ما انفكّ الدور التخريبي الذي تضطلع به دولة الإمارات العربية المتحدة يتغوّل في منطقة الشرق الأوسط يوماً بعد يوم، على أكثر من مستوى، بالتزامن مع فضح الصحافة الدولية المزيد عن هذا الدور. وما انفكت الامارات تمثل أحد أبرز أركان الثورات المضادة في نظر معظم الشعوب العربية في الدول التي انطلقت فيها ثورات الربيع العربي منذ مطلع عام 2011. دور الإمارات لم يتوقف على دعم الانقلابات والتحريض على شن الحروب الداخلية بين المكونات الشعبية، على الموقف السياسي والدبلوماسي، في محاولة لكسر إرادة الشعوب، بل وصل حد التآمر وإثارة الفتن والتمويل السخي والتسليح العسكري، بل شن غارات جوية لدعم الانقلابيين، وذلك بشكل خاص في ليبيا. ويعد تقرير لمجلة فورين أفيرز الأمريكية حول بناء الإمارات إمبراطورية للتجسس على جيرانها أحدث ما فضحته الصحافة من هذا الدور التخريبي. ولكن استفزازات الإمارات المتصاعدة في الأيام الأخيرة بحق تركيا والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ابتداءً بقيام وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، بإعادة نشر تغريدة مسيئة لتاريخ تركيا ولشخص أردوغان، حملت دلالات مهمة من وجهة نظر محللين. واعتبر المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، في رد مباشر على التغريدة المسيئة، أن الهدف منها هو بث الفتنة بين العرب والأتراك، فيما هاجم الرئيس أردوغان وزير خارجية الإمارات بشدة دون ذكر اسمه ، وقال إن بعض المسؤولين في الدول العربية يهدفون من خلال معاداتهم لتركيا إلى "التستر على جهلهم وخيانتهم". ويرى محللون أن أبوظبي تنطلق في سياساتها العدوانية، سواء تجاه تركيا، أو تجاه المنطقة بالعموم، من عدة منطلقات تصلح لفهم أسباب هذه السياسات. كما اعتبروا أن الإمارات من الدول التي تبحث عن دور أكبر من مقوماتها، وأن هذه الدول تقوم أحياناً بتخريب أدوار الدول المنافسة. وفي هذا الإطار، تحاول الإمارات كسر أدوار دول ذات نفوذ أكبر منها تقليدياً. وتسعى الإمارات إلى لعب دور إقليمي يتجاوز مساحتها وعدد سكانها واقتصادها وقوتها السياسية والعسكرية وقوتها الناعمة، وتحاول أن تقدم نفسها للولايات المتحدة والكيان الصهيوني على أنها الدولة الفاعلة والقادرة. و من الجلي والواضح أن في خلفية دعم الإمارات للانقلاب بمصر، إضافة إلى مواجهة الإسلام السياسي، إضعاف دور مصر على المدى البعيد، وهو ما ينطبق على علاقتها مع السعودية، وكذلك الحال بالنسبة إلى تركيا. ويعتبر محللون ان من الأسباب التي تدفع الإمارات إلى مخاصمة تركيا هي رؤيتها الخاصة للتحولات في المنطقة، فهي تقود الثورات المضادة ومن ثم تصنف تركيا على أنها دولة داعمة للثورات، وتتخذ موقفاً معادياً منها لهذا السبب، على الرغم من مراجعة أنقرة لإستراتيجيتها الخاصة بعلاقاتها الخارجية منذ عام 2015. ويعود سبب تزايد الاستفزاز الإماراتيلتركيا مؤخراً رغم تحسن العلاقات نسبياً في الآونة الأخيرة لا سيما في القطاع الاقتصادي، إلى النوايا غير سليمة لدولة الامارات. ونظراً إلى العلاقات شبه المعلنة بين الإمارات والكيان الصهيوني ، فإن العامل الصهيوني ليس غائباً في افتعال المشكلة الأخيرة مع تركيا التي قادت على مدى أسبوعين جهوداً إقليمية ودولية مكثفة لمواجهة قرار الإدارة الأمريكية بشأن القدس والذي يعترف للكيان الصهيوني بأن المدينةالمحتلة عاصمة له. وفي هذا الصدد، يرى محللون أن تصرف وزير الخارجية الإماراتي "غريب جداً"، وجاء في ظرف كانت تركيا تحشد فيه دعم الدول العربية والإسلامية من أجل القدس في الأممالمتحدة، وقد جاءت حادثة التغريدة المسيئة لتركيا لتفتعل صراعاً بين تركيا والعرب. هناك رغبة في إشعال صراعات بينية تغطي على الصراع الأساسي مع الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني". وعلى الرغم من أن القائد العثماني الشهير ب"نمر الصحراء" فخر الدين باشا كان قد دافع عن المدينةالمنورة ببسالة، وقاتل حتى الرمق الأخير القوات الإنكليزية وبعض القبائل العربية المتحالفة معها، رافضاً تسليم المدينة للقوات المحتلة، فقد ركزت التغريدة التي أعاد عبد الله بن زايد نشرها على هذه الشخصية، وخلعت عليه أوصافاً واتهامات لا يقر بها العديد من المؤرخين العرب والأتراك. ويعد استحضار البعد التاريخي في هذا التوقيت الهدف الوحيد منه هو "استغلاله في سياق سياسي للتشويش على تركيا، فهناك عدم رضا وغضب على الدور التركي المتقدم في العمل الإسلامي الرسمي المشترك"، ولا سيما فيما يتعلق بمواجهة قرار ترامب الأخير بشأن القدس .