استغلال الأطفال و تشغيلهم كعملة بالمنازل ظاهرة ليست بالجديدة في تونس ، و حتى ما بعد الثورة مافتئت تطالعنا بين الفينة والأخرى أنباء عن استغلال قاصرات و تشغيلهن كمعينات منزليات لدى أسر ميسورة الحال و معاملتهن بشكل مهين و استغلال أطفال للتسوّل في الشوارع أو حتّى للنشل والسرقة مقابل مبالغ مالية ضئيلة ..إلى غير ذلك من طرق العمالة التي تُسلّط على عدد من الأطفال، ممّا أثار جدلا كبيرا على الساحة الحقوقية وعلت الأصوات صادحة للمطالبة بسنّ تشريعات تحمي الطّفل و تعاقب كلّ من يتواطأ ، من قريب أو من بعيد ، لاستغلاله و العمالة به . و رغم أن القانون التونسي يجرّم تشغيل الأطفال القصر دون 18 سنة، إلا أن النص القانوني غير كاف لمعالجة ظاهرة تفاقم تشغيل الفتيات كمعينات منزلية ، مما فاقَمَ الظاهرة أكثر. و يبلغ عدد الأطفال التونسيين الناشطين اقتصاديا، وفقا للمسح الوطني الذي أعده معهد الإحصاء ووزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمة العمل الدولية أكثر من 215 ألف طفل. وقال رئيس هيئة قيادة تنفيذ المخطط الوطني لمكافحة عمل الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية، نبيل الوراري، إن هذا العدد يساوي 9.5 بالمائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة. ويبلغ العدد الإجمالي لأطفال تونس الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة نحو 2 مليون و273 ألف طفل، من بينهم 215 ألف و700 طفل ينشطون اقتصاديا. وأكد الوراري، في تصريح ل"أصوات مغاربية"، أن من جملة هذا الرقم يوجد أكثر من 179 ألف تقل أعمارهم عن 16 سنة، أي ما يناهز 7.9 في المئة من مجموع أطفال تونس، وهي الفئة العمرية التي يجرم القانون تشغيلها. ويضيف المصدر ذاته أن أكثر من 136 ألف طفل يشتغلون في مهن خطرة، أو في ظروف صعبة يمنعها القانون. ويستأثر القطاع الفلاحي، وفقا للمصدر ذاته، بالقسم الأكبر من عمالة الأطفال، إذ يشتغل فيه نحو 48.8 في المئة، مقابل 20.2 في المئة يشتغلون في مجال التجارة وتتوزع النسبة الباقية على مجالات الصناعة والإنشاءات وغيرها. وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي لعمالة الأطفال في تونس، يؤكد المسؤول بوزارة الشؤون الاجتماعية، أن عمالة الأطفال ترتفع في مناطق الشمال الغربي إذ تصل نسبة تشغيلهم إلى 27.7 في المئة أغلبهم في القطاع الزراعي. ويعتبر الوراري أن نتائج المسح الوطني أظهرت أن نحو نصف عمالة الأطفال، تعود إلى العائلات التي تلجأ إلى تشغيل أبنائها في ظل تناقص اليد العاملة في عدد من المجالات. وتنقسم عمالة الأطفال إلى عمالة موسمية، خصوصا في فترات جني المحاصيل الزراعية، وأخرى دائمة. ولمواجهة تفشي ظاهرة عمالة الأطفال، شرعت السلطات منذ العام الماضي في تنفيذ مخطط لمكافحة عمل الأطفال ينتهي العمل به في العام 2020. وتضم هيئة تنفيذ هذا المخطط ممثلين عن وزارت تونسية ومنظمات محلية، على غرار اتحاد الشغل واتحاد رجال الأعمال واتحاد المزارعين، إلى جانب ممثلين عن المجتمع المدني. ويهدف هذا المخطط، إلى وضع التصورات والآليات العملية الكفيلة بالحد من التحاق الأطفال بسوق العمل. وفي هذا السياق، يقول رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف، إن "هذه الأرقام من شأنها أن تعزز عمل الجمعيات التي تطالب بإيلاء الطفل مكانة أكبر في مجتمعه". وفي ما يتعلق بأبرز أسباب تفشي الظاهرة، يضيف المتحدث أن عمالة الأطفال مرتبطة ارتباطا وثيقا بارتفاع معدلات الانقطاع المدرسي التي فاقت، وفق المصدر ذاته، حاجز ال100 ألف سنويا بعد الثورة، فيما كان الرقم لا يتجاوز 60 ألف طفل، قبل الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. ويرى الشريف أن مراكز الدمج الاجتماعي، وعددها 18 في كامل البلاد، غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من الأطفال المنقطعين عن الدراسة سنويا. وإلى جانب الانقطاع المدرسي، يعتبر الناشط الجمعوي أن التشريعات التونسية غير قادرة على ردع ظاهرة تشغيل الأطفال في ظل صعوبة إثبات هذه التهمة على المشغلين، علاوة على عزوف المواطن عن التبليغ على حالات عمالة الأطفال، وعدم وجود آليات واضحة للتبليغ في الوقت الراهن. ويشدد الشريف على أن الطبقة السياسية غير معنية بتحسين واقع الطفل في تونس، على اعتبار أنه" لا ينتخب"، على عكس شرائح عمرية أخرى، مثل المرأة التي يسارع السياسيون إلى حمايتها بالقوانين والتشريعات لاستقطاب صوتها في مختلف الاستحقاقات والانتخابات. ويشير الناشط الاجتماعي إلى التأثيرات النفسية والبدنية الكبيرة على الطفل الذي يتم استغلاله اقتصاديا، من بينها التأثير على سلامة نموه الجسدي وتضرر توازنه النفسي، في ظل إجباره دون غيره من الأطفال، على ممارسة أشغال لا تناسب سنه.