– كتب د. محمد ضيف الله ليست المرة الأولى التي يتم فيها انتخاب أحد التجمعيين على رأس اتحاد جهوي للشغل، حدث ذلك منذ مدة في المنستير، وها هو الأمر نفسه يتكرر من جديد في سيدي بوزيد، حيث انتخب أحد أعضاء برلمان بن علي عن التجمع المنحل، كاتبا عاما للاتحاد الجهوي. إلا أن الملفت هو أن انتخابه تم بفضل تحالف غير مصرح به بينه أو بين الجهة التي يمثلها وبين أطراف يسارية تصنف نفسها على أنها ثورية، بل وأنها قوة بديلة. والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي تفوح منها رائحة مثل هذا التحالف أو الالتقاء الميداني بين بعض من رفعوا ذات ثورة شعار "يسقط حزب الدستور، يسقط جلاد الشعب" وبين من رُفع في وجوههم ذلك الشعار. فقد ظهر تحالف مشابه في أكثر من موقع ومن ساحة. والظاهر هنا أن مثل هذا التحالف الانتخابي الميداني كان للحيلولة دون هيمنة حركة النهضة على الساحة السياسية، إلا أنه أيضا كان -كما هو واضح- على حساب القوميين وضدهم، بما يطرح التساؤل إن كانت من اشتراطاته استبعاد القوميين بسبب اتهامهم للباجي قايد السبسي بالمشاركة في تعذيب اليوسفيين وقمعهم. نشير من جهة أخرى إلى أن الطرف اليساري في التحالف مع التجمعيين، كان منذ مدة قريبة يشنّع على حركة النهضة توظيفها واستقطابها للتجمعيين، محذرين من تحالف يميني-يميني أو بين طرفين يلتقيان على نفس البرنامج الليبرالي. غير أن ما لا يمكن تفسيره إيديولوجيا ولا تبريره طبقيا هو قيام تحالف يميني-يساري أو ليبرالي -تقدمي أو كمبرادوري-وطني، زيادة على أن مثل هذا التحالف ينزع عن أصحابه المبدئية التي يريدون الظهور بها أمام الجمهور في الموقف من النظام الساقط ومن التجمع المنحل ومن شعارات الثورة ومطالبها. وبالتالي فهم على هذا الصعيد لا يختلفون عن حركة النهضة قدر شبر أو قيد ذراع. وكل ما هنالك أن ثوريينا غادروا مواقعهم وتخلوا عن مواقفهم المبدئية دون بيان أو توضيح للناس. وهنا لابد من الإشارة إلى أن البعض كان يفرق منهجيا وبيداغوجيا بين يسار انتهازي ويسار وطني. اليسار الانتهازي كان عبارة عن أفراد طموحين أو طمّاعين في الكراسي، استقطبهم تجمع بن علي بعد انقلابه الطبي عام 1987، ومنحهم جزاء المؤلفة قلوبهم، وكانوا في عمومهم مبدئيين حيث بقوا أوفياء لصاحبهم إلى اللحظة الأخيرة وزادوا فرأيناهم بعد الثورة عنصرا فاعلا في تجمع نداء تونس. ولكن في مقابلهم كان اليسار الوطني مهيكلا في تنظيمات أو أحزاب قائمة الذات والصفات ولها رموزها ومواقفها وانتقاداتها للنظام القائم. أما اليوم فيبدو أن الكثير من هؤلاء اختاروا طريق الأولين، من خلال الالتقاء الميداني مع تجمعيي نداء تونس. وبسبب ذلك يحق لنا التساؤل إن كان السيناريو الذي تمت على منواله انتخابات جمعية المحامين الشبان أو الاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد يمكن أن يتكرر بعد أسابيع قليلة في انتخاب هيئة عمادة المحامين، وربما في غيرها من المواعيد الانتخابية داخل اتحاد الشغل وخارجه، بل هل يمكن اعتباره مجرد بروفة يختبر فيها كل طرف صاحبه وقواه الذاتية ونتائج التقائه مع الطرف الآخر، استعدادا لما يمكن أن يحدث في الانتخابات العامة القادمة. د. محمد ضيف الله تونس في 24 ماي 2013