتين، مرة مع المخلوع، ومرات بعد فراره،وان تثق فيه و لا ترتعب من خياراته واختياراته، فهو شعب وفي،حتى مع أعدائه ، لا يسكت على ضيم يمس كرامته، لم يطلبها يوما باعتذار، أو قدم صكوك غفران، ولتحترم إرادته، ومقدساته، ولا تنقل له القلق العصابي، الذي تعيشه نخبة ،منفصلة عنه ولا تثق في اختياراته، وتعتبره قاصرا وجب الوصاية عليه، ولا تريه إلا ما ترى ولا تهديه إلا سبيل الرشاد…سلوك فرعون، المعرفي … عبد النبي العوني تاجر وسجين سياسي سابق