*بقلم رافع القارصي نشر في الوسط التونسية يوم 10 – 05 – 2007 لم تكن مجزرة 8 ماي 91 الرهيبة حدثا معزولا وإستثنائيا في سياق سياسات دولة العنف في نسختها النوفمبرية الجديدة و إنما كانت تعبيرة دموية على العقيدة السياسية للنظام وتأكيد من حكام تونس الجدد أن البلاد قد دخلت بالفعل عهدا جديدا , عهدا عوض فيه الرصاص القنابل المسيلة للدموع وتحول فيه التعذيب و القتل إلى أدوات عمل تمكن " الموظف " الذي يحسن إستخدامهما من سرعة الترقي في الوظيفة و تسلق السلم الإداري في أوقات قياسية * , إنه العهد الذي تحول فيه جسد التونسي إلى ما يشبه المرفق العام تعود ملكيته إلى الدولة التي من حق أعوانها التابعين لسلك الضابطة العدلية إن يفعلوا بهذا الملك ( المرفق العام ) أى شيء من شأنه أن يساعد دولة العنف والإقصاء على بسط سيادة متوحشة لاتحدها مرجعية دستورية ولا إلتزامات دولية تجاه أشخاص القانون الدولي و المعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان . لقد كانت مجزرة الحرم الجامعي رسالة أراد نظام الأقلية في تونس توجيهها إلى أبناء شعبنا و مفادها أن الحكام الجدد كلهم عزم على سلب كل الحقوق من كل المواطنين بما في ذلك الحق في الحياة و ذلك في سبيل البقاء في السلطة وأن دولة التحديث المغشوش في نسختها النوفمبرية الجديدة لن تتوانى في إطلاق الرصاص في الشوارع و الجامعات بل وحتي في المساجد ( يرجى مراجعة أحداث مسجد سبالة بن عمار الشهيرة ) كل ذلك من أجل تعبيد الطريق أمام عصابات الجريمة المنظمة لمزيد نهب الثروة الوطنية وتأميم كل فضاءات المجتمع المدني . إن التكييف القانوني لما وقع في الحرم الجامعي يوم 8 ماي 91 يرتقي إلى إعتبار ما أقدمت عليه قوات القمع من إزهاق متعمد لأرواح خيرة أبناء الشعب شكل من أشكال إرهاب الدولة بكل المعايير القانونية الدولية التي إستقر بها العمل فقها وقانونا و يزداد هذا التكييف القانوني مشروعية عندما نراجع القانون المنظم لكيفية التصدي للمظاهرات من طرف القوة العامة و هو القانون رقم24 والصادر في تونس سنة 1969و الذي ينص في فصله 21 علي الآليات الواجب إستعمالها لتفريق المظاهرات و التي حددها المشرع بالتدرج على النحو التالي 1 إنذار المتظاهرين بواسطة مضخمات الصوت 2 الرش بالماء أو المطاردة بالعصي 3 الرمي بالقنابل المسيلة للدموع 4 إطلاق النار عموديا في الفضاء لتخويف المتظاهرين 5 إطلاق النار فوق رؤوسهم 6 إطلاق النار صوب أرجلهم قراءة وتعليق علي هذا النص التشريعي . إن منطوق النص و روحه العامة بالإضافة إلى بنيته اللغوية كل ذلك يؤكد بأن المشرع التونسي قد نحى وهو ينظم طرق التصدي لأعمال الشغب و المظاهرات منحى قانوني يساعد على حماية الأرواح البشرية حتى في حالة العصيان المدني و التظاهر في الطريق العام وهذا التوجه يجد ما يسنده في القانون الدولي وفي الإتفاقيات الدولية التى صادق عليها النظام الطائفي في تونس . إن سحبنا لهذا النص القانوني على واقعة الحال ( مجزرة 8 ماي 91) يساعد الباحث القانوني على تقرير مايلي . * إن الإقدام على إطلاق النار على طلبة عزل داخل الفضاء الجامعي و مع سابق الإصرار و الترصد ( راجع إعترافات الشهيد الحي بوبكر القلالي ) الأمر الذي أدى إلى سقوط الشهيدين الكريمين أحمد العمري و عدنان سعيد إلى جانب العديد من الجرحى من بينهم الشهيد الحي بو بكر القلالي يعتبر عملا إجراميا منافيا لمنطوق النص و ليس له ما يبرره خاصة أن إطلاق الرصاص على الطلبة كان من أجل إحداث فعل القتل و لم يتأطر ضمن الدفاع الشرعي الذى لم تتوفر أركانه في قضية الحال و من ثم يصبح من نفذ الجريمة ومن أمر بها ومن وفر لها الغطاء السياسي مدانون ويتوجب مقاضاتهم إن تعذر ذلك أمام القضاء الوطني فإن القضاء الدولي يملك من الصلوحيات ما يجعله قادرا على جلب الجناة و محاسبتهم على ما إقترفت أياديهم الآثمة من أفعال يجرمها القانون الدولي الإنساني وما السابقة القضائية التي أقدم عليها القضاء السويسري في قبوله النظر في الدعوى المرفوعة ضد الجلاد الفار من وجه العدالة الدولية المدعو " عم عبد الله القلال " إلا دليل يدعم ما توصلت إليه هذه الورقة البحثية * إن وجود هذا النص التشريعي لم يمنع السلطة التنفيذية من الإعتداء على الأرواح البشرية في كل الأحداث التي عرفتها تونس ( جانفي 78 جانفي 84 تحركات 78 8 ماي 91 ) و هنا يجدر التنويه إلى أن الإشكال في تونس لم يكن في التشريع وإنما في الممارسة السياسية للنظام الذى لايتورع في تجاوز القوانين الوطنية والدولية بشكل سافر و عمدي مما يجعله في خانة الأنظمة المارقة و المتمردة عن القانون الدولي الإنساني و بالتالي يصبح العمل على متابعة رموز الجريمة النوفمبرية من أوكد واجبات رجال القانون والضحايا على حد السواء . * إن جريمة 8 ماي 91 لن تسقط بالتقادم باعتبارها جريمة ضد حقوق الإنسان وطبقا لما إستقر به العمل فقها و قانونا فإن كل ما يشكل تهديدا للذات البشرية بفعل التعذيب أو القتل أو المعاملة القاسية يعد جرائم ضد الإنسانية وجب متابعة مقترفيها جزائيا . * إذا كان إطلاق الرصاص بهدف القتل مجرم قانونا بحكم التشريع الوطني والدولي إلا في حالة الدفاع الشرعي التي حددها المشرع والتي لم تتوفر أركانه في قضية الحال فإن القتل العمد الذي صاحب تدخل قوات القمع لتفريق تجمع طلابي سلمي داخل أسوار الجامعة و ليس من شأنه تهديد النظام العام و لاتعطيل حياة المواطنين يعتبر من قبيل الجرائم العمدية التي يتجه فيها القضاء إلى توخي أقصى ظروف التشديد على الجناة باعتبار أن هذا السلوك الإجرامي إتجه إلى سلب حق الحياة من الضحايا بدم بارد و هذا ما يدلل على النزعة الإجرامية الشريرة للجناة و لرئيسهم في العمل الذي أعطى التعليمات وأصدر الأوامر . وهكذا يتضح أن جريمة 8 ماي 91 تضمنت كل أركان الجريمة العمدية والتي يتجه فيها المشرع الوطني والقضاء الدولي إلى مقاربة قضائية تتجه نحو حرمان الجناة من كل ظروف التخفيف بل وعلى العكس من ذلك يتجه القضاء الدولي اليوم إلى إعتبار هذا السلوك الإجرامي من قبل الدول والأجهزة الأمنية المتورطة فيه من قبيل الجرائم الخطيرة و التي تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية التي يعاقب مقترفوها بأقصى العقوبات البدنية و لو قدر للسلطات القضائية السويسرية إيقاف المتهم الجلاد عبد الله القلال لقضى ما تبقى له من عمر وراء القضبان . لم تكشف مجزرة 8 ماي 91 على الطبيعة الإجرامية للنظام الطائفي في تونس فحسب وإنما كشفت كذلك على إنتهازية ولاأخلاقية العديد من الأطراف السياسية في البلاد الذين تحالفوا مع الجلاد و تحولوا إلى مساحيق رديئة لتجميل الوجه البشع للجناة أما أحدهم فترأس ما يسمى باللجنة الوطنية لحماية المؤسسات التربوية وأما الثاني فما زال و إلى عهد قريب يدافع عن تجنيد الطلبة و عن تواجد البوليس في الحرم الجامعي بل و حتى عن ما وقع في المركب الجامعي يو 8 ماي 91 وهو وبالتوازي مع ذلك مازال يصنف نفسه ضمن المدافعين عن الحداثة و عن حقوق الإنسان و عن دولة القانون والمؤسسات و نسي ماكان يعلمه لطلبة الحقوق في كلية الحقوق بأريانة أو في المركب الجامعي , إنه السقوط القيمي و الإفلاس السياسي لهذه الأطراف ولعل ما تعيشه من حالة تهميش وعطالة جزء من عدالة السماء التى تمهل ولاتهمل ( اللهم لاشماتة ). لقد كشفت دماء الشهداء الطاهرة الزكية الغطاء عن حالة من زواج المتعة بين النظام والرفاق ( اقصد التيار الإستئصالي الفرنكفوني ) إذ في الوقت الذي كان فيه أبناء الإتحاد العام التونسي للطلبة وبقية شرفاء الحركة الطلابية من إسلاميين و بعض مناضلي التيار الوطني داخل اليسار الطلابي يواجهون حرب أبادة حقيقية فرضت عليهم من قبل تحالف الشر المتكون من رموز اليسار"الحداثي " و آلة الدمار الشامل ممثلة في الإقطاع النوفمبري والأجهزة الخاصة للداخلية في هذا الوقت العصيب كانت قيادات إتحاد الرفاق تجتمع بوزير حقوق الإنسان لتقسيم غنائم هذه الحرب القذرة .( بدون تعليق ) إن الكلمات الخالدة للزعيم الطلابي والوطني السجين الحر رغم القيود الرمز والقائد البطل هيثم العجمي الأوريمي عجل الله إطلاق سراحه من سجون الإقطاع النوفمبري عندما قال ذات يوم ( لامجتمع مدني بدون جامعة ولا جامعة بدون الإتحاد العام التونسي للطلبة ) ستبقى خالدة خلود دماء الشهداء , شهداء الحرية والهوية في الجامعة والبلاد وستتوارثها أجيال الحركة الطلابية جيلا بعد جيل ولن تعتريها لاعوامل التعرية الثقافية ولا عوامل التصحر لأنها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء بل أصبحت فروعها في المنافي ترعاها وتتعهد صاحبها بالدعاء وتترقب فجرا قريبا بإذن الله العلي القدير . إنني أردت بهذه الورقة المتواضعة أن أجدد العهد مع الله أولا ومع شهداء الإتحاد العام التونسي للطلبة وكل ضحايا دولة الحذاء العسكري ثانيا عسى أن تكون هذه الذكرى حافزا لنا على مواصلة طريق حمدة بن هنية و عدنان سعيد و عثمان بن محمود و كل شهداء معركة التحرير والإستقلال الثاني على حد تعبير الد . المرزوقي حتى نكون عند يوم الحصاد الذى تكلم عنه الزعيم الطلابي والرمز الوطني عبد الكريم الهاروني الأمين العام السابق لمنظمة الإتحاد العام التونسي للطلبة حين قال غداة المؤتمر العام للحسم في المركب الجامعي عندما بدأت الأمطار في النزول على الجماهير ( نحن نزرع والمطر ينزل والحصاد قريب بإذن الله ) نكون يومها من الفائزين المنتصرين وهذا هو الربيع الحقيقي ربيع العزة و الشهامة والحرية لا ربيع الذل و المهانة والتسول . * ممثل الطلبة في المجلس العلمي لكلية الحقوق ( أريانة ) عن الإتحاد العام التونسي للطلبة سابقا .